المنوعات

أحمد التوبي يدرس المقاومة العُمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي

20 مايو 2018
20 مايو 2018

في كتابه الصادر عن مؤسسة بيت الغشام -

المصادر العُمانية أغفلت ذكر الوجود البرتغالي في عُمان إلا فيما ندر -

يقدّم الباحث أحمد بن حميد بن الذيب التوبي في كتابه (المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي: 1507-1698م)، الصادر عن مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان، دراسة علمية مهمة لهذا الموضوع التاريخي الذي يجسد حلقة مضيئة من تاريخ عمان، بما سطره العمانيون من نضال في تحرير وطنهم من المستعمر البرتغالي، بل وتحرير الخليج العربي ومطاردة البرتغاليين إلى سواحل الهند ودحرهم في إفريقيا.

يقسم الباحث كتابه إلى ستة فصول، يستهلها بفصل تمهيدي يتحدث عن عمان قبيل وصول البرتغاليين، فيذكر حالة عمان مع نهاية عصر بني نبهان وما آلت إليه الحالة السياسية من انقسامها إلى عدة ممالك متنافسة متناحرة، ثم يتحدث عن وصول البرتغاليين إلى منطقة المحيط الهندي ثم إلى الهند، واستخدامه سياسة إغلاق المضايق العربية للسيطرة على التجارة القادمة من الهند. أما الفصل الأول فيتحدث فيه عن الاحتلال البرتغالي للمدن العمانية وسقوطها بيد المستعمر البرتغالي، ويتحدث الفصل الثاني عن المقاومة العمانية للبرتغاليين خلال الفترة التي سبقت قيام دولة اليعاربة 1624م، وهي مقاومة غير منظمة تتمثل في أربع ثورات، الأولى عام 1519م، والثانية عام 1521م، والثالثة 1526م، والرابعة 1580م. وفي الفصل الثالث يتحدث الباحث عن المقاومة المنظمة ضد البرتغاليين حيث يذكر مبايعة الإمام ناصر بن مرشد 1624م وتوحيده للبلاد أولا، وكيف بدأ ناصر بن مرشد مواجهة البرتغاليين، وأخيرا عملية طردهم من عمان نهائيا في عهد الإمام سلطان بن سيف الأول عام 1650م.

أما الفصل الرابع فيتحدث عن البحرية العمانية ونشأتها وتطويرها من أجل محاربة البرتغاليين خارج عمان، وبالتالي فقد قام العمانيون بمواجهتهم في هذا الفصل في ثلاث مناطق هي الخليج العربي، والساحل الغربي في الهند، وعند مدخل البحر الأحمر. فيما خصص المؤلف الفصل الخامس للحديث عن المواجهة العمانية للبرتغاليين في شرق إفريقيا، حيث يذكر أولا الأسباب التي جعلت العمانيين يلاحقون البرتغاليين في شرق إفريقيا، ثم أهم الحملات العمانية ضد البرتغاليين في شرق إفريقيا، وأخيرا كيفية سقوط قلعة اليسوع في ممباسا عام 1698م، على اعتبار أنها أهم معاقل البرتغاليين في الساحل الشمالي لشرق إفريقيا.

ويذكر المؤلف الهدف من هذه الدراسة الذي يتمثل في توضيح أهم الملابسات التاريخية التي شهدتها عمان خلال فترة وصول البرتغاليين إلى المنطقة، وخاصة الوضع السياسي السيئ في عمان خلال فترة حكم بني نبهان، كذلك قيام العمانيين بمقاومة الوجود البرتغالي، والمهم هنا أن تلك المقاومة لم تخبُ نارها مع سوء الأوضاع في عمان لاسيما السياسية، بل استمرت منذ مجيئهم وحتى بداية المقاومة المنظمة للبرتغاليين في عهد أئمة اليعاربة أي على مدى قرن ونصف، كذلك توضيح الدور الكبير للعمانيين في تحرير مناطق الخليج العربي والساحل الغربي للهند والساحل الإفريقي الشرقي من المستعمرين البرتغاليين.

ويشير المؤلف إلى أن المصادر العمانية أغفلت ذكر الوجود البرتغالي في عمان، فلم تأتِ على ذكر وصول البرتغاليين إلى عمان، كما لم تذكر حالة العمانيين في ظل سيطرتهم عليها، مع أن الوجود البرتغالي في عمان استمر لفترة طويلة من الزمن تقارب القرن والنصف، ثم ما أوردته تلك المصادر عن محاربة العمانيين للبرتغاليين هو مجرد لمحات بسيطة وخاطفة.

