أفكار وآراء

محـــل الحقد

02 مايو 2018
02 مايو 2018

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

الحق والحقوق لها مكانة مميزة خاصة في كل القوانين التي تقدم كل الضمانات لحفظ وصيانة كافة الحقوق صغيرها وكبيرها، وخاصة الحقوق المالية التي يتناولها القانون المدني في أحكام شاملة. ووفق أحكام القانون المدني فان “الحق” هو (كـل شـيء غـير خـارج عن التعامل بطبيعته، أو بحكم القانون، فانه يصح أن يكون محلا للحقوق المالية). وللتقريب، تعتبر الأشياء خارجة عن التعامل بطبيعتها إذا كان لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها كالهواء الطلق مثلا، كما تعتبر الأشياء خارجة عن التعامل بحكم القانون إذا كان القانون لا يجيز أن تكون محلا للحقوق المالية كالمخدرات أو المتحصلات الناتجة من جرائم غسل الأموال أو الممتلكات العامة أو الخاصة ملك الغير.

وكل شيء مستقر بحيزه ثابــت فيــه ولا يمكن نقله منه دون تلف أو تغيير في هيئته فهو عقار يجوز أن يكون محلا للحق. وكذلك يعتبر عقارا بالتخصيص، المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه، رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله. ويعتبر مالا عقاريا ومحلا للحق كل حق عيني يقع على عقار ويشمل ذلك حق الملكية والدعاوى التي تتعلق بحق عيني على عقار. وانطلاقا من هذا، فان كل ما ليس عقارا فهو منقول، ويعتبر مالا منقولا ومحل حق للملكية المنقولة. ويعتبر الشيء منقولا إذا كان انفصاله عن العقار وشيك الحصول، ونظر إليه استقلالا علي هذا الاعتبار، ويكون محلا للحق علي هذا الأساس.

إضافة للعقار والمنقول بكل أنواعها، فهناك أشياء أخري تكون محلا للحق وفق القانون المدني، ومن ضمن هذا نجد الأشياء المثلية. وهي ما تماثلت آحادها أو تقاربت بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء عرفا بلا فرق يعتد به، وتقدر في التعامل بالعد أو الكيل أو الوزن أو القياس. ويجوز الاتفاق علي تقديم الأشياء المثلية للوفاء بالحق.

وكذلك هناك الأشياء القيمية، وهي ما تتفاوت آحادها في الصفات أو القيمة تفاوتا يعتد به عرفا، أو يندر وجود آحادها في التداول. والأشياء القيمية تمثل محلا للحق لمن يملكها، مع العلم أن الأشياء القيمية تختلف عن الأشياء المثلية ولذا لا يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء بالحق ما لم يتم الاتفاق علي الفرق أو ما يقوم مقامه.

وبالنسبة للأشياء القابلة للاستهلاك، فإنها أيضا محلا للحق، وتتمثل في تلك الأشياء التي يكون استعمالها بحسب ما أعدت له في استهلاكها أو إنفاقها. ويعتبر قابلا للاستهلاك كل ما أعد في المتاجر للبيع، وهي محل للحق ولاستهلاكها لا بد من الوفاء بالثمن المقابل أو تبادلها وفق الأعراف التجارية السائدة.

وهناك أشياء أخرى يجوز أن تكون محلا للحق “المعنوي الأدبي” غير المادي. وخير مثال لمثل هذه الحقوق ما يعرف بـ “حق المؤلف” وغيره من الحقوق التي ترد على شيء غير مادي. ومثل هذه الحالات تنظمها قوانين خاصة بها لا بد من مراعاتها حفظا للحقوق الأدبية والمعنوية وما يرتبط بها من حقوق مادية. وبالإضافة للقوانين المحلية، هناك اتفاقيات ومعاهدات دولية تتناول هذه الحقوق وكيفية الحفاظ عليها على المستويين المحلي والعالمي.

وهناك الحقوق العامة، أو محل الحق العام، وهي تشمل الأموال العامة بما فيها العقارات والمنقولات التي تملكها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة. وكل هذه الحقوق، تكون مخصصة للنفع العام بالفعل أو بمقتضى قانون أو نظام أو قرار من الجهات المختصة. ووفق القانون، فان هذه الحقوق العامة والأموال العامة لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم. وينتهي تخصيص الأموال العامة للنفع العام بالفعل أو بانتهاء الغرض الذي خصصت من أجله أو بمقتضي قانون أو قرار من الجهات المختصة..

أوضحنا أعلاه، محل الحق الخاص أو العام، والقانون المدني يبين كيفية استعمـــال الحـــق الخاص “أو العام”. وكقاعدة جوهرية هامة، فان استعمال الحق استعمالا مشروعا لا يترتب عليه مسؤولية، ولو نشأ عن هذا الاستعمال ضرر للغير. وهذه القاعدة الهامة تقوم على مبدأ عدم المسؤولية شريطة أن يتم استعمال الحق استعمالا مشروعا.

وبموجب القانون، يكون استعمال الحق غير مشروع، إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح أو المصلحة التي يرمي الى تحقيقها غير مشروعة، أو إذا كانت المصالح أو المصلحة التي يرمي الى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها، أو إذا كان من شأنه، أن يلحق بالغير ضررا بليغا غير مألوف..

ومع اعتراف القانون بالحق ومحل الحق وما يترتب على محل الحق من حقوق قانونية، فان التعامل مع محل الحق أصبح واضحا للجميع ويجب التصرف مع محل الحق وفقا لذلك. وهناك مسؤولية قانونية مباشرة تقع على محل الحق وضرورة استخدامه بالطرق المشروعة ووفق أحكام القانون. وننصح الكل من أصحاب الحق أو من يرغب فيه، التعامل وفق متطلبات القانون حتى تسير الأمور علي الوجه القانوني الصحيح وحتى تستقر الحياة المدنية ويستمر دولاب العمل .