أفكار وآراء

الحوار بين دول الخليج .. ضرورة استراتيجية

01 مايو 2018
01 مايو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

تمر منطقة الخليج العربي بمنعطف سياسي وامني خطير في ظل عدد من المعطيات لعل أبرزها الخلاف بين ايران وبعض دول الخليج وأيضا التدخل الإسرائيلي وتحريض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على محاصرة ايران وعلى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، علاوة على مواقف الرئيس الأمريكي ترامب المتشددة تجاه طهران وعزمه عن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

علاوة على ذلك تتواصل التصريحات الانتقادية بين طهران وبعض العواصم الخليجية، خاصة حول موضوع الحرب في اليمن وتأثيراتها المباشرة، كما أن الأزمة الخليجية التي تراوح مكانها أضافت بعدا سلبيا على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج ومن هنا فإن المناخ العام في المنطقة يتسم بالحساسية وعدم الاستقرار والتوتر.

وعلى ضوء تلك المعطيات فإن الخيار الأفضل والأسلم لإخراج المنطقة من هذا التوتر وعدم الثقة بين الفرقاء في المنطقة وتجنب أي حرب محتملة ومدمرة هو الحوار المباشر بين الجانبين الخليجي والإيراني لمناقشة كل الملفات والوصول إلى قناعات بان الحروب لا تحل المشكلات خاصة وان الجميع سيكون خاسرا في نهاية المطاف، ولعل نموذج القمة الكورية يكون حاضرا في أذهان الجميع.

بعيدا عن الحروب

عانت المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حروب مدمرة كانت لها تداعياتها الاقتصادية والأمنية والبيئية والصحية من خلال نتائج تلك الحروب ومنها موضوع الإشعاع خاصة خلال حرب تحرير الكويت عام 1991 وأيضا الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 علاوة على خسارة مقدرات الشعوب وخلق الكراهية ويبدو أن ملامح السيناريو يراد له الآن أن يتكرر من خلال التحريض الإسرائيلي الأخير من خلال ادعاءات بان لإيران برنامجا نوويا سريا علاوة على التهديدات الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني والذي جنب المنطقة حربا كارثية وكان للسلطنة من خلال حكمة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - دور أساسي في إبعاد المنطقة عن شبح الحرب من خلال جهود مثمره أدت إلى توقيع ذلك الاتفاق بين إيران والقوى الدولية الست وحظي بتأييد الأمم المتحدة ودول العالم .

إن فتح ذلك الملف النووي الإيراني من جديد له أبعاد استراتيجية خاصة من قبل اسرائيل والولايات المتحدة كما ان الخلاف الإيراني مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي أضاف للمشهد بعدا سلبيا من خلال التصريحات السلبية بين الجانبين والذي وصل إلى مرحلة التهديدات المتبادلة ، ولعب الإعلام في المنطقة أيضا دورا سلبيا في تأجيج الخلافات سواء فيما يخص الخلاف الإيراني مع بعض دول مجلس التعاون أو فيما يخص الأزمة الخليجية ، ومن هنا فان مسالة الحروب تعد كارثة علي الدول والشعوب ولعل القمة الكورية تعطي درسا كبيرا في أن أي خلاف سياسي او استراتيجي يمكن حله من خلال الحوار والجلوس على طاولة الحوار .

فإيران جغرافيا دولة جارة وموجودة ولا يمكن تغيير الجغرافيا، وبالمثل كل دول الخليج العربية، وإذا كانت هناك مآخذ خليجية ما على طهران، فان الخيار الأمثل هو مواجهة ايران من خلال الحوار وليس هناك خيار آخر، ومن هنا فان إطلاق ذلك الحوار هو المسار الافضل حتى يتم إبعاد المنطقة عن شبح الحرب.

الحوار الاستراتيجي الحوار الخليجي-الإيراني هو الحل الأمثل لحل الخلافات والانطلاق نحو منظومة التعاون الاقتصادي والأمني وإيجاد مناخ يعطي للأجيال الأمل نحو التعايش على ضفتي الخليج وحتى تنطلق المنطقة نحو أفاق إيجابية يسودها السلام والاستقرار . إن الابتزاز الغربي لدول الخليج واضح من خلال الحروب والأزمات الحالية فالأهداف الغربية في معظمها تدور حول بيع السلاح وتشغيل المصانع لدى تلك الدول، وهذا أمر واضح ومن هنا فان دول المنطقة متضررة اقتصاديا وماليا على المدى المتوسط والبعيد، حيث إن المقدرات المالية والطبيعية لابد أن تستثمر لصالح الشعوب والتنمية بدلا من شراء السلاح، وهذا الأمر لا يساعد على إيجاد مناخ السلام في المنطقة. والمعروف أن السلطنة قد تنبهت إلى أهمية إيجاد منظومة تعاون بين دول الخليج وإيران عام 1976 وهو ما طرح خلال الاجتماع الوزاري في مسقط برعاية جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه- وحضرته دول مجلس التعاون الست علاوة على إيران والعراق وهذا استشعار مبكر من السلطنة بأهمية ذلك الحوار والتعاون بين تلك الدول، ولعل المرحلة الحساسة الآن تعيد إلى الأذهان أهمية إطلاق ذلك الحوار الخليجي-الإيراني وفق منهجية المصارحة والشفافية للوصول إلى حلول تنهي كل التوتر الذي يتواصل حاليا ويعمق تلك التهديدات التحريض الإسرائيلي والاندفاع الأمريكي لان نشوب أي حرب في المنطقة سوف يكون كارثيا وسوف نعيد نفس السيناريو في الحروب الحالية في اليمن وسوريا وليبيا وحتى العراق التي لا تزال تعاني من آثار الحروب المدمرة التي تعرضت لها أو خاضتها، والتي تستفيد منها إسرائيل من خلال أجندتها المدمرة والتي تهدف إلى إشعال المنطقة بالحروب بين العرب والمسلمين، علاوة على أهداف الغرب في بيع المزيد من الأسلحة والاستيلاء على المزيد من الأموال الخليجية وهي ملامح بدأت في الظهور منذ أزمة الخليج التي اقتربت من عامها الأول.

