1331449
1331449
روضة الصائم

مجدي البلوشي: الإنشاد خلع عباءة التشاؤم ويستبدلها بالمعاني المحفزة على الحياة

20 مايو 2018
20 مايو 2018

الإنشاد فن يستهوي الشباب «5» -

اجرى الحوار: أحمد بن علي الذهلي -

المنشد مجدي بن يحيى البلوشي بدأ مسيرته الإنشادية كبقية زملائه فهو لا يختلف كثيرا عن بداية أغلب المنشدين منذ مرحلة الدراسة الابتدائية تقريبا أو منذ الصغر، إلا أن انطلاقته لم تكن على خشبة مسرح مباشرة أو من مسابقة إنشادية مثلا، وإنما كانت من مجلس لقراءة السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم أو كما هو معروف بمجلس قراءة المولد النبوي الشريف (المولد)، حيث كان في ذلك الوقت بصحبة عمه ولأول مرة باعتباره أحد المنشدين أو القراء في الفرقة وكان يُسمى المنشد قديما بـ (المُعلم أو المداح)، وقد حضر في المجلس آنذاك لفيف من أهل العلم والمنشدين والمحبين للمجالس المحمدية وكانت بداية المجلس بقراءة ما تيسر من كتاب الله ثم قراءة الشمائل المحمدية والابتهالات والمدائح التي كانت تُردد في جماعات وبأصوات عذبة شجية وشارك في تلك الليلة بأنشودة «يا راحلين إلى منىً بقيادي» وهي من قصائد الشيخ عبدالرحيم البرعي رحمه الله أنشدتها بأداء جميل لاقى استحسان جميع الحاضرين، مما دفعه بعدها لحفظ واستماع مزيد من الابتهالات والموشحات الدينية لكبار المنشدين في الخليج والوطن العربي، وتطورت موهبته أكثر بعد انضمامه لفرقة مجيس للمولد والتي كانت بقيادة المغفور له - بإذن الله تعالى- الشيخ يوسف بن عبيد الخنبشي وتضم الفرقة ما يزيد عن (30) عضوا من المنشدين والمرددين وكان أحد المنشدين في الفرقة، حيث كان يعقد مجلس لتلاوة القرآن الكريم والذكر وقراءة السيرة النبوية بمنزله في ليلتي الاثنين والجمعة من كل أسبوع، وكانت له مشاركات مع الفرقة في داخل السلطنة وخارجها لحضور مثل هذه المجالس وزيارة العلماء والمشايخ الأجلاء وطلبة العلم في دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والجمهورية اليمنية، ولازالت هذه المجالس بفضل من الله وتوفيقه مُستمرة إلى يومنا هذا.

فمواضيع الإنشاد أصبحت متعددة

وتحدث قائلا: قبل أن نخوض في موضوع الإنشاد الديني لا بد من معرفة أن الإسلام قد اهتم بالشباب اهتماماً كبيراً، فيما يتعلق بتربيتهم وسلوكهم والأخذ بأيديهم إلى طريق الحق والخير، فالإسلام ينظر إلى الشباب نظرة تكاملية تجمع بين حاجتي الروح والجسد، كما في قوله تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، سورة القصص، وحث الشباب على اغتنام الفرص واستغلال أوقاتهم الاستغلال الأمثل فيما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، وكذلك في بناء شخصيتهم روحيا وعقليا وجسميا ونفسيا وخلقيا، وفي ذلك يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك (أخرجه الحاكم)، والقرآن الكريم هو مجمع ومنبع كل خير وفضيلة وهو الأصل الأصيل والإنشاد الديني على سبيل المثال والخطابة والبلاغة والنحو وغيره ما هي إلا فروع من أصل، فمواضيع الإنشاد أصبحت متعددة لا تقتصر على المدائح النبوية والابتهالات فحسب فنسمع اليوم الكثير من الأناشيد الإنسانية والوطنية والاجتماعية ومنها ما يحث على الصلاة والمحافظة عليها وفعل الصالحات وتحذير الناس والشباب من الوقوع في كل ما هو محرم والابتعاد عن الفتن التي تفشت في زماننا هذا والعياذ بالله.

