1290624
1290624
إشراقات

السيفي: قطع الأرحام مفسدة عظيمة تؤدي إلى خراب المجتمعات وتدمير الأسر

29 مارس 2018
29 مارس 2018

بناء الأسرة يتطلب العلم بكيفية التعامل والتوافق بين الزوجين -

ضرورة الاهتمام بالأسرة ودراسة العوامل التي تؤدي إلى نجاحها -

حاوره: سالم بن حمدان الحسيني -

تعد الأسرة الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأمم، وعليها يعتمد نجاحها وفشلها، وبها تحيا ويسطر التاريخ مجدها وعزها، وتزدهر الحضارات وتنمو.. وبضعفها تهزم الجموع وتهلك الحضارات ويطوى مجدها، ولأجل هذا كله كانت الأسرة عماد المجتمع وركيزته، ومن هنا انطلق الاهتمام بالأسرة وبتكوينها ودراسة الأسس والعوامل التي تؤدي الى نجاحها، فما تعريف الأسرة؟ وما هي العوامل التي تؤدي إلى نجاحها. فبناء الأسرة ليس بالأمر الهيّن، بل يتطلب الأمر العلم بكيفية التعامل والتوافق بين الزوجين..

حول موضوع تكوين الأسرة السعيدة، بدءا من التوافق الصحيح بين الزوجين وانتهاء بتكوين أبناء صالحين لوالديهم ومجتمعهم ووطنهم يحدثنا الشيخ منذر بن عبدالله السيفي الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فيقول:

إن الله سبحانه وتعالى جعل من سنة الأنبياء الزواج وهو مودة بين الرجل والمرأة يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).. ولا يمكن أن تستقر الأسر إلا بتطبيق أوامر النبي صلى الله عليه وسلم لاختيار الزوجة الصالحة، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) وليس في الحديث أمر أو ترغيب في نكاح المرأة لأجل جمالها أو حسبها أو مالها. وإنما المعنى: أن هذه مقاصد الناس في الزواج، فمنهم من يبحث عن ذات الجمال، ومنهم من يطلب الحسب، ومنهم من يرغب في المال، ومنهم من يتزوج المرأة لدينها، وهو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك). فحينما ذكر النبي صلى الله عليه هذه الصفات لأن غالب توجهات المتزوجين إليها، فهناك من يتزوج المرأة لحسبها ونسبها ومنهم من يتزوجها لدينها، ومنهم من يتزوجها لجمالها، لذا ركز الرسول صلى عليه على هذه التوجهات، وقد وضع الإسلام الضوابط والإرشادات التي تكفل لإقامة أسرة قوية متماسكة لأنه في بعض الأحيان يحدث ما يكدر صفو هذه الأسرة وهذه سنة الله تعالى في خلقه، فقد تحدث بعض الإشكالات بين الزوجين ووضع الإسلام بعض الضوابط الشرعية لحل مثل هذه الإشكالات منها: الضرب الخفيف الذي لا يؤدي إلى أضرار المرأة والنصح بالتي هي احسن واللطف فيه، فما دخل الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، وان لم تستجب المرأة لهذه الأمور لجأ الزوج الى الهجر في الفراش، وان لم تستجب فليدخل حكما من أهله وحكما من أهلها، ولا بد لهذه الحكم أن يكون أمينا ناصحا رشيدا من كلا الطرفين حتى تحل القضايا بالتي هي احسن.

