روضة الصائم

الإنشاد فن يستهوي الشباب 7 - أحمد الشيباني: المسابقات شجعت الكثير على تطوير قــــــــدراتهم الصوتية

22 مايو 2018
22 مايو 2018

اجرى الحوار: أحمد بن علي الذهلي -

المنشد أحمد بن عبدالله الشيباني صوت يعرفه الكثير من المتابعين للإنشاد في السلطنة بدأ يمارس هذا الفن منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، بدأت حكايته مع الإنشاد عندما اكتشفه مدرس التربية الموسيقية بالمدرسة، خصوصا بعد أن لمس منه جوانب ومقومات صوتية، فعمل على تطوير قدراته في (علم الصولفيج ) وهي من الطرق التي كانت متاحة في تلك الفترة، وشد من أزره في مواصلة مشواره، لكن الهدف في البدايات لم تكن لتطوير القدرات الفنية كمنشد ديني، وإنما لاستخدام هذه القدرات في المشاركات الفنية بالمدرسة كأداء السلام السلطاني، وقراءة القرآن الكريم في طابور الصباح وغيرها.بالطبع كل ذلك كان له أثر واضح في تطوير القدرات الفنية لدى المنشد أحمد الشيباني خصوصا وأن جميع إخوته كانوا يتمتعون بذائقة فنية رائعة.وحول مشواره والمحطات التي عبر بها الشيباني يتحدث لـ (روضة الصائم) قائلا: فكنا نشارك في الكثير من الفقرات الفنية في مختلف الفعاليات داخل وخارج الولاية، ثم تأتي مرحلة أخرى وهي أيام دراستي بالكلية التقنية حيث ذهبت لمعرض الكتاب، واشتريت أول إصدار للأناشيد الدينية بالأسلوب الجديد، كان بعنوان: «جراح سراييفو»، ففتنت بطريقة عمل الكورال، وضبط الأداء وبادرت بالتدرب على وضع أصوات الكورال، وقمت بمحاولة تنفيذ بعض الأناشيد والكورال بأجهزة بسيطة كانت متوفرة، حتى وفقني الله تعالى بتسجيل أول إصدار عماني بعنوان: «شموس الحق» في أستوديو غير مختص بتسجيل الأناشيد.

ويضيف: وقد لاقى الإصدار رواجا واسعا في الأوساط المحلية، وشجع الكثير من الموهوبين بالسلطنة على سلك هذا الطريق فأثمر ذلك لاحقا بإقامة أول مهرجان للإنشاد في جامعة السلطان قابوس أشرفت عليه شخصيا، وشارك فيه عدد من الطلبة بالجامعة آنذاك من أمثال الأستاذ المنشد أبو المهند العميري والأستاذ علي الصارمي وغيرهم من المنشدين الذي أصبح لهم شأن في هذا المجال فيما بعد.

وأضاف قائلا: عقب ذلك سافرت إلى دولة الكويت لتسجيل ألبومي الثاني الذي شكل منعطفا وانطلاقة حقيقة للإنشاد بالسلطنة، حيث تم تسجيله في استوديو مختص بالإنشاد وبتنفيذ من مهندس متمكن في هذا المجال وهو الأستاذ عمران البني الذي ذاع صيته في تلك الفترة، فعدت من الكويت بشيئين كان لهما أثر واضح بمسيرة الإنشاد وهما، إصدار بعنوان: « إشراقة الأمل» تم تسجيله على نمط الأناشيد الحديثة، وأيضا معرفة جيدة بطريقة التسجيل، وتوزيع الكورال والخلفيات المصاحبة للنشيد والتي تم نقلها فيما بعد إلى المهتمين بمجال النشيد من مهندسين ومنشدين بالسلطنة، وذلك من خلال قيامي بالإشراف على عدد من الإصدارات العمانية بل وتنفيذ الكورال لعدد منها بالسلطنة كإصدار «طيف»، «استبسال: لمهرجان المعالي وغيرها من الإصدارات والتي تم تسجيلها في استوديو الأستاذ عبدالله بن إبراهيم البلوشي الذي حمل شعلة الإنشاد الديني في السلطنة معنا كموزع ومهندس صوت مبدع، فعكفت على تدريب بعض من المنشدين الناشئين وتقييم قدراتهم وتوجيههم من خلال المشاركة بتقييم بعض المسابقات الإنشادية المختلفة بالسلطنة.

