أفكار وآراء

خطوة الصين تسعير النفط بعملتها الوطنية – اليوان

07 أبريل 2018
07 أبريل 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

لم تنتظر الصين كثيرا على مقترحها المتعلق بربط عقود النفط الآجلة وتسعيرها بعملتها الوطنية (اليوان) الذي تم طرحه قبل عدة سنوات مضت، فقررت مؤخرا بالإعلان عن اتخاذها هذه الخطوة، في وقت تمر فيه العلاقات التجارية بين الصين وأمريكا بأسوأ فترة حرجة نتيجة للقرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى أمريكا بمقدار 60 مليار دولار، الأمر الذي حدا بالصين أن تتخذ خطوات مماثلة بفرض رسوم جمركية على العديد من المنتجات الأمريكية لتبدأ الحرب التجارية بين البلدين. أما الخطوة الأخيرة باتخاذ قرارها بربط عقود النفط الآجلة مقومة بعملتها المحلية (اليوان)، فإن ذلك يمثل تحولا كبيرا في أسواق الطاقة حول العالم، وغير مستبعد بأن يلقى تجاوبا من بعض الدول التي تصدّر النفط إلى الصين والالتزام بهذا القرار.

كما أن هذه الخطوة تسعى لاستثمار اعتماد “اليوان” كعملة عالمية بجانب الدولار والين الياباني والجنيه الاسترليني واليورو من قبل صندوق النقد الدولي، حيث سعت الصين منذ مدة طويلة بجعل “اليوان” عملة دولية يمكن من خلالها إجراء التبادلات التجارية، وتسهيل التجارة البينية مع دول العالم اعتمادا على توفير منصات مباشرة تربط بين “اليوان” وعملة الدولة التي يتم التداول معها بشكل مباشر من دون وجود عملة وسيطة كالدولار. وسعيا منها لرفع قيمة “اليوان” والحفاظ على استقراره كعملة دولية، ترفع الصين بين فترة وأخرى احتياطياتها من الذهب ليضعها اليوم في المركز الثاني عالميا من حيث حجم احتياطيات الذهب بعد الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن إصدار العقود النفطية المستقبلية المقومة “باليوان” والقابلة للتحويل إلى الذهب سوف يجعلها أكثر جاذبية.

ووفق خبراء النفط فإن هذه الخطوة التي تتعلق بتسعير أسعار النفط بالعملة الوطنية الصينية، وبالإطلاق، قد تعزز أيضا من مساعي بكين للقيام بدور أكبر في الاقتصاد الدولي، خاصة وأن تجارة الصين مع العالم الخارجي تتضاعف كل عام، فيما ستحجم الخطوة الأخيرة من سيطرة الدولار على صعيد التجارة العالمية، ويساعد على تقويم اختلالات أسواق الطاقة. وتعود فكرة إصدار الصين لعقود متداولة “باليوان” إلى عام 2012، عندما تجاوز سعر النفط الخام 100 دولار للبرميل، وأنها قامت بإجراء 5 اختبارات للنظام في العام الماضي، وتم اكتشاف وجود خلل بسيط بمنصة التداول تم التعهد بمعالجته.

ويرى الصينيون أن هذه الخطوة التي أصدرتها الحكومة الصينية وبشكل رسمي بتسعير عقودها النفطية المستقبلية مقومة بعملتهم المحلية “اليوان” يمثل خطوة طال انتظارها، كما يمثل تحديا للنفط الذي يتم تسعيره بالدولار الأمريكي، في حين سجلت العقود الآجلة المتداولة ببورصة شانغهاي الدولية للطاقة ازديادا مستمرا في حجم التداول، إلى أكثر من 278 ألف صفقة بقيمة 115.92 مليار يوان (18.24 مليار دولار)، خلال الأسبوع الأول من إطلاقها مؤخرا. كما سجلت 23 وكالة خارجية أسماءها من أجل توفير خدمات الوساطة للمستثمرين الخارجيين في بورصة شنغهاي. وقال “ليو شيو” رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، إن الهيئة لديها الثقة والقدرة على بناء سوق عقود نفط مستقبلية آمنة، مشيرا إلى أنه سيلعب دورا هاما في اقتصاد بلاده. وكما معروف فإن النفط يعتبر الأكثر تداولا بين السلع الأولية في العالم، بحجم تجارة يقدر بنحو 14 تريليون دولار سنويا، وأن 99% منها يتم تداولها بالدولار، وأن القرار الصيني والبعد الاستراتيجي له يتمثل في موضوع النفط الذي تعتمد عليه في التنمية الاقتصادية والصناعية. فمن المعروف إن الصين تعتبر من أكبر مستوردي النفط في العالم بنحو 8.8 مليون برميل يوميا، متخطية بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تبلغ وارداتها النفطية نحو 7.5 مليون برميل يوميا. كما تسعى الصين باعتبارها أكبر مستورد للنفط الخام في العالم إلى توسيع نفوذها على أسعار الخام الأسود التي تباع في آسيا، وإلى جعل عملتها لاعبا أكبر على الساحة العالمية، لمد نفوذها في الاقتصاد العالمي. وباعتبار أن النفط يمثل عصب الاقتصاد ونمو الاقتصاد الصيني، فإن الخطوة الصينية تمثل خطوة استراتيجية لتأمين إمدادات النفط على المدى البعيد، وكذلك بناء احتياطيات نفطية استراتيجية وفقا لأسعار النفط الراهنة مقومة بعملتها المحلية وليس الدولار، حيث تستغل الفرصة التي يتيحها التراجع الحالي في أسعار النفط. كما أن الصين في الوقت الراهن تعمل على بناء المزيد من المنشآت لتخزين المزيد من النفط الخام الذي تستورده.