قبيل وصول البرتغاليين

خصص الباحث الفصل التمهيــدي للحديث عن أوضاع عمان قبيل وصول البرتغاليين، إذ يقول: «لقد مرت عمان خلال هذه الفترة من تاريخها بمرحلة عصيبة، أدت إلى وجود الكثير من الأمور التي جعلت من سكانها يعيشون مرحلة سيئة في ظل تلك الأوضاع، فقد انهارت أحوالها السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، ويعزى ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسة سوف نتناولها بالبحث في هذا الفصل، أولها: عصر بني نبهان وحكمهم لعمان، وثانيها: انقسام عمان إلى ممالك متنازعة متناحرة متفرقة، وثالثها: وصول البرتغاليين المستعمرين إلى المنطقة والسياسات الاحتكارية التي اتبعوها.

احتلال المدن

أما الفصل الأول فناقش الباحث فيه موضوع الاحتلال البرتغالي للمدن العُمانية، وهنا يؤكد أنه إذا كان البرتغاليون قد وصلوا إلى منطقة الشرق لتحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها الهدف الاقتصادي، وهو الحصول على التجارة الشرقية من مصدرها الأساسي في الهند، ومع هذا نجد أنهم وصلوا إلى عمان رغبة في السيطرة عليها. وبطبيعة الحال فإن رغبة البرتغاليين في السيطرة على عمان كان له أسبابه التي دفعتهم إلى ذلك، ويقدم هذا الفصل مجموعة الأهداف التي دفعت البرتغاليين إلى عمان، وكيف حققوا سيطرتهم عليها، ثم كيف كانوا يديرونها.

ثورات العُمانيين

وفي الفصل الثاني يتطرق الباحث للحديث عن ثورات العمانيين ضد الوجود البرتغالي، إذ وقعت المناطق العمانية الساحلية من صور حتى مسندم في قبضة المستعمر البرتغالي، وذلك تنفيذا لسياسة السيطرة الاقتصادية على التجارة في المنطقة، من خلال إغلاق مضيق هرمز ومنع العرب من مزاولة التجارة مع المناطق الهندية، حيث ظلت هذه المناطق تعاني الأمرين من الوجود البرتغالي ، فكما رأينا في الفصل السابق أن البرتغاليين قد استخدموا القوة العسكرية في فرض وجودهم في المناطق المستعمرة، فالحصن والحامية العسكرية كانت من أساسيات إدارة تلك المناطق، فضلا عن التعصب والجشع الذي أبداه البرتغاليون، فمنذ بداية وجودهم في المناطق العربية الإسلامية أظهروا تعصبهم ضد العرب المسلمين، فنكلوا بالسكان وبطشوا بهم، فكانوا لا يراعون جانبا من جوانب الإنسانية سواء من شيخ كبير أو امرأة أو طفل، نضيف إلى ذلك جشعهم الواضح فيما فرضوه على السكان من أجل احتكار التجارة، فكان مكتب الجمارك من أهم مؤسسات البرتغاليين الإدارية في المناطق التي سيطروا عليها.

ويرى المؤلف أن مقاومة المستعمر البرتغالي كانت تجري في عروق العمانيين منذ البداية، حيث رأينا ذلك عندما وصل البوكيرك إلى السواحل العمانية، فلم يستنكف العمانيون عن مواجهته بما أوتوا من قوة ولم يرضخوا له، فقد قاومه العمانيون في قريات ومسقط وخورفكان وغيرها من المدن، ولولا أن العمانيين كانوا يعانون من مجموعة من الظروف التي كبلتهم وجعلتهم أقل قوة من البرتغاليين، فقُدر عليهم خضوعهم للسيطرة البرتغالية، لكان للوجود البرتغالي في المنطقة كلام آخر، ومن هذه الظروف امتلاك البرتغاليين للسلاح الحديث، ومعاناة العمانيين من قيود مستعمرين آخرين وهم مملكة هرمز والجبور وفارس، ولذلك فقد أوهنت هذه الأشياء بسالة العمانيين وشجاعتهم. وهنا يتحدث الباحث عن ثورة عام 1519م وانتفاضة عام 1521 م وثورة عام 1526 م، والمواجهة في مسقط 1580م.