تفردي بأداء الموشحات والابتهالات

• وحول أهم المشاركات التي تعني لك الكثير قال: بالنسبة للمشاركات الإنشادية فهي كثيرة وخاصة في المهرجانات والمحافل الإنشادية داخل السلطنة والتي أكاد لا أذكر الكثير منها طوال مراحل دراستي بالمدرسة وبعد انتقالي لمواصلة دراستي الجامعية، حيث كنت رئيساً للجنة الثقافية بالكلية وكنت مُشرفا على الأنشطة الثقافية والأمسيات الإنشادية وغيرها.

-في عام 2011م أُقيمت في نادي مجيس الرياضي مسابقة إنشادية رمضانية على مستوى محافظتي شمال وجنوب الباطنة، وكانت أول مشاركة بالنسبة لي مع عدد كبير من المنشدين المبدعين وحصلت على المركز الأول في نهاية المسابقة والذي زاد من نسبة نجاحي هو تفردي بأداء الموشحات والابتهالات الدينية وتوظيف المقامات الموسيقية والتي من الضروري على المنشد تعلمها وخاصة المقامات الرئيسية منها كمقام (السيكا، البياتي، الحجاز، النهاوند، الرست، العجم، الكرد) وفروعها حتى يكون المنشد مُتقنًا بشكل جيد لأدائه ويُحسن التصرف والانتقال من لحن لآخر خاصة إذا تمازج الأداء مع صوت عذب شجي.

- في عام 2013م انضممت إلى مجموعة واعتصموا الإنشادية وهي تضم نخبة من نجوم الإنشاد بالسلطنة وهم المنشد بدر الحارثي الذي شارك في مسابقة منشد الشارقة في نسختها الأولى والمنشد حسين اللواتي والمنشد طه اللواتي والمنشد عبدالله العاصمي، وقامت المجموعة بتدشين ألبوم واعتصموا هويتنا في مايو 2014م والذي يحتوي على سبعة أناشيد متنوعة بألحانها ومعانيها، بالإضافة إلى تدشين فيديو كليب (عمان المجيدة) في القاعة الكبرى بجامعة السلطان قابوس.

- في عام 2015م قامت المجموعة أيضا بتدشين فيديو كليب جديد بعنوان (يا خير من جانا) وهو بمناسبة العودة الميمونة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - إلى أرض الوطن سالما مُعافى ولله الحمد من رحلة العلاج، وتتطلع المجموعة قريبا لعمل فيديو كليب جديد يكون على مستوى عالمي وبعدة لغات للعالم.

- في عام 2016م حصلت على المركز الأول في مسابقة نجم الإنشاد العماني في نسختها الأولى وهي مسابقة أكثر من رائعة نظمتها إذاعة الشباب بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ضمن أعمالها الرمضانية وكانت تُبث حلقات برنامج المسابقة بشكل يومي مساء، شارك فيها عدد كبير من المنشدين المبدعين بالسلطنة ولا شك بأنها كانت مسابقة تنافسية تنوعت فيها أصوات المنشدين العذبة وألوانهم الإنشادية والمواضيع المختلفة الدينية منها والوطنية والإنسانية والاجتماعية وغيرها.

ويوضح مجدي البلوشي أن باب الإنشاد في نظره عبارة عن رسالة سامية أساسها الصدق والإخلاص والمحبة والتواضع والاحترام وحب الآخرين وعلى المنشد أن يتصف ويتحلى بهذه الصفات الحميدة التي توصله إلى قلوب الجمهور والمحبين، وعليه أن يبتعد كل البعد عن التكبر والغرور وحب النفس، فلا علاقة لها بالإنشاد ولا برسالته السامية.

طريق إيصال الرسالة الهادفة للجمهور

• وعن أبرز التحديات التي يواجهها المنشدون قال: مما لا شك فيه أن الحياة مليئة بالتحديات الكثيرة والتي يجب على الإنسان الطموح تجاوزها، ومن ابرز التحديات عموما التي قد يواجهها المنشد في بداية مسيرته الفنية طالما أننا نتحدث عن الإنشاد على وجه الخصوص فإن التحدي الأبرز تقريباً هو اكتشاف الموهبة نفسها ورعايتها وصقلها ومن ثم إظهارها وإشهارها من قبل إحدى المؤسسات الداعمة وأيضا تطوير المنشد لقدراته الفنية، وذلك عن طريق مشاركاته بمختلف الفعاليات والمحافل الدينية والوطنية، حيث كان يُعاني أوائل المنشدين بالسلطنة من قلت الدعم وعدم وجود استديوهات خاصة تتبنى هذه المواهب ولم تكن هناك فعاليات بعكس ما عليه اليوم على الرغم من وجود جمهور متعطش يترقب بكل شوق ما يقدمه المنشد العماني، الأمر الذي كان له الأثر في إصرار المنشدين على المضي قدما في طريق إيصال الرسالة الهادفة للجمهور والتغلب على جميع المعوقات التي كانت تحول دون نجاحها.