ويرى الخبير الاقتصادي عدنان الدليمي أن الصين أجرت محاولات عديدة في السابق لإطلاق عقد نفط آجل مقوم “باليوان” خلال السنوات الماضية، إلا أنها فشلت بسبب تخوف المستثمرين من هذه العملة، ونجحت هذه المرة في تحويل جزء من تجارة النفط العالمية إلى هذه العملة، موضحا أن البورصة ستجذب منتجي النفط الذين يفضلون عدم التعامل بالعملة الأمريكية، مع وجود آلية للحصول على الذهب مقابل المبيعات. كما أن هذه الخطوة سوف تساهم في إيجاد مؤشر آسيوي لأسعار النفط المستقبلية، وسيضعف آليات الحظر الأمريكي التي تعتمد على الدولار. أما تقرير مجلة “فورين بوليسي” فقد أشار أنه إذا نجحت هذه العقود الجديدة في جذب شركات النفط العالمية والتجار، فإن ذلك سيمنح بكين فرصة كي تخترق عملتها “اليوان” الأسواق المالية، وفي هذه الحالة فإنها ستكون قد قطعت شوطا طويلا نحو تقويم سوق الطاقة.

إن الخطوة الصينية الأخيرة تعد بمثابة تهديد حقيقي لأمريكا التي هيمنت بعملتها لسنوات على سعر النفط الخام، حيث إن كافة التصريحات السابقة بإصدار نفط مقوم بعملة غير الدولار كانت نهايتها الفشل. ففي عام 2015 أعلنت روسيا أكبر منتج نفطي أنها ترغب في تنفيذ جميع عمليات شراء الخام مع الصين باستخدام “اليوان”، الأمر الذي لا يستبعد صدور قرار روسي في هذا الشأن خلال الفترة المقبلة. كما أن للخطوة الصينية في حال نجاحها تأثيرا على إيجاد مؤشر آسيوي لأسعار النفط المستقبلية، حيث سيتم بموجبه السماح لمصدري النفط بتجاوز المعايير التي تفرضها المؤشرات المقومة بالدولار الأمريكي عن طريق التداول “باليوان”، خاصة وأن عقود النفط الصينية سوف تكون متاحة أمام صناديق الاستثمار الأجنبي وبيوت التجارة وشركات النفط، وسوف تكون مدرجة على بورصة شنغهاي الدولية للطاقة، فيما بدأت البورصة الصينية في تدريب المستخدمين المحتملين للقيام بهذه الخطوة. وعموما فإن الخبراء المتابعين لهذا الشأن يستبعدون ظهور آثار اقتصادية للتحركات الصينية بالوقت الراهن، مؤكدين أنه من السابق لأوانه تقييم التجربة، لأنها تتطلب مزيدا من الوقت للحكم عليها. فدخول الصين في العقود الآجلة بعملتها الوطنية القابلة للتحويل إلى الذهب لن يكون له التأثير على النفط المباع بالدولار بشكل كبير. كما يستبعد بعض الخبراء أن يكون هناك تأثير كبير على الدول الخليجية النفطية التي تبيع نفطها بالدولار، وربما ستكون إيران هي الدولة الوحيدة بالمنطقة التي ستشارك الصين بهذا الأمر. كما أنه من السابق لأوانه تقييم التجربة الصينية والحكم عليها، فيما يرى الآخرون منهم أن الخطوة الصينية تمثل تنوعا هاما وتنافسيا لاحتكار الدولار المعاملات النفطية، ومؤشرا ثالثا لأسعار النفط بجانب مؤشري “نايمكس” و”برنت”. فأسواق النفط العالمية كبيرة للغاية واستراتيجية للعالم الصناعي، ومن الصعب أن يتم التحكم فيها من قبل دولة واحدة. وإن هذه الخطوة ستكون بمثابة تحويل الثروات من الذهب الأسود إلى الذهب الأصفر باعتبار أنها خطوة استراتيجية للتبادل النفطي بالذهب، بدلاً من الدولارات الأمريكية، وسيكون سعر النفط في الصين هو نفس السعر بالدولار مقيماً “باليوان”، وفي حالة وجود أي فروق سعرية سواء في العملات أو أسعار النفط فإن التجار سيستفيدون منها لتحقيق أرباح إضافية.