أفكار وآراء

قطاع السياحة يحمل إمكانات كبيرة

12 مايو 2018
12 مايو 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تتحدث العديد من التقارير العالمية عن النمو السياحي الجيد في السلطنة رغم الظروف التي تمر بها المنطقة. ففي أحدث تقرير نشرته شركة كلاتونز لسوق العقارات بشأن التطورات العقارية في الربع الأول من العام الحالي، ركزت الشركة في جزء منه على التطورات السياحية في السلطنة، مؤكدة أن الحكومة العمانية تعكف على تبني إجراءات من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي الإجمالي في السلطنة. كما يؤكد التقرير على أهمية القطاع السياحي في تعزيز هذا النمو خلال المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن هذا القطاع يعتبر من القطاعات الأكثر حيوية في الاقتصاد، وأنه يحمل أكبر إمكانيات لم يتم استغلالها بعد. ونقلا عن تقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة، فإن هذا القطاع يمثّل مستقبلا مشرقا في السلطنة، حيث تحتل السلطنة المرتبة 18 عالميا من ناحية قدرات نمو السياحة حتى عام 2028، وفق ذلك التقرير.

إن قطاع السياحة يحظى منذ أمد بعيد باهتمام كبير ومتواصل من القطاعين العام والخاص نتيجة للمشاريع التي يتم تنفيذها في هذا القطاع الحيوي، والقطاع اللوجستي بشكل عام من جهة، والتشريعات التي يتم سنها والعمل بها لاستقطاب المزيد من السياح إلى السلطنة من جهة أخرى. وهذا الحرص يأتي من منطلق الأهمية الحيوية بهذا القطاع وبما يتصل به من سبل وبرامج تنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على العائدات النفطية، خاصة وأن السلطنة تعتبر من الدول الفريدة في المنطقة في امتلاكها مكانات ومقومات سياحية عديدة ومتنوعة وقابلة للاستثمار على نحو واعد، وبمستويات واستثمارات مختلفة، محلية وإقليمية ودولية. وهذا الأمر يتطلب إعطاء مزيد من فرص العمل للمؤسسات الصغيرة وأصحاب الريادة للدخول في المشاريع التي تكمل هذه المنظومة، والتقليل من الإجراءات لكي يتمكنوا من الاستفادة من هذا الانفتاح السياحي. وما زالت المتطلبات معقدة وكثيرة لطالبي الرخص التجارية من قبل أصحاب المؤسسات الصغيرة للعمل ضمن مشاريع القطاع السياحي، في الوقت الذي يمكن أن يستوعب هذا القطاع آلافا من هؤلاء الفتية من أصحاب الريادة للدخول في تلك المشاريع.

لقد شهدت الساحة المحلية خلال السنوات القليلة الماضية تنظيم العديد من الفعاليات التي تتناول قضايا الاستثمار السياحي وتنشيط المؤسسات السياحية والفندقية والسفر بالبلاد بمشاركة الخبراء والمتخصصين والمعنيين بقطاع السياحة والاستثمار فيه، من داخل السلطنة وخارجها، الأمر الذي يساهم في إلقاء الضوء وتوفير صورة واضحة ومتعددة الجوانب لفرص الاستثمار في قطاع السياحة. والهدف من ذلك كله هو أن يكون لهذا القطاع مساهمة جادة وحقيقية في الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يتطلب وضع قطاع السياحة في مكانه اللائق، كقطاع واعد استثماريًا وسياحيًا وعلى كل المستويات. وما يشهده قطاع السياحة العمانية اليوم من أنشطة مختلفة ومتعددة، سواء من حيث البرامج السياحية وتنويع المواقع السياحية والتراثية وتنفيذ المشروعات الفندقية الكبيرة، والمشروعات الخدمية، فإن جميعها سوف تعطي دفعة قوية لهذا القطاع، في الوقت الذي بدأ تفعيل إمكانات وخدمات مطار مسقط الدولي الذي يعتبر من أرقى المطارات في المنطقة، وحركة الطيران العماني للوصول إلى عدة عواصم جديدة. فالتقارير العالمية تشير إلى أنه من المتوقع أن تنمو مساهمة قطاع السياحة والسفر في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة بنسبة 6.3% خلال العام الحالي 2018، ثم بمعدل 5.9٪ سنوياً حتى عام 2028 ليصل هذا المجموع إلى 3.3 مليار ريال عماني أي 8.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي، معتبرين أن هذا التحسن المتوقع بمثابة تحول جذري هائل في التركيبة الأساسية لاقتصاد السلطنة، الذي بالتأكيد سيوجه الاقتصاد نحو المزيد من التنوع على نطاق واسع. لقد أصبح هذا القطاع اليوم يكتسب سمعة إقليمية ودولية كبيرة، خاصة وأن الحكومة نجحت خلال الفترة الماضية وعبر الاهتمام المدروس والمتدرج بهذا القطاع المهم وأنشطته المتعددة من تحقيق وعي وطني كبير بين المواطنين لتقبل السائح الأجنبي وتوجيهه بصورة تحمل معنى الإحسان وعدم النفور. وبحيث يتسع هذا الفهم على المدى ويتعمق على كل المستويات بأهمية قطاع السياحة، لإتاحة الفرص الواسعة أمام هذا القطاع والقادمين من الخارج للإسهام بنصيب أكبر في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة خلال السنوات القادمة.