تتوافق مع رسالة الأدب الإسلامي

وأكد الشيباني خلال حديثه أن الإنشاد الديني هو فن هادف جميل يعتمد في الأساس على الرسالة التي يحاول المنشد إيصالها إلى الناس وأيضا على القدرات الصوتية الخاصة بالمنشد، وكما كنت أقول دائما أن للإنشاد الديني رسالة سامية تتوافق مع رسالة الأدب الإسلامي الثري بالمبادئ والخلق والحكم والمواعظ وغيرها، فهو أداة لترسيخ هذه المبادئ والحض على مكارم الأخلاق وعرض الكثير من قضايا المجتمع بالقدرات الصوتية والفنية الرائعة للمنشد.

ويرى المنشد أحمد بن عبدالله الشيباني أن جميع مشاركاته مهمة بالنسبة له، وأضاف قائلا: قد يتميز بعض هذه المشاركات عن غيرها بمكاسب فنية وثقافية مختلفة، فمثلا أفخر بمشاركتي في مهرجان الإنشاد الصوفي الأول بمدينة تلمسان بالجزائر، لما له من أهمية في تمثيلي ضمن فرقة إنشادية عمانية تشارك خارج السلطنة، كما أن مشاركتي بأول مهرجان خارج السلطنة وهو مهرجان إبداع الإنشادي بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، يمثل لي نقلة نوعية إلى خارج الحدود وأفخر به كونه يعد أول مشاركة خارجية لمنشد عماني.

وقال: في جانب آخر هناك بعض المشاركات المتميزة لتقييم المسابقات الإنشادية كمسابقة «منشد الشارقة» والتي شاركت فيها بتسعة مواسم متتالية، أيضا مسابقة الأندية للإنشاد التي تنظمها وزارة الشؤون الرياضية بالسلطنة والتي شاركت أيضا بها بلجنتي التنظيم والتحكيم بمواسمه السابقة، كما أنني سعيد جدا لمشاركتي بوضع النظام الأساسي للفرق الإنشادية والمنشد الفردي بالسلطنة، وتقييم الفرق الإنشادية والمنشد الفردي لمنح التراخيص الخاصة بهذا المجال من خلال عضويتي بلجنة مختصة بوزارة التراث والثقافة.

أما عن المقومات الأساسية التي يجب أن تتوفر في المنشد الجيد حتى يستطيع الوصول إلى الجمهور بسهولة قال : من وجهة نظري، أعتقد أن للمنشد الجيد مقومات شخصية وفنية، يستطيع من خلالها أن يصل إلى قلوب الجمهور، فمن أهم هذه المقومات الفنية، الصوت الجميل الآسر، والمعرفة الجيدة لكيفية استخدامه بأداء متميز مبني على دراية بأسس هذا الفن الراقي، وأيضا الشخصية القوية المتواضعة الموافقة مع الرسالة التي يقدمها لجمهوره.

اقتناع مؤسسات الإنتاج بالأصوات

وحول العثرات التي تواجه المنشدين قال: الإنشاد الديني في الأصل يعتمد على الصوت البشري المجرد ، وهذا بحد ذاته تحد كبير جدا للمنشد في قدرته على إيصال صوته إلى الجمهور، ومدى اقتناع مؤسسات الإنتاج بهذا الصوت يعتمد على أمور كثيرة خاصة مع وجود الكثير جدا من هذه الأصوات المنافسة بالساحة الإنشادية، فالحصول على الدعم من وجهة نظري هو أكبر هذه التحديات ولكن بالمقابل عدم توفر هذا الدعم لا يعني بالضرورة أن يفضل هذا المنشد في إيصال رسالته إلى جمهور خاصة بتوفر برامج التواصل الاجتماعي المختلفة.

وعن توجه البعض نحو الإنشاد الديني، لكنه سرعان ما يحيدوا عن طريقهم قال: في رأيي الشخصي أن السبب الرئيسي وراء ذلك يكمن في الخلط المتعمد أحيانا بين فن الإنشاد الديني ، وبين ما سواه من الفنون الصوتية الأخرى، وبالتالي عدم تفنيد مبادئ وقيم هذا الفن عن ما سواه، فترى الكثير من المسابقات والفعاليات الفنية الخارجة عن إطار النشيد الإسلامي الملتزم، يتم إدراجها والتسويق لها تحت مسميات هذا الفن الراقي بل أن بعض الأغاني المصورة المختلفة والتي تضم في محتواها الكثير من المخالفات الشرعية الواضحة يتم إطلاق مسمى أنشودة عليها، فقط لأن من قام بأدائها يمثل شخصية إنشادية معروفة بالساحة الإنشادية، كذلك فإن التباين الكبير بين الاهتمام بمسابقات الإنشاد والفعاليات الإنشادية الأخرى، وعدم الاهتمام بما سواه من فنون صوتية أخرى كالغناء مثلا أدى إلى ظهور عدد كبير من المواهب والخامات الصوتية الرائعة، لا تحمل هم إيصال رسالة الإنشاد الديني بقدر ما تحمل من رغبة في إيصال مواهبها الصوتية من خلال فن الإنشاد ولذلك تراهم يتخلون عنه عند أول فرصة تتاح لهم لاستخدام حناجرهم في أي فن آخر.

