أفكار وآراء

ألمانيا .. مشاركة أكبر في تحمل المسؤوليات الدولية

19 مايو 2018
19 مايو 2018

سمير عواد -

يجمع وزير خارجية ألمانيا الأسبق يوشكا فيشر مع وزير خارجية ألمانيا الراحل جيدو فيسترفيللي، أنهما ترأسا جلسات في مجلس الأمن الدولي عندما حصلت ألمانيا في عهدهما على مقعد غير دائم في «نادي الكبار»، عام 2003 ثم في عام 2011.

ورغم أن الرئيس الألماني الحالي فرانك فالتر شتاينماير قد أمضى سنوات طويلة في منصب وزير الخارجية ضعف الفترة التي أمضاها فيسترفيللي، إلا أنه لم يحظ بشرف تمثيل بلاده في مجلس الأمن الدولي. ونفس الشيء بالنسبة لزيجمار جابرييل، الذي أمضى فترة قصيرة بمنصب وزير الخارجية.

والآن أمام خليفته هايكو ماس، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي فرصة لتمثيل ألمانيا في «نادي الكبار». ولهذا الهدف توجه ماس أخيرا إلى نيويورك في أول زيارة قام بها بعد تعيينه في منصبه، وللسعي لجمع الأصوات لتأييد الطلب الألماني الذي قدمه شتاينماير في عام 2016 عندما كان وزيرا للخارجية. والمعروف أن انتخاب أعضاء جدد مؤقتين في مجلس الأمن الدولي للفترة 2019/‏‏2020 سوف يتم بتاريخ الثامن من يونيو المقبل.

وشارك ماس في جلسة نقاش حول مهام السلام التي تُشرف عليها الأمم المتحدة، كما التقى أمين عام الهيئة الدولية أنتونيوجوتيريش وسلافلاجيشيك رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال ماس إن ألمانيا تريد المشاركة في التغلب على التحديات الكبيرة وتحقيق السلام والأمن في العالم.

وكون ماس زار نيويورك وليس واشنطن، سببه الصعوبات التي تمر بها العلاقات الألمانية الأمريكية منذ استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في البيت الأبيض.

حتى وقت قريب كانت بلجيكا وإسرائيل تنافسان ألمانيا في مجموعة أوروبا الغربية للفوز بمقعدين. ويحق لألمانيا الترشح لهذا المنصب كل ثمانية أعوام. وبينما هيمنت الأزمة الليبية على أعمال ألمانيا في الفترة 2011/‏‏2012، سبق وأن هيمن غزو العراق على أعمالها في الفترة 2003/‏‏2004. والجدير بالذكر أن سفير ألمانيا الحالي لدى الأمم المتحدة، هو د. كريستوف هويسجن، الذي كان لسنوات طويلة يعمل معاونا لميركل لشؤون السياستين الخارجية والأمنية ومهمته غير المعلنة مساعدة بلاده لتكسب مكانة دولية.

وتم التأكيد على أهمية حصول ألمانيا على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي في اتفاقية الائتلاف المسيحي/‏‏ الاشتراكي الجديد في ألمانيا، رغم أنها فقدت الأمل في الحصول على مقعد دائم في «نادي الكبار»، لعدم رغبة الدول الخمس الدائمة العضوية في توسيع المجلس في إطار إصلاحات مؤسسات الأمم المتحدة.

وقد كان هذا الهدف أهم ما سعى إليه المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول بعد استعادة ألمانيا وحدة شطريها في الثالث من أكتوبر عام 1990، ولم تسع ألمانيا الغربية ولا ألمانيا الشرقية للحصول على هذا المقعد طوال فترة انقسام الألمانيتين التي دامت أربعين عاما رغم أن ألمانيا الغربية كانت من أبرز ممولي الأمم المتحدة ولا زالت ألمانيا بعد توحيدها أهم الممولين بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وورث المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر عن هيلموت كول ملف الانتساب للهيئة الدولية، وما زال الملف من صلاحيات وزير الخارجية الألماني. وخلال عهد شرودر من أكتوبر 1998 - نوفمبر 2005، حاول وزير الخارجية يوشكا فيشر من حزب الخضر الألماني، مساعدة بلاده لكن جهوده واجهت الفشل، إذ ليس الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تعارض حصول ألمانيا على مقعد في نادي الكبار، وإنما أيضا بعض الدول الأوروبية التي تخشى الهيمنة الألمانية على أوروبا وأن تحقق قوة ألمانيا الاقتصادية والسياسية ما فشل فيه هتلر باستخدامه القوة العسكرية.

وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا خرجت عن الصف الغربي في مناسبتين مما جعل التحالف الغربي يشكك بنهجها. كان الأول في عام 2002 عندما حاول الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، إقناع المستشار شرودر بانضمام ألمانيا لتحالف الراغبين بالتعاون مع الولايات المتحدة في غزو العراق لهدف الإطاحة بصدام حسين. ورفض شرودر الذي تنبه إلى رفض غالبية الألمان هذه الخطوة لأن الألمان يعارضون تقليديا مشاركة جيشهم في أي عمل عسكري خارج نطاق حلف شمال الأطلسي، وكان شرودر يستعد للانتخابات للمرة الثانية بعد فوزه المفاجئ عام 1998 على كول، فرفض بينما وافقت ميركل التي كانت حينها تتزعم المعارضة ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالا لها عشية زيارة قامت بها إلى واشنطن، انتقدت قرار شرودر برفض المشاركة في غزو العراق ، وقالت إنه لا يتحدث باسم جميع الألمان. ولم يلق رأي ميركل استحسانا لدى الألمان، فعاقبوا الاتحاد المسيحي في الانتخابات العامة وفاز شرودر بمنصبه للمرة الثانية ضد خصمه إدمون شتويبر، مرشح الاتحاد المسيحي والذي كان يأمل بأن يكون أول سياسي بافاري يشغل منصب المستشار الألماني. واعتذرت ميركل بعد سنوات على موقفها ، وقال مراقبون أنه لو شاركت ألمانيا في غزو العراق لكلفها ذلك غاليا.

والمرة الثانية في مطلع عام 2011 عندما رفضت برلين التي كانت تشغل مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، المشاركة في الإطاحة بنظام الزعيم الليبي معمر القذافي، ولهذا القرار علاقة بقرار شرودر عام 2002، حيث إن وزير الخارجية الألماني في تلك الفترة، د. جيدو فيسترفيللي الذي توفي قبل بضعة أعوام، حاول أن يلعب دور ألمانيا المسالمة الرافضة للحروب، وهو القرار الذي كلف الحزب الليبرالي الذي ينتمي إليه، خسارة الانتخابات البرلمانية في عام 2013 وفقدت برلين مصداقيتها من قبل حلفائها الغربيين خاصة بعد أن صوتت ضد مهمة ليبيا إلى جانب روسيا والصين وبذلك وقفت في خندق واحد مع الخصوم التقليديين للغرب.

ويقول سياسيون ألمان بارزون، مثل النائب روديريشكيزيفيتر، خبير السياسة الخارجية في الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن فوز ألمانيا بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي يعتبر بالنسبة لنا هدف أسمى. ويرى النائب نيلزشميت من الحزب الاشتراكي فرصة قوية بفوز ألمانيا بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي ، بسبب اهتمامها بحل نزاعات دولية ملحة مثل تلك الدائرة في سوريا وليبيا وأوكرانيا إضافة للنزاع النووي الدائر مع كوريا الشمالية.

وقد تعززت رغبة ألمانيا في الفوز بمقعد غير دائم للفترة 2019 - 2020 بعدما سحبت إسرائيل طلبها بشكل مفاجئ وتوعد الألمان على لسان متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية برد الجميل لإسرائيل التي تنتمي لمجموعة أوروبا الغربية في الأمم المتحدة، من خلال الدفاع عن مصالحها وتأييد مواقفها ودعم إدماجها في مؤسسات الأمم المتحدة وتأييدها إذا رغبت في المستقبل الحصول على مقعد غير دائم في «نادي الكبار – أي مجلس الأمن الدولي».