قـيـام دولـة الـيـعـاربـة

أما الفـصـل الـثـالـث فيتناول فيه الباحث قـيـام دولـة الـيـعـاربـة والـمـقاومـة الـمنـظـمة ضـد الـبـرتـغـالـيـيـن. وفي هذا السياق يؤكد الباحث أن المجتمع العماني مر بمرحلة عصيبة من تاريخه خلال فترة عصر بني نبهان، أدى إلى تخبط المجتمع في أوضاع عصيبة، وبطبيعة الحال فإن الشعب العماني قد تفاعل بكافة شرائحه مع تلك الأوضاع المرفوضة. وكان الكفاح من أجل التخلص من تلك الأوضاع المريرة سبيلا للنجاة، وقد كان على رأس المناهضين للأوضاع السائدة العلماء، حيث عملوا جاهدين على إيجاد حركة سياسية جديدة، انتهت بإعلان الإمام ناصر بن مرشد حاكما عاما للبلاد عام 1624م.

ويؤكد المؤلف في كتابه أنه كان على الحاكم الجديد أن يعمل جاهدا من أجل تغيير الأوضاع على جميع الأصعدة ، فقد وحّد البلاد وحارب الأعداء، مع أن وحدة العمانيين من أصعب الأهداف تحقيقا؛ وذلك بسبب تخبط المجتمع في ولاءات كان وراءها التعصب القبلي، فكان ذلك التوحيد طريقا إلى تحرير الأراضي العمانية من المستعمر البرتغالي.

ويتناول المؤلف في هذا الفصل موضوع مبايعة الإمام ناصر بن مرشد 1624 م وتوحيد البلاد، ثم مواجهة الإمام ناصر بن مرشد للبرتغاليين في عدة حملات منها الحملة على صحار عام 1633م ، والحملة على صور وقريات عام 1640م، والحملة الأولى على مسقط عام 1640م، والحملة الثانية على مسقط عام 1645م، والحملة الكبرى على مسقط عام 1648م.

كما يتطرق الباحث إلى الحديث عن مرحلة الإمام سلطان بن سيف وطرد البرتغاليين من عمان 1650م. وهنا يؤكد الباحث أنه مع انتهاء معركة تحرير مسقط، هذه المعركة الحاسمة، فإنه من المؤكد أن هذه المعركة قد أحرزت الكثير من النتائج ذات المدى البعيد والقريب، والتي كان لها تأثيراتها الواضحة.

أما نتائج تلك المعركة على البرتغاليين فتُعدّ نهاية وجودهم في عمان، وبداية النهاية لوجودهم في المنطقة الخليجية والمحيط الهندي، فكما أسلفنا سابقا أن مرحلة الصراع العماني البرتغالي قد أصبحت على نطاق أوسع خارج المنطقة العُمانية.

في البحار الشرقية وإفريقيا

وفي الفصل الرابع من الكتاب يسلط الباحث الضوء على البحرية العمانية في مواجهة البرتغاليين في البحار الشرقية لتشمل المحيط الهندي والخليج العربي والبحر الأحمر، إذ يتطرق إلى ظروف نشأة الأسطول العماني، ومواجهة العمانيين للبرتغاليين في الخليج العربي، ومواجهة العمانيين للبرتغاليين على الساحل الغربي للهند، إلى جانب الهجمات العمانية على البرتغاليين عند مدخل البحر الأحمر.

وفي الفصل الخامس يتناول الباحث المواجهة العمانية للبرتغاليين في شرق إفريقيا، فيتحدث عن أحوال شرق إفريقيا في ظل السيطرة البرتغالية، وأسباب ملاحقة العمانيين للبرتغاليين في شرق إفريقيا، والحملات العمانية ضد البرتغاليين في شرق إفريقيا، وأخيرا سقوط قلعة اليسوع في ممباسا عام 1698م.

من التناحر إلى الوحدة

وفي خاتمة الكتاب يؤكد الباحث أن عُمان كانت منقسمة إلى ممالك متعددة متناحرة فيما بينها، وكان يترأس هذا الأمر ملوك بني نبهان، وهو الأمر الذي سهل وصول مجموعة من القوى الخارجية التي وضعت أيديها على الأراضي العمانية، وهم الفرس وبنو جبر ومملكة هرمز، وقد تزامن هذا الانقسام السياسي في عمان مع وصول البرتغاليين إلى المنطقة، فبعد احتلالهم لمناطق في شرق إفريقيا وصلوا إلى عمان؛ كونها بوابة الخليج العربي لمنع التجارة عن دخول المنطقة تحقيقا لسياسة المضايق، فوجدوا من عمان بسبب انقسامها أرضا سهلة للسيطرة عليها، وكذلك حاولوا بسط سيطرتهم على مضايق أخرى غير هرمز لاسيما مدخل البحر الأحمر.

