روضة الصائم

الإسلام حارب الجهل وحث أتباعه على العلم والتعلم

24 مايو 2018
24 مايو 2018

نقائص عالجها الإسلام -

القاهرة: محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولى - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتي مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية. فهو قبل أن يحرم أو ينهي عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه ... وعلي مدي أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة علاجها في ضوء القرآن والسنة.

يؤكد محمد بن إبراهيم التويجري في كتاب «موسوعة فقه القلوب» أن الإسلام صنف الجهل ضمن النقائص الإنسانية ووصفه بشجرة القبائح والسيئات، بينما ربط العلم بشجرة الزينات والحسنات، وجاء ذكر الجهل والتنفير منه واعتباره من النقائص بالكثير من آيات القرآن الكريم، فقال الله تعالي: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)، (سورة الزمر الآية:64). وقال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)، (سورة النحل الآيات: 116، 117). وقال تعالي: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، (سورة المائدة الآية:50).

والناس من حيث اتصافهم بنقيصة الجهل متفاوتون، كما هم متفاوتون في العلم، فجاهل بأسماء الله وصفاته، وجاهل بدينه وشرعه، وجاهل بقضائه وقدره، وهم متفاوتون في الجهل بذلك فمستقل ومستكثر. والجهل شجرة خبيثة تثمر كل شر وبلاء وقبيح، والعلم شجرة طيبة تثمر كل خير وبركة ومليح. والجاهل يضر نفسه، ويضر غيره، والعالم ينفع نفسه، وينفع غيره. فالعالم والجاهل لا يستويان في العمل، ولا يستويان في الجزاء، ولا يستويان في القيمة عند الله، وعند الناس، ويقول الحق سبحانه وتعالي: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ . إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، (سورة الزمر الآية: 9).

فالجهل بأسماء الله وصفاته، يولد الطامات، والقول علي الله بلا علم، وظن الناس بربهم غير الحق، مصداقا لقوله تعالي: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، (سورة الأنعام الآية: 144). وأما الجهل بدين الله وشرعه، فقد نشأ بسببه من البدع والمخالفات ما عم وطم، وبلغ السهل والجبل. والناس متفاوتون في ذلك، فمنهم من يعبد الله مخلصا لكن علي جهل، ومنهم من ابتدع في الدين عبادات لم يشرعها الله ورسوله، فصارت عبادات يتقرب بها الجاهلون إلي الله، ويدافعون عنها، ويعادون من أنكرها عليهم، ويدعون الناس إليها، وينسبونها لله ورسوله، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالي: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، (سورة الشورى الآية: 21).

وأما الجهل بقضائه وقدره، فقد نشأ بسببه نسبة ما لا يليق به إليه تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا. فالجاهل يشكو الله إلي الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم، والعارف والعالم إنما يشكو إلي الله وحده. وأعرف العارفين من جعل شكواه إلي الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو موجبات تسليط الناس عليه كما قال سبحانه: (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا) (سورة النساء الآية: 79).

ويذكر مؤرخ الإسلام الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب «الكبائر»: إن الجهل ثلاث مراتب أخسها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. والجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة في ثنايا التاريخ، وليست المقابل لما يسمي بالعلم والحضارة. وإنما حقيقة الجاهلية: هي رفض الاهتداء بهدي الله، ورفض الحكم بما أنزل الله، ورفض العمل بشرع الله.

فالجاهلية في الحقيقة هي التي تستنكر هدي الله، وتستحب العمى علي الهدى، وتزعم أن ما هي فيه هو الخير المحض، وأن ما تدعو إليه من الهدي هو الضرر والخسران، كما قال الله سبحانه وتعالي: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، (سورة فصلت الآية: 17). وزوال هذه الجاهلية يكون بالعلم والإيمان والأعمال الصالحة وبذل الجهد؛ لإعلاء كلمة الله.

وذهاب الإسلام على أيدي أربعة أصناف من الناس: صنف لا يعملون بما يعلمون، وصنف يعملون بما لا يعلمون، وهذان الصنفان فتنة لكل مفتون، فالأول العالم الفاجر، والثاني العابد الجاهل، والناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم، فإذا كان العلماء فجرة، والعباد جهلة، عمت المصيبة بهما، وعظمت الفتنة علي العامة والخاصة، فليحذر العبد من هؤلاء ولا يخالف قوله فعله امتثالا لقول الحق تبارك وتعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)، (سورة الصف الآية: 2).

والصنف الثالث: الذين لا علم لهم ولا عمل، وإنما هم كالأنعام السائمة كما قال الله عنهم: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)، (سورة الفرقان الآية: 44). والصنف الرابع: الذين يمنعون الناس من العلم والعمل، ويثبطونهم عنهما، وهؤلاء هم نواب إبليس في الأرض، وهم أضر علي الناس من شياطين الجن.

إن الإنسان بالعلم والإيمان تحصل له الطمأنينة والسكينة، والانقياد والتسليم، وطاعة الله ورسوله، وبسبب الجهل والكفر تحصل له الوحشة والاضطراب، والرياء والاستكبار، ومعصية الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، والاعتراض علي أسماء الله وصفاته، والاعتراض علي شرعه وقدره، وقل من يسلم من هذا، فكل نفس بسبب الجهل معترضة علي قدر الله وقسمه وأفعاله إلا نفسا اطمأنت إليه، وعرفته حق المعرفة، فأناخت ببابه، ألا ما أعظم نقيصة الجهل بالرب والدين والشرع.