طلب الشهرة وحب الظهور

• هناك عدد من الدوافع الحقيقية في توجه البعض نحو الإنشاد الديني ، لكن البعض يحيد عن طريقه، ويتجه نحو الغناء وأحياناً يحدث العكس أشار مجدي قائلا: كثيراً ما سمعنا وشاهدنا فنانين أو مغنين لهم صيتهم في مجال الفن والغناء حادوا عن هذا الطريق ولله الحمد وتوجهوا بما أتاهم الله من ملكة صوت شجي ونعمة وجب عليهم أن يحمدوا الله عليها إلى حفظ كتاب الله وترتيله وإلى مجال الإنشاد الديني وهذا من فضل الله تعالى عليهم، لكن هناك قلة قلية من المنشدين الذين اتجهوا إلى مجال الغناء وربما السبب الرئيسي هو طلب الشهرة وحب الظهور لكن مؤكد بأنه لن يستمروا فمصيرهم العودة إلى مجال الإنشاد لأن قلب المؤمن مجبلول على محبة الله تعالى ورسوله وعلى حب الفضائل والخيرات، لكن ليس عيبا أو خطا على المنشد أن يطلع على من حوله من الفنانين والموسيقيين وتعلم المقامات الموسيقية، لأن كبار القراء والمنشدين تعلموا الموسيقى والمقامات قبل بداياتهم كلٌ في مجال اختصاصه فكما أسلفنا سابقا فتعلم المنشد للمقامات أصبح من الأمور الضرورية.

شهادة تقدير أو درع !!

• ويرى مجدي البلوشي ضرورة مشاركة المنشدين في مختلف المحافل التي تُقام سواءً كانت رسمية أو أهلية أو دينية أو وطنية، وذلك لتعريف الناس بالإنشاد وبما تحمله هذه الرسالة من معاني وقيم سامية، لكن أرى بأن السبب الرئيسي في تعذر المنشدين من المشاركة، هو عدم حصول المنشد على التقدير المطلوب من قبل المنظمين لبعض الأمسيات أو الاحتفالات المقامة، فربما المنشد يقطع المسافات الطويلة في سبيل المشاركة ويُجهد نفسه في التدريب والتحضير، ولكن على ضوء هذه الجهود يُكرم المنشد في ختام الحفل إما (بشهادة تقدير أو درع !!) يا ترى ماذا يصنع بها ؟

وسؤالي ما هو سر نجاح الحفل أليس المنشد؟ ألا يستحق المنشد أن يكرم بمبلغ مالي ولو كان بسيطا أو بهدية راقية ؟ متى ستتغير الفكرة القديمة للمنظمين في طريقة تكريمهم للمبدعين وأصحاب المواهب على الرغم من وجود الدعم المادي والرعاة لهذا الاحتفالات والمناسبات.

• وحول تفضيله العمل بشكل منفرد أم مع الفرق الإنشادية قال: بالطبع إن العمل في المجموعة الواحدة وبروح الفريق يعكس عطاء أكبر وإنتاجية أفضل، فكذلك بالنسبة للإنشاد يفضل للمنشد صاحب الموهبة أن ينضم إلى إحدى الفرق لكي يبدع أكثر ويُفيد ويستفيد من زملائه المنشدين خاصة وأن المجموعة الإنشادية تتنوع فيها الأدوار كالمنشد الرئيسي أو ما يسمى (الصول) والكورال المرددين والإيقاعيين وغيرها، وليس هناك ما يحول دون مشاركة المنشد بشكل فردي في أي محفل إذا كان يجد في نفسه القدرة والتمكن من الأداء بشكل منفرد.