وفي إطار هذا الاهتمام جاء مؤخرا تنظيم “المؤتمر السنوي الثالث للقطاع الفندقي لدول مجلس التعاون الخليجي” بمسقط لمدة يومين، تحت عنوان “عمان تناديكم”، حيث سلط المؤتمر الضوء على الفرص المتاحة في قطاع الاستثمار السياحي وعلى جاذبية القطاع والتسهيلات المتاحة فيه. والهدف من ذلك هو توفير فرص التواصل بين أطراف صناعة الضيافة والفندقة وتمكين المشاركين من بناء شبكات أعمال وتبادل المعلومات فيما بينهم. وقد استعرض المؤتمر الخطوط العريضة القابلة للتكيف مع السوق المتغيرة باستمرار، واستشراف التوجهات المستقبلية لصناعة الضيافة والفندقة من خلال عدد من الجلسات التي تحدث فيها المتخصصون من مختلف الدول المشاركة. هذه المبادرات جميعها تهدف إلى تعزيز مكانة السلطنة كواحدة من الجهات السياحية الفريدة في المنطقة من حيث الإمكانات التاريخية والتراثية والثقافية من جهة، وكوجهة للسياحة والراحة والاستجمام والاستثمارات في المنطقة من جهة أخرى. وهذه المبادرات، بلا شك، سوف تؤدي إلى استقطاب أفضل الممارسات إلى السوق المحلي، خاصة وأن السلطنة تعد اليوم الاستراتيجية العمانية للسياحة لعام ٢٠٤٠ والتسهيلات التي تنوي تقديمها للاستثمار في السياحي في مختلف أرجاء السلطنة. فقد تمكنت السلطنة في المرحلة الأولى من هذه الاستراتيجية من التركيز على خمس محافظات ومنها محافظة ظفار التي كانت وجهة سياحية موسمية للمواطنين والمقيمين بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في فصل الصيف فقط، غير أنه وبزيادة عدد المنشآت والخدمات وتطور البنية الأساسية والمطارات والتعاون والتنسيق مع شركات السفر والسياحة والطيران التجاري الخارجية، أصبحت ظفار وجهة سياحية على مدار العام. ومع وجود هذا الزخم من السياحة والانتهاء من المخطط السياحي لمحافظة ظفار فإن هناك آفاقا للاستثمار السياحي تفتح لأبناء السلطنة بالاستثمار في هذه المحافظة. ولتعزيز هذه التوجهات فإن الجهات المعنية تعمل اليوم على تنظيم مؤتمر عُمان للاستثمار السياحي الثاني بمحافظة ظفار خلال شهر سبتمبر المقبل، بحيث يتم خلاله إطلاق بعض المشاريع السياحية، وإيجاد منصة تجمع المهتمين بالاستثمار في القطاع السياحي في السلطنة، مع تسليط الضوء على المخطط الرئيسي لتنمية السياحة في محافظة ظفار، ومناقشة دور الحكومة في نمو السياحة وحوافز الاستثمار واتجاهات الابتكار والتكنولوجيا التي تؤثر على صناعة السياحة في البلاد. ولا شك أن مثل هذه الفعاليات تعمل على تعزيز وتنمية قطاع السياحة وتسويق المنتج المحلي وإبراز دور الشركات الأهلية وإمكاناتها في تشغيل المؤسسات السياحية.

كما تتضمن الاستراتيجية العمانية للسياحة 2040م أيضا تطوير 14 تجمعا سياحيا في مختلف محافظات السلطنة، وتطوير مجموعة واسعة من المنتجات السياحية الملائمة للأسواق المحلية والدولية المستهدفة التي تحتاجها كل محافظة، الأمر الذي سيعمل على تعزيز وتطوير تلك المحافظات ومقوماتها السياحية وبالتالي تعزيز الجذب والحركة السياحية إليها على مدار العام. وإن المتابع لهذا القطاع يعلم جيدا بأن هناك زيادة ملموسة في مشاريع البنية الأساسية والمرافق الضرورية للنشاط السياحي في البلاد، بجانب تمكّن هذا القطاع من تقديم العديد من التسهيلات في مجال الاستثمار في هذا القطاع، وغيره من قطاعات الاقتصاد العماني، خاصة وأن السلطنة وما تتمتع بها من ثراء ووفرة وتنوع في المقومات السياحية، ومن مناخ آمن وأمان واستقرار، تشكّل كلها عناصر نجاح للاستثمار في هذا القطاع الحيوي. كما أن قائمة المشاريع في هذا القطاع لا تتوقف، حيث أعلنت وزارة الإسكان مؤخرا عن تخصيص 6 مواقع لإقامة استراحات متكاملة تضم محطات الوقود وغيرها من الخدمات وبمساحة 30 ألف متر مربع لكل موقع، وذلك على مسار طريق الباطنة السريع الذي تم افتتاحه قبل أيام مضت في إطار تعزيز البنية اللوجسيتة الحديثة للسلطنة، الأمر الذي سيعمل على توفير مزيد من الخدمات الأساسية لمستخدمي هذا الطريق الهام بجانب تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية على طول مسارات الطرق السريعة.