Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :الأرقـام.. لا تمـتـحن ذاكـرتنا فـقـط

27 أبريل 2018
27 أبريل 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

نعيش وسط مجموعة هائلة من الأرقام، لا إمكانية لنا لعدها أو إحصائها، هذا هو الحال الذي وصلنا إليه، أحسسنا بذلك؛ أو لم نحس، عرفنا ذلك؛ أو لم نعرف؛ اقتنعنا بذلك؛ أو لم نقتنع، هذه حقيقة، ولا مجال لدحضها، وهو غزو معرفي نتقبله بكل رحابة صدر، لأن الأرقام في مجملها تهمنا، ونضع لها الموازين الدقيقة، فحياتنا لا يمكن أن تواصل تقدمها بلا أرقام.

فتعداد العالم البشري يصل اليوم إلى أرقام من المليارات نسمة، وكذلك بقية الكائنات، الخدمات التي نحصل عليها عبارة عن مكونات من الأرقام، فكم عدد المستشفيات، وكم عدد المدارس، وكم عدد الجامعات، وكم عدد الكليات، وكم مسافات أطوال الطرق التي تربطنا بالآخر، وفي أي ساعة موعد إقلاع الرحلات، كم عدد الأشخاص الذين نتعامل معهم، وكم عددهم في قوائم هواتفنا النقالة، كم عدد السيارات التي تسير في الطرق الرئيسية والجانبية في الساعة الواحدة، وكم عدد المتاجر القريبة والبعيدة عن منازلنا، كم عدد المزارع، وكم عدد الأشجار التي تحتويها، كم عدد الأقمار والكواكب على امتداد السماء، وكم استطاع الإنسان أن يوجد من الأقمار الصناعية لغزو الفضاء، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

مجموعة من الأرقام لا أوّل لها ولا آخر، في كل محطاتنا اللحظوية واليومية، هناك أرقام نتعامل معها، نزيد فيها، أو ننقص منها، المهم أن لا تتضارب هذه الأرقام مع بعضها فتحدث الكارثة، ولم تأت المعادلات الرياضية المعروفة المعقدة منها والبسيطة إلا لتنظيم كل العمليات القائمة على الأرقام، لأن في تقاطعاتها ضياع للنتائج، والنتائج مهمة في حياتنا كبشر، لحفظ مسارات الحياة الصحيحة.

قبل عشرين عاما؛ تقريبا؛ من اليوم كان تداول الأرقام بسيطا، وكانت الأرقام التي نتعامل معها قليلة ـ وهنا القياس على واقعنا المحلي فقط - ولذلك كانت ذاكرتنا تحتفظ بالكثير من الأرقام، سواء لسنوات العمر، أو لتعاملاتنا اليومية، وعندما حلت الهواتف الثابتة، كنا نحفظ الكثير من الأرقام التي تربطنا بالآخر، وكنا نحفظ هذه الأرقام بعدد الذين نتواصل معهم، وكان هناك القليل ممن يدون هذه الأرقام في دفتر صغير؛ مثلا؛ أما اليوم، وبعد أن حلت الهواتف النقالة، فكل قائمة؛ على سبيل المثال؛ من قوائم الـ «واتس أب» تضم العشرات من الأرقام، وكل رقم يشير الى شخصية محددة، بمعنى حتى شخصيات البشر أصبحت مربوطة برقم ما، ولا يمكنك الوصول الى هذه الشخصية أو تلك، إلا من خلال الرقم المسجل عندك، سواء أكان رقم هاتفه النقال، أو رقم بطاقته الشخصية، أو جواز سفره، أو رقم بيته، أو رقم السكة التي يقع فيها البيت، ، وإلا لسافرت ولقطعت المسافات البعيدة للوصول إلى صديقك في أي محافظة يكون.

هي أرقام ترفرف على امتداد الأفق نستخدمها نحن، ويستخدمها الآخرون قربوا منا أو بعدوا، حتى أولئك الذين يسيئون الى الآخر يستخدمون نفس الأرقام التي نتقرب بها إلى الآخر، حيث تلعب الأرقام لعبة ازدواجية المعايير، ولعلنا نشاهد ونسمع يوميا عن أرقام تصل قيمها الملايين، إما أرقام سيارات، أو أرقام هواتف نقالة، وحتى قيمتها المادية عبارة عن رقم يحمل صفة المليون، أو الألف، أو المائة على أصغر تقدير.

هذه الأرقام لا تمتحن ذاكرتنا فقط، بل تربك حساباتنا، تقلقنا في مواقف كثيرة، تنزع عنا استقرارنا وهدوءنا الذي نريد، وفي مواقف أخرى تدخل في أعماقنا البهجة، ولعل الرصيد البنكي هو المعول عليه أكثر في هذا الجانب، وإن كان الحال الكثير منا لا يبهجه كثيرا هذا الرصيد الرقمي، خاصة عندما يأتيك الوصل بصورته السالبة.

هذه الأرقام يمكن أن نوجد بها مقاربة فلسفية، عندما نعبر بها عن مواقفنا، وقناعاتنا، فعندما تكون المعادلة (1+1=2) فإن معنى ذلك أن موقفنا لا يمكن أن يخضع لمساومة ما، وعندما تكون النتيجة حسب الموقف زيادة أو نقصانا، فإنها بذلك تكون مواقفنا متهلهلة ومتماهية مع التيار، حيث نفقد خصوصيتنا واعتباراتنا الشخصية.