أهمية فهم الإنشاد الديني

وعن مدى تأثير الإنشاد الديني في المجتمع مع قلة الإمكانيات قال: استطاع هذا الفن الراقي في الفترات الماضية أن يؤثر في المجتمع وبشكل كبير جدا، وذلك بوضوح الرسالة والإخلاص في إيصالها إلى شرائح المجتمع المختلفة، فكم من أنشودة مصورة كان لها وقع ألف محاضرة وذلك من خلال تبني مبدأ التوافق العجيب المؤثر بين الدعوة والداعي وأيضا باستخدام الصوت العذب الجميل، في إيصال الرسالة وليس العكس، رغم كل تلك الصعوبات وعدم توفر الدعم الذي دفع بعض المنشدين إلى ترك هذا المجال كما ذكرت.

وعن وجهة نظره: إن العائد المادي والشهرة هي سبب مقنع في تغير بعض المنشدين لرسالتهم ومبادئهم في مجال الإنشاد الديني قال : صاحب المبدأ الثابت للإنشاد الديني ورسالته السامية لا تغيره الشهرة ولا العائد المادي. إذ أن غالبا ما يكون الهدف الأسمى من إنشاده هو إيصال رسالة النشيد المتوافقة مع منهاج الدعوة الإسلامية الخالصة والتي تفوق نظرته إلى الشهرة والمادة.

ولا يرى الشيباني أي قصور في فهم أهمية الإنشاد الديني خاصة، على الأقل في الوقت الراهن مع وجود الكثير من المؤسسات التي قامت بتبني الكثير من المواهب الإنشادية والقيام بعدد من الفعاليات الإنشادية المختلفة لمختلف المناسبات. مؤكدا أن للفرق الإنشادية دور كبير في صقل الكثير من المواهب الإنشادية الناشئة، ونحن ننصح دائما المنشد الناشئ بالانضمام إلى فرقة إنشادية من أجل تطوير قدراته الإنشادية والارتقاء بها. غير أن بريقه مستقبلا قد يكون في إنشاده منفردا إذا ما توافرت فيه جميع المقومات الأساسية للمنشد الفردي. وحتى نفهم الموضوع بشكل أفضل أقول أن المنشد الفردي يستطيع أن يكون ضمن فرقه، وليس كل منشد ضمن فرقه يستطيع أن يكون منشدا فرديا.

هناك وفرة من الشعر الصالح للإنشاد

هناك اعتقاد لدى بعض أفراد المجتمع بان تطور الإنشاد الديني ساهم في الخلط ما بينه وبين الغناء خاصة بعد إدراج الموسيقى في العديد من الأناشيد والمؤثرات الصوتية بشكل ملفت أكد الشيباني أن هذا الاعتقاد يعتمد على نظرة الفرد إلى الإنشاد الديني، وطريقة تقييمه لهذا التطوير الفني، وما هي الحدود التي يجب أن يقف عندها هذا التطوير في استخدام المعازف وغيرها حتى يبقى النشيد ملتزما والفطن يستطيع أن يميز بين الإنشاد الديني الملتزم الذي ترتاح له النفس، وبين الغناء الماجن الذي تشمئز منه النفس بكل سهولة، لكن وللأسف بين هذا وذاك هناك أمور مشتبهات يتم التعامل معها كل حسب ما وقر في قلبه. كما أن تطوير النشيد لا يأتي أبدا بإدراج الموسيقى وإهمال الجوانب الأخرى كتطوير الصوت والارتقاء بالأداء الصوتي الاستعراضي والاهم من ذلك كله الارتقاء في اختيار الكلمة المبني على أساسها هذا الفن الجميل.

بعض أنواع الإنشاد يحمل في مضمونه عبارات الوعيد والترهيب، ويبتعد عن أسلوب الترغيب والتحفيز وحول هذه الظاهرة قال : الإنشاد كما قلت سابقا، هو ذلك الفن الراقي الذي يستخدم أبياتا منتقاه من أدب عربي إسلامي ثري بشتى أنواع المواضيع والرسائل المختلفة، وبالتالي فالمنشد يحدد الحس الذي يبني عليها أنشودته من خلال اختياره للموضوع فالكلمات فاللحن، وهناك أنواع شتى من الأناشيد استخدمت فيها جميع أنواع مقامات الصوت المعروفة وليس فقط الحزين منها، وهناك أيضا مواضيع شتى تناولها النشيد من ترغيب وتحفيز وترهيب وحزن وفرح، وعلى المتذوق أن يختار ما يناسبه.