وأضاف: وهنالك أسباب كثيرة قد يحدث التخلخل في الأسرة ومنها في بعض الأحيان عدم التكافؤ في الثقافة فلعل ثقافة المرأة أعلى من ثقافة الرجل وهنا اقصد المستوى الدراسي ففي أحيان يكون مستوى المرأة من مستوى الرجل وهذا يسبب عدم توازن في فهم كل واحد للآخر، وأحيانا المستوى المالي ففي الغالب مستوى المرأة أعلى من المستوى المالي للرجل، بناء على الدراسة إذ أن مستوى الفتاة أعلى من مستوى الرجل علميا، واحيانا يحدث الخلاف نتيجة الأولاد وأحيانا تحدث بعض الخلافات قبل الانتقال الى عش الزوجية، بناء على أن أهل الفتاة يطالبون بإكمال دراستها خصوصا إذا كانت في المستوى الجامعي وهذا يجعل من الرجل لا يصبر، فهو بحاجة الى أن يكمل مشوار زواجه واحيانا يكون الإشكال مع الأولاد وتربيتهم فالأب له رؤية معينة في التربية والأم لها رؤية أخرى، وفي الغالب نجد أن الأب يدلل الولد والأم تدلل البنت، وهنا يحدث عدم توافق في التربية مما يسبب المشاكل بين الزوجين، والأصل أن يتحمل كل من الزوجين الآخر، كما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.. (إذا كرهت منها خلقا رضيت منها خلقا آخر)، أما إذا اعتمد الزوج على غضبه وعدم تحمله لأخطاء زوجته فلن يشكل أسرة متماسكة مترابطة وكذلك المرأة ان اعتمدت على عاطفتها قصّرت في حقوق زوجها، وتسبب ذلك في الطلاق.

وأشار إلى أن الطلاق في الشريعة أصله الجواز ولكن غير محبب، لما تترتب عليه من مفاسد مستقبلية فلعله يطلقها وهي شابة صغيرة فلا تجد زوجا آخر يقوم بشؤونها بخلاف الرجل يجد فتاة أخرى سريعا، ويتشتت الأولاد إن وجدوا ولربما يسلكوا مسالك الانحراف إن لم يكونوا مستقرين مع أمهم أو أبيهم، فتصل بينهم العداوة والبغضاء وهذا يتكلم على مطلقته بما يسوءها وهي تتكلم على مطلقها بما يؤدي الى الأضرار به وكلا الأمرين في الشريعة لا يجوز، فضيق الصدر في هذه القضية يعود الى عدم معرفة أحكام الأسرة وما يترتب عليها، والأصل أن يدرك الزوج انه تزوج على حكم كتاب الله المنزل وسنة رسوله المرسل، وعلى حسن العشرة عندها وجميل الصحبة لها، وأداء الواجب واللازم لها، فإما إن يمسك بمعروف أو يسرّح بمعروف، كما قال الله تبارك وتعالى في محكم آياته: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).. وليعلم الإنسان أن الحياة لا تخلو من منغصات بين الزوجين أو غيرهم، ولا يعني هذا أن يكثر الطلاق ويستبد الرجل بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من أحكام حيث إن الطلاق بيده، والولاية بيده، فيستغلها في غير الوجه المشروع أو يتسلط على الزوجة. وعليه أن يوسع صدره للمرأة وألا يتحامل عليها من ابسط الأمور فمعروف في غالب الأحيان أن المرأة سريعة الانفعال وسريعة الغضب ولا تلام على ذلك نتيجة تحملها لأعباء البيت وتربية الأولاد والاهتمام بهم وفي أحيان كثيرة تكون عاملة وتشعر بالضغط الشديد حيال هذه الأمور وكيف توفق بينها.

وأكد السيفي أن كثيرا من قضايا الطلاق التي تحدث ما كان ينبغي أن تكون فهناك من يطلق زوجته بأن يلفظ عليها كلمة الطلاق اكثر من عشر مرات ثم يأتي الى أهل العلم ويقول: على أنني أقصد التأكيد على الطلاق وليس التأسيس، ولربما في قرارة نفسه يقصد الطلاق بالثلاث، واحيانا يقسم بالله العظيم انه سيطلق زوجته بالثلاث وهذا لا يجوز ومخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يهدد زوجته انه اذا خرجت للسلام على أختها أو عمتها أو خالتها أو والدها أو أمها طلقها بالثلاث.. فما ذنب هذه المرأة حتى تمنع من زيارة أقرب أرحامها.. فلا يجوز للرجل أن يحرم زوجته من زيارة أهلها لأن ذلك من قطع الأرحام التي نهى عنها الشارع في كتابه العزيز.. (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، فقطع الأرحام إذا كما في كتاب الله عز وجل من المفاسد العظيمة التي تؤدي الى خراب المجتمعات وتدمير الأسر.

