Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :نقد في موضع الإشادة

22 مايو 2018
22 مايو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

لم يعد شهر رمضان المبارك حالة استثنائية في توالي الشهور الهجرية حسب تراتبيتها المستمرة كل عام، فمنذ أن بدأ إدراكنا يعي ما معنى شهر رمضان، وما معنى الصيام ما زلنا نتحسس جزءا يسيرا من دروسه، وعظم مقاصده، وسنظل كذلك؛ لأن شهرا بهذا القدر من تعظيم الله؛ جل جلاله له؛ لن يكون يسيرا لفهمه هكذا جملة واحدة، من غير تراكم خبرات الحياة، وتراكم حجم العمر بسنواته؛ العجاف؛ وإلا لأصبحت مسألة احتواء معانيه ودروسه مسألة بسيطة، لا تحتاج كل هذا التحفز، وكل هذا الاستعداد الذي يبديه الناس لهذا الشهر الفضيل والكريم، والمقدس في الوقت ذاته.

منذ أعمارنا الصغيرة، وحتى اليوم، لا تزال مسألة صلاة التراويح تأخذ كثيرا من اهتمامات الناس، وأغلب الأسئلة المثارة تتمحور حول السؤال: لماذا الناس يتهافتون على صلاة التراويح أكثر من غيرها من الصلوات، ويضاف أيضا: لماذا هذا الاهتمام الذي يبديه الناس المصلون في هذا الشهر بالذات، ويتضاءل هذا الاهتمام في بقية الشهور، وتظل هذه الهبة «التساؤلية» طوال أيام شهر رمضان، وتختفي إلى حين عود شهر رمضان القادم، حيث تتجدد الأسئلة من جديد، وهي ذات الأسئلة أيضا، وهناك اليوم من يخرجها من حالة الاهتمام الفردية؛ ويربطها بالمذاهب، كما أثير قبل يومين حول تغريدة «تويترية» تناولت هذا الجانب، وقد أثارت الكثير من التساؤلات لخروجها عن السياق المعتاد في مسألة صلاة التراويح.

ويبدو من كل هذه التفاعلات، والتصادمات في الآراء؛ أحيانا؛ أن الناس يعيشون «حشرية» دائمة، أي يحشرون أنفسهم فيما يعنيهم، وفيما لا يعنيهم، فالعلاقة بين العبد وربه علاقة على قدر كبير من التعقيد، وبالتالي لا تقبل الأخذ والرد، والدخول بين طرفي هذه العلاقة، يعد انتهاكا سافرا لما لا يجب أن يكون عليه الحال، فاتركوا هذه العلاقة كيفما تكون (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم تعملون) - الآية (105) من سورة المائدة. فالمسموح به في هذه العلاقة هي تقويم الأخطاء من خلال النصيحة الصادقة لإعادة الفرد إلى مساره الصحيح، أما كيف هو حاله في توظيف هذه العلاقة مع ربه، فهذا أمر؛ أتصور؛ أنه يكون في مستوى المبالغة الممقوتة عندما يذهب الكثير من الناس في تقييمها وفق منظورهم الشخصي القاصر.

ومما يستوجب الإشادة هو هذا التهافت الجماعي الجميل، حيث ترى الناس يتقاطرون من كل حدب وصوب، متجهين إلى بيوت الله «المساجد» وحدانا ومجموعات، صغارا وكبارا، في منظر يبهج النفس، ويراكم من الاطمئنان، بأن الناس لا يزالون على دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وامتلاء المساجد بهؤلاء المساكين والفقراء والمحتاجين إلى رضوان الله، يعكس هذه الفطرة السليمة؛ التي فطر الله الناس عليها؛ فهذه حالة صحية لا تستوجب النقد، بقدر ما تستوجب الإشادة، وكون الصورة يتعاظم وجودها في شهر رمضان؛ لأنه شهر تتضاعف فيه الحسنات وتمحى فيه السيئات، وبالتالي فليس كثيرا على الناس أن يتضاعف اهتمامهم بمختلف العبادات في هذا الشهر، وهي حالة صحية، وهذه مسألة مهمة جدا، فأكرم بهؤلاء جميعهم هذا الاهتمام، وهذا الحب الصادق، وهذا الإخلاص الجميل.

مسألة أخرى لا تزال محل نقد أيضا، وموثقة في الكتب، ولا تزال حديث خطباء المساجد بين كل فترة وأخرى، وهي امتلاء الموائد بأصناف الطعام، وأنني لأعجب حقا من هذا التسلط في النقد لما يذهب إلى نقد هذه الصورة التي يكرم فيها الإنسان نفسه، وهذا في قمة احترام النفس وتعظيم دورها، وإن كانت هنا المقارنة غير منصفة بين نعيم الجنة ونعيم الدنيا، فماذا يضير لو أن هناك من استوحى معاني تكريم الله لعباده في جنات الخلد، بأن يكرم الإنسان نفسه في هذه الحياة من خلال صور عديدة، تكون موائد شهر رمضان أحدها «احتفاء» بقرب نعيم الجنة إن شاء الله.