fatima
fatima
أعمدة

مركز الأورام السرطانية والحاجة إلى الانتماء

07 أبريل 2018
07 أبريل 2018

د. فاطمة بنت أنور اللواتي -

[email protected] -

الحاجة إلى الانتماء هي غريزة فطرية في الإنسان. وهذه الغريزة الفطرية تحتاج إلى بيئة تحتضنها وتغمرها بعطف وحنان. وحينما تكون تلك الغريزة غير مشبعة خصوصا عند إنسان يعيش معاناة مرض من الأمراض المستعصية في علاجها، فنحن نضيف إلى معاناته معاناة أخرى، ونلهب بتصرفاتنا اللامسؤولة تلك المراكز الحساسة في وجدانه ومن ثم نجرح مشاعره عبر رفضنا اعتباره جزءا منا.

حينما يُبتلى طفل بأحد الأمراض الخبيثة فإنه يعيش الآلام الجسمية والنفسية التي تنغص عليه حياته. فهو يعاني الوحدة بسبب المرض الذي يمنعه من ملاقاة أحبابه وأهله وإخوته ويحول دون لعبه مع أقرانه إلا في أوقات محددة وفقا لحالته المرضية. إنه ينتقل فجأة من حياة زاخرة ببراءة الطفولة إلى حياة تضج بألم الوحدة والألم. لنتخيل حياة ذلك الطفل وتلك الطفلة اللذين كانا بالأمس يلهوان ويلعبان، فإذا بهما يقبعان بين جدران المستشفى لتلقي العلاجات الكيمياوية وغيرها. فبالرغم من أنه يُسمح لهؤلاء الأطفال بتفاعل اجتماعي محدود وعلى فترات متقطعة لكنهم يواجهون معاناة أخرى تتمثل في جهل من حولهم من أفراد المجتمع. يعيش الطفل المصاب بالأورام السرطانية في بعض المدارس وهم يجهلون لحالته قد يصل الى نبذ صديق له. المجتمع والمدرسة لا بد ان يدركا أن الأورام السرطانية أمراض غير معدية. إن جهل هذا المرض قد يسري تأثيره بالتالي على الطلبة والذين - بشكل تلقائي- يعكسون ذلك على تعاملاتهم مع الأطفال المرضى. هذا يضاف إلى أن الطالب في الأساس يعكس ردة فعله من التغير الذي يجد عليه زميله الذي كان رأسه في الأمس القريب يتزين بشعر جميل و وجهه مفعم بالبشاشة والمرح، فإذا به تحول إلى طفل آخر من غير شعر على رأسه و بوجه شاحب، فينفر منه ويبعد كرسيه عن كرسي زميله المريض خاصة إن لم يجد التوجيه السليم من إدارة المدرسة لمد الجسور بينهما. و يا ليت الآثار النفسية التي تتركها تلك التصرفات على الطفل المريض تنحصر في مشاعره إلا أنها (مع الأسف) تتعدى الأثر النفسي البسيط إلى انعكاس سلبي على علاج الطفل من جهة وتقدمه الدراسي وشعوره بالانتماء إلى المجتمع من جهة اخرى.

إن من حق الطفل أن يشعر بالانتماء والمحبة في مدرسته ومجتمعه. ويجب تشييد الجسور بين الأطفال سواء مع من يعانون من أمراض مزمنة أو من أصيبوا بعاهات أو غيرهما ولا بد أن تقدم لطلابها دروسا توعوية حول تقبل الآخر. ففي حصص معينة كحصص الأنشطة أو في فعاليات شهرية يجب أن تقدم للطفل المفاهيم التي تساعده على احتضان وحب الآخر. إننا نعيش في مجتمعات متنوعة وهذا التنوع يزداد يوما بعد يوم، فلا بد لواضعي المناهج المدرسية أن يدركوا وتدرك كيفية التعامل معه فتضمّن المناهج ما تشيّد به جسورا من المحبة والاحتضان.

إن بعض المضاعفات الناتجة من المرض المستعصي ينبغي ألا يُنفر اي فرد وخاصة المعلم والطلاب من الطفل المبتلى بها، وإنما يجب أن يتم احتضان ذلك الطفل المُبتلى بسببها، لا عطفا أو شفقة ، بل حبا وانطلاقا من حقه في أن يعيش مع الآخرين بوئام ومحبة. فنحن نريد للطفل أن يكون طفلا كبقية الأطفال .