أفكار وآراء

التراث الثقافي في يومه العالمي

22 أبريل 2018
22 أبريل 2018

أ.د. حسني محمد نصر -

احتفلت السلطنة الأسبوع الماضي باليوم العالمي للتراث الذي يوافق الثامن عشر من أبريل من كل عام. وقد كان لي الشرف أن أشارك في هذا الاحتفال من خلال الحديث عن دور وسائل الإعلام الجديدة في نشر وصون التراث الثقافي، وذلك في الندوة الوطنية: الإعلام والتراث الثقافي: آفاق وتطلعات، التي نظمتها اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، وأثراها بالحضور عدد من كبار المسؤولين عن الثقافة والإعلاميين المهتمين بالتراث الوطني العُماني والحريصين علي حمايته.

ورغم أهمية المناسبة وأهمية موضوع الندوة، وجهود الجهة المنظمة، فإن عدد الحضور لم يكن علي مستوى الطموح، ولا يعبر عن الاهتمام الذي توليه الحكومة والمؤسسات الثقافية والفكرية للتراث الثقافي الوطني الذي تذخر به السلطنة، والذي يحتاج بالفعل إلى ظهير شعبي يشارك في نشر هذا التراث وحمايته من عبث العابثين من جانب وتربص المتربصين من جانب آخر. ولا سبيل في اعتقادي إلى تكوين هذا الظهير إلا من خلال تكثيف الجهود الإعلامية، واستخدام كافة منصات النشر التقليدية والجديدة للوصول بهذا التراث المهم إلى الناس وخلق وعي عام بأهميته وخصوصيته وطرق صونه وحمايته.

من هذا المنطلق جاءت هذه الندوة المهمة التي استعرضت تجارب صحفية وإذاعية لإعلاميين بارزين، بالإضافة إلى الورقة العلمية التي شرفت بتقديمها حول دور وسائل الإعلام الجديدة والإمكانات التي توفرها ويمكن توظيفها في هذا المجال. والواقع أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي تعد وسائل الإعلام الجديدة أبرز تجلياتها، أحدثت ثورة في جميع مجالات الحياة في العالم، بما في ذلك مجال التراث الثقافي الذي دخلته بقوة وأحدثت فيه تغيرات كبيرة، شملت طرق تعاطي المؤسسات وأصحاب المصلحة والمجتمعات مع هذا التراث. وبالتالي يصبح من المهم الاستفادة من تجارب الآخرين عبر تحليل العلاقة الجديدة والقوية التي أصبحت تربط المؤسسات المعنية بالتراث الثقافي بوسائل الإعلام الاجتماعي الجديدة.

وإذا اتفقنا على أن التراث الثقافي هو كل الأعمال المادية وغير المادية التي توارثتها الأجيال البشرية المتعاقبة في بقاع الأرض المختلفة وبقيت شاهدة على الإبداع الإنساني على مر العصور، فإنه يمكن القول إن وسائل الإعلام الجديدة يمكن أن تقوم بثلاثة أدوار رئيسية، تتمثل في نشر الوعي بالتراث الثقافي العماني، وتعزيز التشاركية الجماعية فيه، وصونه والحفاظ عليه. واكتفي في هذا المقال بالحديث عن الدور الأول الخاص بالتعريف بالتراث الثقافي ونشر الوعي به، على أمل أن تتاح الفرصة في مقالات قادمة للحديث عن الدورين الآخرين، وتقديم مجموعة من التوصيات التي قد تجد صدى لدى مؤسساتنا الثقافية المعنية بالتراث.

لا يمكن بالطبع إنكار الدور الذي تقوم به أو يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف الورقية والإذاعة والتلفزيون في نشر الوعي بالتراث الثقافي، ولكن مع تراجع التعرض الجماهيري خاصة لفئة الشباب لهذه الوسائل، والزيادة المستمرة في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي فإن توظيف الوسائل الجديدة يصبح ضرورة للمؤسسات الثقافية الرسمية والشعبية. ويأتي علي رأس هذه الوسائل شبكات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر وبنترست وانستجرام وفليكر التي يجب أن نوظفها توظيفا صحيحا في نشر تراثنا الثقافي والتعريف به وزيادة الوعي الوطني بأهميته. والواقع أن هناك نماذج عالمية عديدة يمكن الاستفادة منها، استخدمت فيها مؤسسات ثقافية عديدة في العالم وسائل الإعلام الاجتماعي لإشراك مجتمعاتها في الاهتمام بالتراث الثقافي، وذلك من خلال مشاركتهم الأخبار والتحديثات المعلوماتية عن الحفريات، ومشروعات الترميم، وتنظيم المعارض، وخلق الوعي العام بقضايا التراث الثقافي.

