أفكار وآراء

أوروبا تبحث عن نفسها !!

04 مايو 2018
04 مايو 2018

بقلم: سمير عواد -

أوضحت زيارتا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أيام إلى واشنطن، أن أوروبا يجب أن تجد لنفسها هوية جديدة ، خاصة وأن الهوة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية قد تعمقت بصورة كبيرة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولم يسبق وأن تراكمت الخلافات بين ضفتي الأطلسي مثل الوقت الراهن . لكن المراقبين لا يعتقدون أن تردي العلاقات بينهما سوف يقود إلى قطيعة. فأوروبا التي أقام الأمريكيون فيها نظاما جديدا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لن تستغني عن أمريكا ، والأخيرة لن تستغني عن أوروبا أيضا ، لكن الواضح أن أمريكا لن تستمر بدور القوة الحامية لأوروبا التي بات يتعين عليها وضع استراتيجية تعيد لها احترام العالم ، والقيام بدورها في حل الأزمات والنزاعات في العالم، فهي تختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لأنها تلتزم الحياد تجاه النزاعات والأزمات، خلافا للقوتين العظميين. فأمريكا منحازة لإسرائيل بينما روسيا منحازة لبشار الأسد ، أما أوروبا فليس لها موقف ثابت لكنها ليست منحازة لأحد، مما يكسبها مصداقية تفتقدها القوتان العظميان.

وفيما يلي أبرز نقاط الخلاف القائمة بين واشنطن وألمانيا وأوروبا :

أولا : إن ما تخشاه ألمانيا وأصبحت تتوقع أن يصدر ترامب قرارا بشأنه، هو فرض رسوم جمركية على الصلب والألومنيوم اللذين تستوردهما الولايات المتحدة الأمريكية من ألمانيا والاتحاد الأوروبي ، حيث فشل ماكرون وميركل في إقناع ترامب باستثناء الحلفاء الأوروبيين من فرض الرسوم الجمركية بشكل كامل . كما أن هذا أصبح الرأي السائد في أوروبا الأمر الذي جعل المفوضية الأوروبية تهدد واشنطن بفرض رسوم جمركية مقابلة على البضائع الأمريكية التي يتم تصديرها إلى أوروبا. وقد حذر خبير أوروبا جيف راذكه من أن تؤدي الخطوتان إلى حدوث حرب تجارية بين الشركاء عبر الأطلسي ونصح ميركل قبيل توجهها إلى واشنطن بالحديث مع ترامب حول المواقف المشتركة وخاصة القلق المشترك من الصين.

ثانيا : ورقة إيران، حيث ينتظر العالم تاريخ 12 مايو الجاري ، حيث سيعلن ترامب موقفه من الاتفاق النووي مع إيران ، وقد هدد ترامب بإلغاء الاتفاق المبرم عام 2015 ، وقال مرارا إنه أسوأ صفقة ، على حد زعمه ، وقد خُيل للمراقبين خلال زيارة ماكرون لواشنطن أن هناك احتمالا بأن يتم التوصل إلى حل وسط، لكن ترامب يقول إن تصرفات إيران تقلقه، مثل دورها في منطقة الشرق الأوسط ، وبرنامجها المتعلق بتطوير الصواريخ . كما أن كيم جونج أون، زعيم كوريا الشمالية، مهتم بمعرفة موقف ترامب الحاسم تجاه الاتفاق النووي مع إيران، وإذا بالوسع أخذ التزامات واشنطن على محمل الجد إذا عرضت على كوريا الشمالية اتفاق نووي مماثل. ورغم أن ماكرون بذل جهدا كبيرا لإقناع ترامب بالتراجع عن التفكير بإلغاء الاتفاق وعرض عليه خطة «ب» وتعديل الاتفاق فإن المراقبين يعتقدون أن ترامب يريد إلغاء الاتفاق لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية وزيادة شعبيته داخل بلاده لإجبار الإيرانيين على التوقف عن إطلاق شعار «الموت لأمريكا» الذي يستفز المواطنين الأمريكيين وخاصة مؤيدي ترامب . وفشل الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية في إقناع ترامب بالتراجع عن فكرة إلغاء الاتفاق النووي.

ثالثا : الإنفاق العسكري، ويجد موقف ترامب تأييدا واسعا لدى ناخبيه عندما يقول لهم إن بلاده لم تعد مضطرة لتوفير الحماية لحلف شمال الأطلسي، وأن دولا غنية مثل ألمانيا مُلزمة بإنفاق المزيد من الأموال على التسلح. وقد كرر ترامب هذا الموقف في لقاءاته الأخيرة مع ميركل ومن المؤكد أن يتطرق إلى هذا الموقف في لقائهما الجديد في واشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا تنفق 1،2 % من حجم الناتج القومي الإجمالي على السلاح وهذه نسبة أقل بكثير مما تنفقه دول أعضاء في الحلف العسكري الغربي مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا. وقد حذر دبلوماسيون أمريكيون الجانب الألماني من أن موضوع الأمن يُشكل أهمية كبيرة بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي بدأ يفقد صبره حيال تحفظ ألمانيا في اتخاذ موقف حيال هذا الموضوع.

رابعا : مشروع بناء أنبوب الغاز «نورد ستريم» بين ألمانيا وروسيا، وهو موضع نقاش دائم في مجلس الشيوخ الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية، ويخشى العديد من منتقدي روسيا أن تتمكن أوروبا بعد إكمال المشروع أن تزيد من اعتمادها على الطاقة الروسية وتصرف النظر عن التفكير في شراء الغاز الأمريكي المُسال في المستقبل عبر الناقلات البحرية. وقد لفت أعضاء في الحزب الجمهوري نظر ترامب إلى هذا الموضوع الحساس وطالبوه بالسعي ليتم إيقاف المشروع. بينما تتمسك ميركل بهذا المشروع حيث قالت أخيرا خلال وجودها في العاصمة الأوكرانية «كييف» أنها تؤيده لعوامل سياسية. وترى واشنطن أن هذا الموقف إشارة بأن ميركل مستعدة لإعادة النظر بهذا المشروع الذي يشكل نقطة خلاف مع واشنطن أو على الأقل فرض شروط على موسكو مقابل إكمال المشروع.

ويرى الصحفي الألماني تورستن تايشمان، المحرر الدبلوماسي في القناة الأولى للتلفزيون الألماني، أن الخلافات الآنفة الذكر، تفرض على الأوروبيين التوقف عن الاعتماد كليا على الولايات المتحدة وكتب مقالا أوضح فيه أن أمريكا لم تعد تشعر أنها مُلزمة بحماية أمن الأوروبيين لأنها تشعر أن ذلك يتم على حسابها. من الناحية الاقتصادية، فإن ميزان التبادل التجاري لا زال لصالح الأوروبيين، ويريد ترامب الذي يطمع بالبقاء في منصبه ولاية ثانية، أن يتغير هذا الوضع بحيث يميل ميزان التبادل التجاري لصالح بلاده. وأوضح تورستن تايشمان أن الأوروبيين لم يفهموا حتى وقت قريب حقيقة شعار ترامب «أمريكا أولا» وقد بدأ يطبقه دون أي اعتبار لحلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا الذين يجدون أنفسهم اليوم في صف واحد مع موسكو وبكين مثل موقفهم المعارض لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران ، وابتعدوا كثيرا عن واشنطن. وبرأي تايشمان، يتعين البحث فورا عن استراتيجية أوروبية جديدة، وفي نفس الوقت الحفاظ على علاقات أوروبا مع واشنطن إذ لا بديل آخر أمامها.