الآلات الموسيقية والمؤثرات

• وعن إدراج الموسيقى في العديد من الأناشيد والمؤثرات الصوتية بشكل ملفت يقول: بالنسبة للمحافل الإنشادية الدينية والمستمرة ليومنا هذا- ولله الحمد- يستخدم فيها الدف لا غير، وذلك أثناء إنشاد بعض المدائح والموشحات الدينية ولا تستخدم أي من الآلات الموسيقية والمؤثرات فيها نظرا للطابع والمعنى الذي تحمله، أما بالنسبة للأعمال الفنية والتي يتم تسجيلها في الاستوديوهات المجهزة بأحدث التقنيات والآلات الموسيقية والآهات البشرية كالأعمال الوطنية أو العسكرية فلـها شأن آخر.

•هناك نظرة تشاؤمية لدى البعض في أن الإنشاد يحمل في مضمونه عبارات الوعيد والترهيب ويبتعد عن أسلوب الترغيب والتحفيز خاصة وان العديد من المنشدين يتبنون قالب الحزن والألم والعذاب في الكثير من أعمالهم ؟

-في الفترة الزمنية الماضية انتشرت وبشكل كبير الأناشيد الجهادية وأناشيد الحزن والوعيد والعذاب وغيرها، لكن سرعان ما اختفت ولم يبق لها ظهور، نظرا لثقافة أبناء مجتمعنا و أولياء الأمور ومتابعتهم لأبنائهم والخوف من تأثير مثل هذه الأناشيد على عقولهم، والتي استبدلت اليوم بالإنشاد الهادف الذي يحمل في معانيه الحب والرحمة والتسامح والوئام والاعتصام وكل ما هو جميل وراق.

• وسط الفضائيات المنتشرة هل نحتاج إلى إطلاق قنوات إسلامية تبث مواد إنشادية على غرار قنوات الأغاني أم الموجود يكفي بالغرض ؟

- نعم وبكل تأكيد نحتاج إلى قنوات وسطية، تبث تعاليم الدين الحنيف للأبناء ويتخللها الإنشاد والإرشاد وغرس القيم الأخلاقية والسلوك الحميد والتربية الصالحة في المجتمع.

• هل كل صوت إنشادي له سمة تميزه عن غيره أم أنهم ينطلقون من قالب واحد ويستطيعون تأدية كل ما يقدم إليهم ؟

-أصوات المنشدين تتنوع وقدراتهم تختلف من منشد لآخر وليس باستطاعة أي منشد تأدية ما يكتب ويقدم له من مواضيع سواء كانت وطنية أو دينية أو إنسانية وغيرها، فتوافق الصوت ونبرته مع الموضوع أمر مهم للغاية، علماً بأن المقامات الموسيقية تختلف باختلاف أنغامها وجمالياتها وعُربها وفروعها المتعددة، كما يجب على المنشد اختيار الطبقة التي تُناسب صوته وقدراته الفنية.

مواهب تستحق الدعم

• وسط الكثير من الفعاليات والمناشط، هل يمكننا أن نقول بأن الإنشاد الديني حقق جميع أهدافه التي يسعى إليها، أم أن الطريق طويل لبلوغ المدى ؟

- الإنشاد في الوقت الحالي بسلطنة عمان يمر بمرحلة نمو ودخول إلى عالم الاحترافية، وهذا مؤشر إيجابي بالفعل فنجد الكثير من الجهات الحكومية ترعى المسابقات والأمسيات الإنشادية مع دخول بعض الشركات وتقديمها الدعم والخدمات للمنشدين، الأمر الذي ساهم في انتشار النشيد مع قيام الكثير من المنشدين أيضاً بعمل الألبومات والكليبات الإنشادية، وخاصة مع وجود القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي ساعدت في انتشار هذه الرسالة السامية، كما أن الساحة العمانية أصبحت مكتظة بالشباب الموهوبين والمبدعين كل في مجال اختصاصه سواء الإنشاد، المسرح، التصوير، الخطابة، الشعر، الأنشطة الرياضية والثقافية المختلفة وغيرها الكثير فجميعها مواهب تستحق الدعم بشكل مستمر والوقوف بجانبها من قبل الجهات المعنية وذلك لتشجيع الشباب نحو بذل مزيد من العطاء حتى تستمر ساحة الإبداع العمانية والتي تتسع للجميع دون توقف.