أفكار وآراء

أوروبا.. كيف تحمي مصالحها مع إيران ؟

16 مايو 2018
16 مايو 2018

إيلي جيرانمايا – المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -

ترجمة قاسم مكي -

على الرغم من المفاوضات التي امتدت لشهور بين البلدان الأوروبية الثلاثة (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) والولايات المتحدة لتجنب نشوب أزمة غير ضرورية حول اتفاق إيران النووي إلا أن الرئيس ترامب أعلن عن «خروج خشن» من الاتفاق النووي. يبيِّن القرار عمليا أن الولايات المتحدة قررت ضرورة وأيضا حتمية المواجهة مع إيران ، بصرف النظر عما يعتقده الحلفاء الأوروبيون. وتبدو الإدارة الأمريكية على أهبة الاستعداد لتصعيد التوترات مع طهران ومحاولة العمل على انهيار اقتصاد إيران من الداخل بطرائق ستزيد كثيرا من مخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك تبدو الولايات المتحدة على استعداد في الأسابيع القادمة لقيادة هجوم اقتصادي وسياسي على المصالح الأوروبية (في إيران.) لذلك على البلدان الأوروبية الثلاثة المذكورة الإقرار بأن تكتيك الترضيات والحلول الوسط في التفاوض مع ترامب قد فشل. وإذا كان لأوروبا أن تؤثر بأي قدر على السياسة الأمريكية القادمة بشأن إيران سيكون على حكوماتها تغيير تكتيكها بسرعة واتخاذ موقف موحد خلف استراتيجية دبلوماسية أكثر حزما تستهدف الحيلولة دون تحقق السيناريو الأسوأ والمتمثل في استئناف البرنامج النووي الإيراني والمزيد من عدم الاستقرار والعنف في منطقة قريبة من حدودها. من الواضح أن الحكومات الأوروبية تميل إلى الاعتقاد بأن التأخير في تطبيق العقوبات يعني أنها لا يزال لديها وقت لإقناع الرئيس الأمريكي بالعودة عن قراره. لكنه نفذ وعده بالانسحاب تماما من الاتفاق. وهو الآن يجد تأييدا في هذا الموقف من مستشارين كبار ظلوا منذ فترة طويلة يدعون إلى موقف متشدد ضد إيران، ليس فقط تجاه الاتفاق النووي ، ولكن أيضا فيما يتعلق بالتشجيع على تغيير سياسي ما فيها . يجب أن يكون واضحا جدا الآن أن الإدارة الأمريكية الحالية لا يمكنها أن تكون شريكا في إنقاذ الاتفاق. وفي هذا السياق على الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء إيلاء الأولوية لنقاط العمل (الأجندة) التالية:-

■ ■ أولا، على القادة الأوروبيين توظيف اجتماع المجلس الأوروبي اليوم ( 17 مايو) في صوفيا لإصدار إدانة علنية وبالإجماع لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من ترتيب أمني دولي متعدد الأطراف وتحميل المسؤولية عن أي عدم استقرار ينتج عنه لإدارة ترامب.

■ ■ ثانيا، على القادة الأوروبيين رفض المزيد من التفاوض بين البلدان الأوروبية الثلاثة والإدارة الأمريكية حول «إطار أوسع» للسياسة تجاه إيران بما في ذلك احتمال فرض المزيد من العقوبات الأوروبية على إيران وذلك إلى حين إجراء إدارة ترامب تعديلات ذات معنى لتقليص فرض العقوبات الثانوية الأمريكية التي تستهدف الشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران.

■ ■ ثالثا: على الحكومات الأوروبية إيلاء الأولوية للإجراءات التي تستهدف الحفاظ على الالتزام الإيراني بالاتفاق. وعلى البلدان الثلاثة والاتحاد الأوروبي الاجتماع مع النظراء الإيرانيين على مستوى وزارات الخارجية للاتفاق على خطط طارئة. وعلى الحكومات الأوروبية أن تشرح للإيرانيين حكومة وشعبا إمكانية المحافظة على الاتفاق وأنه لا يزال مفيدا لإيران. ويجب أن يؤكد ذلك المسعى على المنافع الاقتصادية الفورية لاستمرار صادرات النفط ( التي على أوروبا الالتزام بالمحافظة عليها كأولوية.) وعلى أوروبا في مساعيها هذه لاستمالة إيران التعاون مع روسيا والصين وهما الطرفان الآخران في الاتفاق النووي.

