tunais
tunais
أعمدة

«ليلام» انستجرام !

03 أبريل 2018
03 أبريل 2018

تونس المحروقية -

@hlaa202020 -

في التسعينات من القرن الماضي وبداية الألفية الحالية عندما كانت الأسواق قليلة مقارنة بأسواق اليوم، وكانت احتياجات النساء بسيطة جدا ظهرت ظاهرة تجارية في بعض المناطق تدعى “الليلام” التي لا يعرف أغلبنا لأي لغة تعود تسميتها، لكن فكرتها تتلخص في تجوال بائع آسيوي لديه بضائع من الملابس النسائية والرجالية وملابس الأطفال وبعض أساسيات مواد التجميل وغيرها التي إن قورنت بمستوى وتنوع بضائع اليوم لاعتبرت بدائية جدا.

يضع البائع هذه المنتجات في “شرشف” ويربطه جيدا ثم يلف المنازل لبيع هذه البضائع، ولا تعرف فعليا من أين وصلته هذه البضائع ولا تهتم بمعرفة تفاصيل ذلك.

هـذا البائع كان عادة ما يردد بصوت عال وهو يمر بتلك المنازل “ليلام ليلام” فتسمعه النساء والأطفال فيخرجون فرحين للاطلاع على “شرشفه” وما يحويه من مفاجآت في هذه المرة، فهو لا توقيت محدد لمجيئه فقد يأتي أسبوعيا أو شهريا بحسب قدرته على الحصول على تلك البضائع المتواضعة الجودة والرخيصة الثمن، وقد يكون هذا سببا أيضا للسعادة التي ترافق مجيئه وتجمع الجارات وتزاحمهن على بضاعته.

اندثرت هذه الظاهرة في كثير من المناطق منذ سنوات، وظهر بدلا منها بمواصفات عصرية “تاجرات انستجرام” اللاتي يقمن بذات الدور مع اختلاف أدوات العصر، إذ تطالعك حساباتهن ببضائع متنوعة من الأقمشة والملابس الجاهزة والأحذية والحقائب والعطور ومواد التجميل من الماركات المقلدة، وقد تكون الأصلية أحيانا بحسب تأكيدهن رغم عدم وجود ما يؤكد ذلك غير قسمهن، في ظل عدم شعورهن بالحاجة للحصول على ترخيص ممارسة العمل التجاري كما كان الوضع مع تاجر “الليلام” الذي يتاجر ببضاعته دون ترخيص ولا يكترث أحد لذلك بل يواصلون الشراء بتزاحم!

في “ليلام انستجرام” لن يتسنَى لك أن تلمس البضائع كما كان يحدث مع أمهاتنا في جدالهن الطويل مع التاجر الآسيوي لمحاولة تخفيض قيمة المنتج بإخباره أن نوعية القماش رديئة، فكل ما لديك في “ليلام انستجرام” صورة يتم التقاطها بعناية لتظهر المنتج في أجمل هيئة ممكنة، وخلفيات جميلة جدا تجعلك تقع في غرام المنتج الذي لا تعرف مدى جودته.

سيدفعك الفضول لتسأل كثيرا للتعرف على ما وراء تلك الصورة من جودة لتتفاجأ بأن البائعة قد تضيق بالأسئلة وتخبرك أنه يتوجب عليها الرد على الكثير من الزبائن وأن ما عليك فعله هو أن تقرر ما إذا كنت ترغب في المنتج أم لا من خلال رؤيتك للصورة فقط ثم تتواصل معها لتحجز طلبك، لا أن تسألها عن “حواء وعروقها” ثم لا تشتري منها شيئا فتضيع جهودها هدرا مع أن تاجر “الليلام” التقليدي كان لا يضيق بالأسئلة الكثيرة رغم أن منتجه تراه بعينك المجردة وتلمسه بيدك !

تأتي مرحلة الاتفاق على الرغبة في شراء منتج معين من تلك التاجرات فيبعثن لك أرقام حساباتهن البنكية ويطلبن منك أن تحول لهن المبلغ كاملًا ليتمكن من حجز المنتج لك، فتسألهن ببراءة: ومن يضمن حقي لو اختفت حساباتكن فجأة من انستجرام في ظل أنه لا سجل تجاري لديكن ولا مقر عمل واضح لدي؟ يقلن لك: نحن أمينات ولدينا زبائن بكثرة، ولم يشتكِ منا أحد يوما، ويتوقعن أن تتأثر بكلامهن ثم تحول لهن المبلغ مباشرة، وعندما يجدن أسئلتك تزداد عن فكرة الضامن لحقوقك لو هربن بمبالغك ولم يسلمنك شيئًا، يجبن بحدة: “أنا هذه طريقتي، لو تريد المنتج تدفع المبلغ كاملا” تتوكل على الله وتقرر الخضوع لطريقتهن في الشراء وتصل معهن إلى مرحلة الاستلام فتتفاجأ بشكل المنتج النهائي الذي كان يبدو أكبر في الصورة أو درجة لونه أفتح أو أغمق، فتلمسه لتشعر أن خامته رديئة الصنع أو أنها من نوعية لم تتوقعها فتحاول أن ترجعه فتخبرك أنه لا يمكنك إرجاعه لأن المتجر الإلكتروني الخاص بها ليس لديه سياسة الإرجاع!

ربما هذه النماذج لا تمثل ما نسبته 100% من التاجرات كما يحلو للزبائن تسميتهن لكنهن موجودات ويسيئن لتجربة التسوق عبر هذه المنصات التي يفترض منها أن تستفيد من التقنية بشكل يضمن استمرارية تدفق البيع والشراء عبرها وليس التعامل لمرة واحدة ثم التوقف نهائياَ عن ذلك.

التقنية فتحت فرصًا لكثير من النساء للعمل من منازلهن وهذا شيء جيد لكن تبقى تجارة العمل من المنزل عبر العديد من حسابات انستجرام غير خاضعة للضمانات ولا مرخصة رغم وجود ترخيص تمنحه وزارة التجارة والصناعة للعمل من المنزل، لكن عددًا كبيرًا منهن لا يلجأ للحصول عليه لذلك تجد نفسك في كل مرة تفكر في أن تشتري من هذه الحسابات تمعن النظر في الصورة متمنيا لو الله قد رزقك عينان زرقاء اليمامة لترى الصور واضحة على حقيقتها لا كما تزينها خلفيات “ليلام” انستجرام !!.