الحوار الاستراتيجي المفتوح بين دول المنطقة هو الخيار الذي يسمح بتهدئة التوتر في المنطقة وإفشال الأهداف الإسرائيلية وتجار السلاح في الغرب، ومن هنا فان الحكمة تقتضي إطلاق ذلك الحوار وان يكون النموذج الكوري حافزا ومستفزا للجميع لإنهاء حالة التوتر ، فالخلافات تحدث بين الدول بدليل أن هناك خلافات بين الدول الغربية وبعضها، ولكن تكون طاولة الحوار هي الخيار الأمثل. فالحروب لا تحل شيئا بل تعمق الكراهية وتؤدي إلى تدمير المقدرات ولعل اكبر درس في هذا الإطار هو استراتيجية دول جنوب شرق آسيا والتي عانت الأمرين خلال العقود الماضية بداية من الحرب الكورية في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، والحرب في فيتنام مع الولايات المتحدة الأمريكية في عقد الستينيات من القرن الماضي علاوة على الحروب في الفلبين ولاوس وكمبوديا والحروب بين الصين واليابان وهذه الأخيرة قد عانت الأمرين جراء إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي من قبل واشنطن في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.

ومن هنا فان الدرس الآسيوي في جنوب شرق القارة كان بليغا واتخذت تلك الدول قرارا استراتيجيا يتمثل في الانطلاقة الاقتصادية وحل الخلافات والمشكلات من خلال الحوار حيث توجد المظلة السياسية وهي منظمة الأسيان مما جعل تلك الدول تزدهر اقتصاديا بل وتنطلق من فلسفة السلام والتعاون مما جعلها بالفعل النمور الاقتصادية وتأتي القمة الكورية لتعطي ذلك المسار الفلسفي الآسيوي رونقه وهو ان الحوار والتعايش هو الخيار الصحيح.

العلاقات المتوازنة

عندما ندعو إلى إطلاق الحوار الخليجي-الإيراني نستشعر أهمية الأخطار المحدقة بالمنطقة، خاصة وان المنطقة حساسة جغرافيا واقتصاديا وليست بحاجة إلى مزيد من الحروب، والمنطق يقول بان الجميع سوف يتقاسم تلك الجغرافيا على ضفتي الخليج دوما والى الأبد، وليس هناك حل آخر، ومن هنا تظل أهمية التعايش بين المجتمعات والشعوب خاصة وان الدين الإسلامي الحنيف يجمع تلك الشعوب، كما أن هناك ثقافات وعادات مشتركة ، ومن ثم فان العلاقات المتوازنة تظل هي الأهم فالعالم الآن يتحرك من خلال المصالح المشتركة فأعداء الأمس هم أصدقاء اليوم وهذه هي الآلية التي لابد من السير من خلالها، ولا بد من التفكير جديا في مسألة الحوار في كل قضايا الخلاف وهذه دعوة صادقة لنجرب الحوار حتى لو كانت الخلافات عميقة فنهاية الحرب الفيتنامية شهدت حوار نادرا بين الولايات المتحدة وبين فيتنام، وانتهت المفاوضات بإنهاء الحرب، وهناك نماذج عديدة ومن هنا فدول المنطقة لا تزال في إطار الخلافات حتى لو كانت متعمقة لكن المواجهة السياسية من خلال الحوار هو الذي يحفظ في نهاية المطاف للمنطقة استقرارها فالحروب ليست حلا للمشاكل بل تعمق من كراهية الشعوب وتجعل من التدخلات الخارجية أمر لا مفر منه. وفي المحصلة النهائية الجميع خاسر كما يتم هدر مقدرات الشعوب وتدمير البنى الأساسية لها ، فهل هذه النتائج الكارثية مقبولة؟

إيران ودول الخليج سوف يظلان في المنطقة ولا مجال لتغيير الجغرافيا لكن يمكن تغيير التوجهات من خلال آليات تتحلى بالثقة والجرأة في مواجهة تلك الخلافات، وسوف يشهد التاريخ القريب والبعيد بان حكمة القادة في المنطقة جنبت الأجيال والدول مخاطر الحروب وهذا هو المنطق الصحيح.

لقد أدرك الزعيم الكوري الشمالي في لحظة فارقة بان الترسانة النووية لن تحل مشاكل الكوريتين وبدلا من ذلك اتجه مباشرة إلى الحوار مع عدو الأمس وكانت لحظات مبهرة في التاريخ الحديث لتسجل باسم زعيمي البلدين ليعود الحلم الكوري مجددا لوحدة الدولة الكورية، ولو بعد سنوات

فهل نرى قريبا المشهد يتكرر في الخليج ليجمع الحوار بين الفرقاء ولتدشن منطقة الخليج مرحلة جديدة أساسها التعاون والتعايش والسلام والاتفاق على كلمة سواء نتطلع بكل الأمل إلى ذلك.