■ ■ رابعا: يجب أن تشمل مقاربة أوروبا صياغة شروط قانونية واضحة للقطاعات الاستراتيجية للتجارة مع إيران تستهدف حماية الاتفاقيات التجارية الأوروبية الرئيسية التي تعتبر معايير لنجاح الاتفاق النووي واستمرارها (تحديدا في مجال الطاقة والطيران وصناعات السيارات.) وعلى البلدان الثلاثة والاتحاد الأوروبي إيلاء الأولوية لضمان عدم فرض العقوبات الثانوية الأمريكية على شركات الطاقة الأوروبية والخدمات المالية ذات الصلة لتمكين استمرار الصادرات النفطية من إيران وسداد أثمانها. ولبلوغ هذه الغاية، على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدء مشاورات تتعلق باتخاذ إجراءات مضادة في مواجهة الولايات المتحدة تشمل تهديدات سياسية وقانونية بأن الاتحاد الأوروبي سيدرس تنشيط الإجراءات التنظيمية الخاصة بحماية الشركات الأوروبية (من الآثار التي تترتب عن تطبيق بلد ثالث لتشريعاته خارج أراضيه. وهي قواعد إجرائية أصدرها مجلس الاتحاد الأوروبي عام 1996، وفي هذه الحال ينطبق تعبير «البلد الثالث» على الولايات المتحدة «وخارج أراضيه» على إيران- المترجم.) بل على الاتحاد أيضا دراسة فرض عقوبات جديدة على أصول الشركات الأمريكية في أوروبا من أجل استعادة الغرامات غير العادلة وغير القانونية التي تفرض على الشركات الأوروبية بسبب تعاملها مع إيران. وعلى القادة الأوروبيين التأكيد بشدة على هذه المسألة مع إدارة ترامب وتوضيح أنها حساسة بالنسبة للعلاقة عبر الأطلسية وأيضا للتعاون القائم حول القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط.

■ ■ خامسا، على الحكومات الأوروبية البحث عن حلول تجسيرية للحفاظ على الروابط المصرفية مع إيران ولو كان ذلك عند مستويات منخفضة جدا بما في ذلك الربط المؤقت بين البنوك المركزية في الدول الأعضاء بالاتحاد وبنك إيران المركزي وإيجاد خطوط ائتمان طارئة للصادرات. وعلى الاتحاد الأوروبي المسارعة إلى التنسيق بين الدول الأعضاء الرئيسية ووكالاتها المختصة بائتمان الصادرات والبنوك الحكومية لابتداع آليات مصرفية جديدة تسمح بقدرٍ من اقتسام المخاطر بين الحكومات والقطاع المالي في المعاملات التجارية مع إيران. يجب أن يستهدف هذا المجهود تسهيل مقاربة أوروبية جامعة نحو إيجاد شركات ذات غرض خاص لتمويل التجارة والاستثمار في قطاع معين مع إيران . على «هيئة الاتحاد الأوروبي للعمل الخارجي » أيضا طرح المقترحات الحالية بجعل بنك الاستثمار الأوروبي مصرف إقراض للاستثمارات طويلة الأجل ومتوسطة الحجم داخل إيران.

■ ■ سادسا، سيكون من الضروري الآن للأوروبيين أكثر من أي وقت آخر الحفاظ على حوار مع إيران حول قضايا المنطقة والصواريخ النووية بالنظر إلى أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق بدأ بالفعل في تغذية تصعيد إقليمي أوسع نطاقا. هذا صحيح خصوصا أن إدارة ترامب ستسعى في الغالب مع حلفائها الرئيسيين في المنطقة إلى شَفعِ الانسحابِ من الاتفاق النووي بتحرك أوسع ضد إيران. على ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا تسريع المحادثات الإقليمية التي دشنت مؤخرا مع إيران وإضفاء الصبغة الرسمية عليها بما في ذلك تعزيز احتمالات التهدئة بين إيران وإسرائيل في سوريا التي تزداد أوضاعها سخونة. وفي النهاية ربما لن يكون في مقدور أوروبا إنقاذ الاتفاق النووي. لكن إذا رغب الأوروبيون في تعزيز عدم الانتشار النووي في المنطقة والتقليل من حدة عدم الاستقرار الإقليمي سيلزمهم أن يبينوا عمليا للأمريكيين والإيرانيين والآخرين أنهم على استعداد للمحاولة. إن السماح بانهيار الاتفاق النووي دون دفاع مناسب عنه ستترتب عنه نتائج فورية وكارثية في الشرق الأوسط. كما سيقلل بقدر مؤثر من أهمية دور أوروبا في الحفاظ على الأمن الدولي. فأوروبا تواجه خيارا حاسما وتاريخيا وعليها إثبات إرادتها السياسية لتعزيز مصالحها الأمنية من خلال الدبلوماسية النشطة.