روضة الصائم

لقاء متجدد: الأمة مدعوة للاستمساك بالعروة الوثقى

16 مايو 2018
16 مايو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. فبمناسبة حلول هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك شهر الخير والعطاء شهر العبادة والسعادة شهر الإخلاص لله سبحانه وتعالى يشرفني أن أوجّه خطابي إلى جميع إخواني المسلمين في كل مكان مهنئا لهم بهذه المناسبة الطيبة الكريمة وداعيا إياهم إلى الاستمساك بالعروة الوثقى من دين الله سبحانه وتعالى لما يتجدد في هذا الشهر العظيم من صلة المسلم بالله سبحانه وتعالى فإنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن.

وقد جعل الله تعالى العبادة المشروعة في هذا الشهر، وهي الصيام لها صلة وثيقة بتجديد هداية القرآن ونور القرآن في النفوس كما يدل على ذلك الربط بين الامتنان بإنزال القرآن في هذا الشهر الفضيل ومشروعية صيامه وقد قال الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» فالعطف على هذا الامتنان بقوله: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» بالفاء التي تقتضي ربط ما بعدها بما قبلها مؤذن بالرباط الوثيق بين القرآن الكريم وهدايته ونوره وبين هذه العبادة المشروعة في هذا الشهر الفضيل وهي عبادة الصيام؛ فلا غرو في ذلك فإن الصيام يذكي روح التقوى كما يؤذن بذلك قول الله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» فالغاية من مشروعية هذه العبادة المقدسة هي تحقيق التقوى في نفوس الناس.

والتقوى هي الغاية المطلوبة من هداية الله تعالى لعبادته فإن الله تعالى يأمر عباده بأن يتقوه ولا غرو في هذا فإن شهر رمضان المبارك إنما هو شهر الصلة بالله سبحانه وتعالى شهر المغفرة شهر الرحمة شهر الهداية فيجب على الإنسان أن يستوحي من هذه العبادة ما يقوي روح التقوى في نفسه، كيف وعبادة الصيام نفسها مذكية لهذه الروح فإن الله تعالى شرع الصيام ليكون فيه دربة لهذا الإنسان على اجتناب نواهي الله تعالى وائتمار أوامره فإن الله تعالى جعل الصيام مدرسة يتخلّق فيها الإنسان بأحسن الأخلاق كما جعله الله سبحانه وتعالى تدريبا للإنسان على هذه الأخلاق الفاضلة وعلى الأعمال الصالحة وعلى تجنب كل سيئ من الأعمال فإن الله سبحانه وتعالى ناط هذه العبادة المقدسة بالتقوى، وحديث النبي- صلى الله عليه وسلم- يدل على أن الصيام يعني الكف عن كل محارم الله فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). والنبي صلى الله عليه وسلم علم هذه الأمة كيف تتعلم الأخلاق الفاضلة من هذه العبادة فقد قال: (الصيام جُنّة فإن كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم) وهذا يستدعي أن يحرص المسلم أيا كان في هذا الشهر الفضيل على أداء هذه العبادة المقدسة على هذا النحو الذي يصله بربه سبحانه وتعالى والذي يذكي في قلبه روح التقوى ويبصرّه بمواطئ قدمه في هذه الحياة حتى لا يُقدم على شيء ولا يُحكم عن أمر إلا ببينة وبصيرة من الله سبحانه وتعالى، والله المستعان.