Tunis-New
Tunis-New
أعمدة

تواصل: الجواب باين من عنوانه !

22 مايو 2018
22 مايو 2018

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إيجاد تفاعل شعبي متواصل لكل ما يطرح من قرارات حكومية وقضايا اجتماعية واقتصادية وغيرها، بل ذهب مستخدمو هذه الوسائل لأبعد من ذلك بعدم اكتفائهم بأن يكونوا ردات فعل لما يطرح، بل أصبحوا هم بأنفسهم من يكتبون موضوعاتهم عبر هذه المنصات ويطالبون المسؤولين الحكوميين بالمشاركة عبر حساباتهم في تلك القنوات، وهذا أوجد حراكا جميلا يشارك فيه أحيانا المسؤولون الرسميون ويتخذون في أحسن الظروف قرارات متماشية مع ما تم تناوله في تلك المنصات.

مع تنامي توظيف الوسوم (الهاشتاجات) لنقاش الموضوع الواحد وجد كل مستخدم في نفسه إمكانية أن يكون مساهما في صناعة القرار برأيه الذي قد يتفاعل معه الكثيرون من المشاركين في الوسم حتى يصبح مطلبا شعبيا، وهـذا الإحساس بالأهمية من قبل الأشخاص وشعورهم بأنه أصبح لهم صوت مسموع بعد أن تجاهلتهم وسائل الإعلام التقليدية لزمن زاد من تفاعلهم في كل ما يستدعي ذلك وما قد لا يستدعي أيضا، فالمتابع لهذه المنصات يلحظ تزايد وتيرة إنشاء الوسوم المختلفة للنقاش واستباق ما يطرح فيها الكثير من الأحداث في بعض الأحيان، ففي شهر رمضان وغيره من شهور العام مثلا تعرض وسائل الإعلام التقليدية الكثير من البرامج والمسلسلات والإعلانات وغيرها من الأعمال الفنية، وهنا يبدأ مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي في التعبير عن آرائهم على ما يعرض في وسائل الإعلام وأحيانا مباشرة عقب عرض فيديو الإعلان الخاص بالعمل الفني خصوصا إذا كان ذلك العمل منتظرا منذ فترة أو قد سبقه تضخيم في وصف تفاصيله من قبل القائمين عليه، أو أن مجتمع وسائل التواصل الاجتماعي كان يرى التجارب السابقة في مجال العمل الفني ذلك لم تكن بالمستوى المطلوب أو المتوقع وقد قال رأيه مرارًا وتكرارًا لكن لا مجيب ولا تفاعل من المؤسسة الرسمية المعنية، أو ربما لم يكن يوجد موضوع يتصدر الموضوعات الأكثر نقاشا في البلد في فترة عرض العمل الفني فشعر المستخدمون بأنهم بحاجة لموضوع يسليهم أو يحرك المياه الراكدة في التفاعل وغيرها من الأسباب التي تجعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يهتمون بعمل فني معين لدرجة جعل الوسم الخاص بنقاشه الأكثر تداولا في بلدهم.

هنا يبدأ المستخدمون في إنشاء وسوم قبل اليوم الأول من عرض العمل الفني وفي أحسن الأحوال قد ينتظرون نهاية بث الحلقة الأولى، وبعدها تنهمر آراؤهم عن ذلك العمل، فهم أما مع ذلك العمل لدرجة قد يمطرونه بالمدح والإشادة ولا يتقبلون أي رأي يخالف ذلك وقد يصفونه بالجاهل وأما مع المطالبة بإعطاء العمل الفني فرصة وذلك بمشاهدة حلقات أكثر منه، كما أنهم قد يكونون ضد ذلك العمل فيبدأون في كتابة كل الملاحظات التي كان يمكن أن يتجنبها الفريق القائم على العمل الفني كي يحقق النجاح، كما قد يرون أن هذا العمل لا يليق والتطور في المعدات والكوادر البشرية الذي أصبحنا عليها في عام 2018 وأن هذا المستوى كان يمكن أن يقبل في سنة 1990مثلا لكن ليس الآن، أو قد ينصحون المتابعين بعدم مشاهدته لأنهم سيضيعون وقتهم وأنه من الأفضل لهم الاستفادة من ذلك الوقت في مشاهدة أعمال فنية أخرى قد يقترحون أسماءهم أو حتى قضاء الوقت مع الأسرة بعيدا عن شاشات التلفزيون.

بعض المستخدمين قد يذهبون في تفاعلهم لأبعد من ذلك بالمطالبة بإيقاف ذلك العمل الفني لأنه مثلا دون المستوى فنيا وهو بذلك يسيء لصورة التطور في هذا المجال في البلد أو أنه يتعارض مع قيم مجتمعية أو يسيء لبعض الأعراق أو العلاقة مع دول أخرى ورعاياها أو يعزز لسلوكيات غير مقبولة وغيرها من الأسباب، إذ يعبرون عن رفضهم لهذا العمل بوسم يتفاعل معه آلاف المستخدمين من البلد الذي ينتمون له ويعززون رأيهم بالأدلة والبراهين والمقارنات مع الدول القريبة والأمثلة العالمية أحيانا، حتى تجد أن أمام هذا الضغط الشعبي تلجأ أحيانا بعض المؤسسات الإعلامية لإيقاف بث عمل فني معين وكل ما بث منه هو حلقة أو اثنتان أو أقل من ذلك وهو الإعلان!

وهنا يصل المتابع لتلك المنصات لحقيقة أن بعض ردود الفعل هناك آنية وسريعة وأحيانا غير منصفة وتستبق الأحداث، لكن سيقول قائل: لا مانع من ذلك، فالمؤسسات الإعلامية تقدم مادتها من أجل الجمهور، وإذا كان الجمهور يرفض ذلك العمل فلماذا تستمر في عرضه؟ هناك من سيرد على ذلك بأن جمهور وسائل الإعلام التقليدية هو ليس فقط مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فلماذا ينبغي أن تمضي الأمور كما يقررها مستخدمو تلك المنصات الإلكترونية؟ هل لأن أصواتهم أقرب للمؤسسات الإعلامية؟ أم لأن الأنظمة ترى أنهم الأكثر وعيا؟ أم لأنهم الأكثر ظهورا في المشهد؟ سيرد آخر: ربما هي قوة وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير في صناعة القرار والتي أصبحت واضحة لمن يتابع هذه القنوات وما يحدث فيها.

إن المشتغلين في مجالات الإعلام والفن أصبحوا اليوم أمام مسؤولية أكبر في الانتباه لكل تفاصيل العمل قبل طرحه لأن غفلانهم عن شيء واحد قد ينسف كل الجهود المبذولة في إنتاج ذلك العمل من خلال وسم (هاشتاج) واحد يقرر فيه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي أنهم لا يحتاجون لمشاهدات أكثر لذلك العمل لأنه مثلما يقول المثل المصري (الجواب باين من عنوانه)!