أعمدة

نوافذ :رحلات الصيف.. وحكاية الفأر والحمامة

20 أبريل 2018
20 أبريل 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

من الحكايات الشعبية المتداولة؛ التي كان يحكيها كبار السن في جلسات السمر؛ تلك الحكاية القائمة بين الحمامة والفأر، وهي الحكاية التي تحمل دلالات رمزية واضحة تحفل بها الحياة في أي زمن كان، فحسب الرواية: أن الفأر يجتهد كثيرا في فصل الصيف، فلا يترك نخلة ولا سدرة إلا ويجمع من ثمارهما ما يستطيع جمعه؛ حتى إذا ما انتهى الصيف إلا ويكون الفأر قد ضمن قوت أيام الشتاء الحالكة، حيث تعود كل الكائنات إلى أوكارها، فالشتاء مرحلة تفتقر إلى توفر الأقوات لكثير من الكائنات وذلك بطبيعته الشتوية القارصة، بينما الحمامة - في المقابل - تقضي الصيف متنقلة من غصن شجرة إلى أخرى «مغردة» موزعة «هديلها» الشجي على امتداد الأفق مشعرة الجميع بالسرور والتفاؤل، غير مكترثة لجمع قوتها لفترة الشتاء، وإنما هي تعيش لحظتها الآنية «... تغدو خماصا، وتعود بطانا» كما جاء في النص، ويأتي الصدام في هذه الحكاية بين الفأر والحمامة في فصل الشتاء، حيث تذهب الحمامة طارقة باب الفأر ليعينها بشيء من الطعام، بعد أن تتقارص معدتها من أثر الجوع، حيث يمن عليها الفأر معاتبا كسلها وإهمالها في فصل الصيف، وعدم جديتها في جمع قوتها وقوت عيالها تحسبا لفصل الشتاء الصعب.

مقاربة الحكاية هنا مع واقعنا، هو أننا نجمع «تحويشتنا» المادية طول أشهر الشتاء، لنوزعها في أقل من شهر في فصل الصيف، وذلك لتنامي ثقافة جديدة لدى أبناء المجتمع، وهي ثقافة الرحلات الصيفية، والتي نغرد بها عادة خارج الوطن، فبعد أن كانت الرحلات «موضعية» أي في مساحة جغرافية الوطن فقط، أصبحت أفقية، حيث التفكير الآن خارج حدود الوطن، ولو كلفنا ذلك الكثير من المال، المهم أن نعيش فترة خارج حدود الوطن، أن نعتق أنفسنا من محلية نمطية نعيشها اثني عشر شهرا، إلا شهرا واحدا؛ واحيانا؛ اقل من شهر، في هذه الفترة الزمنية القصيرة ننفق الآلاف من الريالات، وهذا ليس مهما، المهم أن نقنع أنفسنا أننا عشنا تجربة سفر جديدة، شاهدنا جغرافيات مختلفة، مررنا بشواهد تاريخية غير مألوفة، لامسنا طبيعة ساحرة غير معتادة، اكتحلت أعيننا بمساحة زرقاء من بحر لم نألفه على امتداد الأفق، ركبنا وسائل نقل غير معتادة، ومارسنا أنشطة هي في حكم التجربة، وامتثلنا لأنظمة أوجدت فينا الدهشة، وطبعا لبسنا قطعا من الأقمشة غير معتادة، كل ذلك يحدث لفترة لا تتجاوز الأسابيع الثلاثة، وربما أقل عند البعض، حيث نقلنا أنفسنا من حالتنا الساكنة طوال الأشهر الماضية من السنة، إلى حالة فيها من النشاط، والمتعة، والنشوة والسرور إلى الحد الذي لا يوصف، إنها أحد إيحاءات السفر المعروفة.

المفارقة مع حكاية الفأر والحمامة، أن صيفهما طويل يستطيعان أن يجمعا ما يغنيهما ويعينهما على مؤونة الشتاء، بينما شتاؤنا قصير، حيث نعيش مأزق الحاجة في الصيف لهذه الرحلة او تلك، ولذلك هناك منا من يستدين، وهناك من يبيع أرض الحلم، وهناك من ينفق «تحويشة» العمر، لأن في السفر حلم البقاء والمتعة والسرور، والذهاب بعيدا حيث ترفرف الأحلام ممتطية أفقا غير منته.

لذلك تتنامى اليوم أكثر من أي وقت مضى مكاتب السفر والسياحة، واضعة أمام هذا السائح أو ذاك خيارات كثيرة، سواء للوسيلة، أو للجهة، أو للتفاصيل الكثيرة في مفردات السفر، وعلى السائح أن يختار وسيلته، ووجهته، وهذه التفاصيل المعروضة في إعلانات السفر والسياحة، وعلى هذا السائح أن لا تستوقفه المسألة المادية كثيرا، فهناك تسهيلات عديدة تضعها هذه المكاتب اليوم، سواء عن طريق البنوك التي تتعامل معها، أو شركات التمويل الأخرى العاملة في ذات الاتجاه.

تبقى المحنة أكثر، عندما نعود من سفرنا هذا ويكون حالنا كحال الحمامة عندما تظل مستجدية على باب الفأر لتحصل على قوت يومها فقط.