وعلي سبيل المثال فإن ساحة التدوين القصير «تويتر» يتيح مشاركة الصور والروابط الفائقة، ويتميز بسرعة تبادل المعلومات، ويلعب فيه الوسم «الهاشتاج» دورا أساسيا، ويتم تحديث المعلومات فيه بشكل سريع. والمثال الناجح علي توظيف تويتر في نشر التراث الثقافي هو حساب «أسأل أمين» والمقصود أمين المتحف، وهو حساب اطلق في مارس 2010 علي تويتر، يقوم بتحديد يوم كل عام (كان يوم 13 سبتمبر في العام الماضي 2017، ومن المقرر أن يكون يوم 19 سبتمبر العام الحالي 2018). خلال هذا اليوم فإن 1519 متحفا مسجلين في هذا الحساب من 58 دولة من بينها ثلاث دول عربية فقط هي قطر والأردن واليمن، تجتمع افتراضيا معا للإجابة عن الأسئلة التي يقدمها المتابعون للحساب (نحو 45 ألف متابع) لأمناء المتاحف ومرممين الآثار. ومن خلال هذه الحساب يتم إزالة الحواجز بين أمناء المتاحف وبين الجمهور، كما يتم نشر المعلومات عن محتويات هذه المتاحف من التراث الثقافي الإنساني والتعريف به وزيادة الوعي بأهمية حفظه وحمايته وصونه.

النموذج الثاني الذي يمكن الإشارة إليه هنا هو حساب «مخطوطات العصور الوسطي» المخصص لنشر والتعريف بالمخطوطات الخاصة بالعصور الوسطى المحفوظة في المكتبة البريطانية. وقد أنشئ الحساب في يناير 2012 ويبلغ عدد متابعيه نحو 66 ألف متابع. ويقوم هذا الحساب المرتبط بحساب على انستجرام ومدونة مفتوحة، بمشاركة صور لمخطوطات من العصور الوسطى لا يمكن للجمهور العام الوصول إليها بسهولة في أماكن حفظها في المكتبة البريطانية، مع شرحها والتعليق عليها.

إذا انتقلنا إلى شبكة فيسبوك فإن ما تقدمه للعاملين في مجال التراث الثقافي يتمثل في السماح لهم بالتواصل المستمر مع الجمهور، وتنفيذ حملات التوعية بهذا التراث. والنموذج البارز على ذلك هو، المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية المعروف اختصارا بـ «ايكروم»، ولهذا المركز مكتب إقليمي للشرق الأوسط في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة يعرف باسم ايكروم-آثار. ورغم أنه تأسس في عام 1995 وقبل فترة طويلة من ظهور وسائل الإعلام الاجتماعي كمنظمة غير حكومية وغير ربحية، فقد سارع مع ظهور هذه الوسائل إلى توظيفها لتحقيق رسالته المتمثلة في جمع ونشر المعلومات وتنسيق الجهود وتقديم الاستشارات والتدريب وتشجيع الوعي بقيمة الحفاظ علي التراث الثقافي. وبالإضافة إلى الموقع الإلكتروني المتعدد اللغات (الإنجليزية - الفرنسية- الإيطالية- العربية)، أنشأ المركز حسابات له على وسائل الإعلام الاجتماعي، على رأسها حساب على فيسبوك يتم توظيفه لتحقيق أهداف المركز في حماية التراث الثقافي في المنطقة العربية، وتوسيع نطاق الوصول إليه، وتقديره ومعرفة تاريخه. ويركز المركز في منشوراته علي الفيسبوك على التعريف بالتراث المعماري والأثري الملموس، بما في ذلك المجموعات التراثية، والأماكن التاريخية، والمواقع والصروح التاريخية، وتحسين قدرات المؤسسات التراثية الرسمية لإدارة المواقع التراثية ومجموعات المتاحف على أسس مستدامة. ويضاف إلى ما سبق استغلال الإمكانات الاعلانية الكبيرة التي تقدمها وسائل الإعلام الاجتماعي، خاصة في الإعلان عن افتتاح أو إعادة افتتاح المتاحف. وتبرز في ذلك شبكة اليوتيوب التي يمكن توظيفها في نشر إعلانات مصورة عن المناسبات والاحتفالات والتجمعات الخاصة بالتراث الثقافي والمتاحف، وإطلاق حملات التوعية وغيرها من الأنشطة. من المؤكد أن الحفاظ علي التراث الثقافي العماني يتطلب التوسع في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي لهذا الغرض، وهو ما ينبغي أن تهتم به المؤسسات المعنية بالتراث والثقافة لردم الفجوة بين هذا التراث وبين الجمهور، وذلك من خلال وضع استراتيجيات للتواجد علي هذه الوسائل تتضمن أهدافا قابلة للقياس.