ونتيجة لهذا الصراع والتناحر والخلاف يرى الكاتب أن البرتغاليين تمكنوا من السيطرة على الأرض العمانية، وما قدومهم إليها إلا كان مدفوعا بمجموعة من الأسباب، يأتي في مقدمتها السبب الاقتصادي وهو الرغبة في السيطرة على التجارة، ويلعب الموقع الاستراتيجي المهم دورا في كونها منطقة عبور للتجارة الشرقية، فبدأت المدن العمانية تتساقط الواحدة تلو الأخرى في أيدي البرتغاليين، وقد وضحت الروح الصليبية المتعصبة من خلال الوحشية اللامتناهية من قبل البرتغاليين وعلى رأسهم قادتهم أمثال البوكيرك وغيرهم.

ويؤكد المؤلف أنه رغم ذلك الصراع إلا أن العمانيين لم يستكينوا للمستعمر البرتغالي بل تصدوا له منذ البداية ومنذ أن وطئت أقدام البرتغاليين الأرض العمانية، فقد كان العمانيون يدافعون عن أراضيهم، وقد أسهم أمراء مملكة هرمز في ثورات العمانيين، إلا أن تلك الثورات كانت انتفاضات شعبية واضحة، فقد أظهرت الروح الوطنية، كما أن الداخل العماني كان هو الفتيل لإشعال الثورات في الساحل المحتل، وبالتالي فقد تضامن الجميع في تلك الثورات المتلاحقة طيلة فترة وجود المستعمر البرتغالي سواء كانوا حكاما أو زعماء قبائل عمانية، أو عامة العمانيين القريبين من المدن المستعمرة أو بعيدين عنها في الداخل.

وكان الوضع المتأزم في عمان والمتمثل في الانقسامات والمنازعات والمعاملة الوحشية من المستعمر وامتصاص ثروات الوطن وفرض القيود سبيلا للوصول إلى انتفاضة كبرى بقيادة علماء عمان كان نتيجتها اختيار زعيم جديد لعمان وهو ناصر بن مرشد اليعربي ومبايعته بمنصب الإمامة عام 1624م، وهو إيذان ببلوج فجر جديد لعمان، حيث قام بلم الشتات السياسي، ثم حارب المستعمر البرتغالي، حتى انقضى عهده عام 1649م وقد انحسر الوجود البرتغالي في مطرح ومسقط فقط، ليأتي عهد خلفه الإمام سلطان بن سيف الأول، الذي استطاع طرد البرتغاليين وتحرير الأرض العمانية منهم نهائيا عام 1650م.

ويخلص الباحث إلى أن العمانيين واصلوا مسيرة الجهاد الإسلامي ضد المستعمر البرتغالي بقيادة أئمتهم، وقد ضربوا أروع الأمثلة على الاستبسال، وقد استطاع العمانيون مواجهة البرتغاليين في الخليج العربي وساحل الهند الغربي وكذلك عند مدخل البحر الأحمر، وذلك تحقيقا لسياسة الجهاد الإسلامي ودفاعا عن مصالح العمانيين في تلك المناطق، وبطبيعة الحال فإن العمانيين لم يقوموا بهذا العمل إلا بعد أن أعدوا العدة لذلك، حيث ضرب الأسطول العماني أروع الأمثلة في القوة لدرجة باتت تخشاه الأساطيل الأوروبية الموجودة في المنطقة كالإنجليزية والهولندية.

وقدّم العمانيون مساعداتهم كذلك إلى منطقة شرق إفريقيا التي كانت ترزح أيضا تحت قيود الاستعمار البرتغالي؛ وذلك لسياسة الجهاد الإسلامي أولا، واستجابة لنداءات الاستغاثة التي وصلتهم من شرق أفريقيا ثانيا، وأخيرا بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط العمانيين بشعوب الساحل الشرقي الإفريقي، ولذلك فقد قدّم العمانيون مساعداتهم بحملات متتابعة للمدن التي وقعت تحت الاحتلال البرتغالي، وكانت أكبرها تلك الحملة التي دامت ثلاثة وثلاثين شهرا، وانتهت بإسقاط قلعة اليسوع في ممباسا «1696- 1698م»، وبالتالي لم تقم للبرتغاليين بعد ذلك قائمة في المنطقة.

وأخيرا فقد ضرب العمانيون أروع الأمثلة في الجهاد والاستبسال ومقاومة المستعمر البرتغالي، حيث بذلوا المال والأرواح في سبيل تحقيق ذلك الهدف في الأرض العمانية وخارجها، وحتى في المناطق البعيدة في المحيط الهندي.