وانتقل الشيباني في الحديث عن القنوات الفضائية قائلا : هناك بالفعل عدد لا بأس به من القنوات الفضائية المعنية بهذا الفن والتي تبث مواد إنشادية، كما أن معظم القنوات الفضائية الأخرى تبث هي الأخرى الكثير من الأناشيد الدينية المصور.

وفي منعطف آخر يرى أحمد من خلال وجهة نظره الشخصية أن هناك وفرة من الشعر الصالح للإنشاد، وتبقى مسؤولية الشعراء المعاصرين على توفير القصائد التي تتحدث عن القضايا المعاصرة التي يتطلب أحيانا أن يتناولها النشيد.

كل منشد وقدراته الصوتية

ويشير المنشد أحمد الشيباني أن المسابقات الإنشادية في اعتقادي أوجدت ساحة تنافسية جميلة جدا وشجعت الكثير من المنشدين على تطوير قدراتهم الصوتية كما شجعتهم على الولوج إلى عالم النشيد بقوة والتبحر في علومه الخاصة كالمقامات الصوتية وعلم الصولفيج وغيرها. غير أننا لابد أن نفند الهدف من تقييم المشاركين في مثل هذه المسابقات وأن نحدد البنود التي يرتكز عليها هذا التقييم، فهناك فرق بين مسابقة أفضل أنشودة، وبين مسابقة أفضل منشد صاحب افضل قدرات صوتية. أو صاحب أفضل رسالة مؤثرة وهكذا. فما لاحظته شخصيا من خلال مشاركتي في تقييم الكثير من المسابقات الإنشادية أن معظم المتنافسين في مثل هذا المسابقات لا يتقنون فن اختيار الأنشودة المناسبة للمسابقة حسب المقاييس المعمول بها في بنود تلك المسابقة. وأضاف : هناك نقطة مهمة يجب الإشارة إليها وهي أن لكل منشد صوت مختلف عن زملائه خاصة من ناحية القدرات الصونية وهذا بحسب تركيبة حنجرته وطبيعة أوتاره الصوتية وعمره، وهذا ما يوجد التمايز بين ما وهب الله تعالى به البعض عن البعض الآخر، وهناك عدة تصنيفات فنية معروفة لكل صوت سواء من حيث التردد الصوتي والحدة كـ «السبرانو،الميزو سبرانو، الالتو، التينور، الباريتون والباس»، وأيضا من حيث نوعه الذي يعتمد على مخارجه وإحساسه كالصوت «الرخيم، والهادل، والشجي، والدافئ »، وغيرها من التصنيفات الأخرى لكل نوع من أنواع هذه الأصوات. ولذلك نجد أن لكل منشد قالبه وأسلوبه الخاص، الذي يميزه عن البقية.

مؤكدا أن فن الإنشاد قد بلغ مستوى فنيا رفيعا في فترة قياسية، خاصة في مستويات الفرق الإنشادية وتوزيع الكورال فيها.

تطوير الصوت والأداء

وعن أوجه الدعم التي تراها مناسبة حتى يستطيع الإنشاد الديني النهوض والانطلاقة بشكل قال: كما ذكرت فإن الدعم هو أحد أهم الأمور التي تسهم في تطوير النشيد واستمراره والارتقاء بمستوياته، وليس الدعم هنا مقصورا على مؤسسات الإنتاج في إبراز مواهب شخصية لمنشد ما، ولكن أرى أن يتعداه إلى ما تفتقر إليه الساحة الإنشادية حاليا من إقامة الورش التدريبية والمؤتمرات الخاصة بهذا الفن الجميل، وإقامة الدورات فيما يتعلق بتطوير الصوت والأداء، ويأتي الدعم أيضا مجتمعيا بصورة نقد هادف من ذوي الاختصاص في مجال الصوت والكلمة والدعوة على حد سواء، والإنكار على الخارجين عن نهج النشيد الديني الهادف وتوجيههم ونصحهم حتى يعود النشيد فنا دعويا قويا طاهرا نقيا معافى. واختتم المنشد أحمد الشيباني حديثه لملحق روضة الصائم بتوجيه النصح إلى كل من يرغب الدخول في مجال الإنشاد قائلا : أنصحة أن يتقي الله تعالى في نيته الإنشاد، وأن يهتم بصقل موهبته والارتقاء بإمكانياته الصوتية من خلال التدريب المتواصل، وان لا يهمل الكلمة التي تتضمن رسالة النشيد، وأن يرقى بنفسه وينأى بها عن كل شبهة في هذا المجال، وان يركن إلى ما تستكين له نفسه في حدود ما اقره الدين الحنيف.