وبيّن قائلا: لابد من أن يحافظ الرجل على الميثاق الشديد والعهد المتين الذي بينه وبين الله عز وجل، ومع الأسف يقف بعض الرجال الى سوء فهم الزواج وانه بزواجه انتقل من مرحلة الى مرحلة وأصبح آمرا وناهيا، فلا يجوز أن يدخل ما يشوب هذه العلاقة بين الزوجين بأي وجه من الوجوه فلا يصح له أن يعمل أي عمل يخلّ بالحياة الزوجية كأن يتعلق بفتاة من غير زوجته ويبادلها المشاعر التي يبادل زوجته بها، فهذه خيانة وتدمير للعلاقة الزوجية وتؤدي الى الانحراف والعياذ بالله، والله سبحانه وتعالى جعل القوامة للرجل من اجل أن يؤدي حقها ويحافظ على كيان الأسرة من أي تصدع قد يؤدي الى الانفلات وتشتت الأبناء بعد ذلك.

وأوضح القول إن كانت هنالك أخطاء عند الرجل كذلك توجد أخطاء عند المرأة فأحيانا يطلب الرجل حاجة من زوجته إلا أنها تهمل ذلك فيؤدي الى غضب الرجل وأحيانا قد يرى الرجل أن هنالك من النساء من تتجمل اكثر من زوجته فيشاهدها عند الخروج مثلا الى السوق أو أهلها قد تزينت وتعطرت وهو يتساءل لمن كل هذه الزينة؟! أهي لغيري فيشكك الرجل في زوجته، ولربما ترفع صوتها عليها إن انكر عليها ذلك فتظهر مفاتنها أمام الرجال الأجانب واذا نصحها زوجها أبت أن تأخذ بنصيحته وتوجيهاته، فيسلط الأجانب النظر إليها، مما يتضايق الرجل من تلك النظرات المسمومة وكأن الزوجة لا يعنيها ذلك، وأحيانا ترفع صوتها على زوجها لأي حاجة قد يمنعها منها، نظرا لمصلحتها، وبعض النساء لا يسألن عن أزواجهن بسبب اشتغالهن بالمراسلات الهاتفية أو المواقع الإلكترونية فكم وجدنا من نساء متزوجات وكذلك رجال متزوجين ومع ذلك يتواصلون في المواقع الإلكترونية مع نساء أجنبيات وكذلك في المقابل مع رجال أجانب، فيرى الزوج تلك المراسلات والجرأة فيها من قبل زوجته لرجل أجنبي وتنزل الصور بمختلف أشكالها وألوانها ولربما تكون غير ساترة عبر هذه المواقع الإلكترونية فيشتعل قلب الرجل غيرة على زوجته فيوجه لها النصيحة فحينها اذا لم تستجب طلقها، وماذا استفادت من ذلك؟!.

وأضاف: ومن الوقائع العجيبة الغريبة التي تردنا أن رجلا طلق زوجته بسبب تشجيعها لفريق رياضي، وهو يشجع الفريق الند لذلك الفريق، الذي تشجعه زوجته، فأوغرت قلبه فطلقها، وامرأة طلبت الطلاق من زوجها لأنه لا يجيد التعامل معها كما يفعل الممثلون في بعض المسلسلات الهابطة التي تشاهدها، وأخرى لم يعجبها اسم من تقدم إليها فطلبت منه أن يغير اسمه فأبى، وآخر طلق زوجته بعد أن علّق الطلاق بقوله: إذا خرجت الى فناء البيت فأنت طالق بالثلاث فماذا عسى أن تفعل هذه المرأة ومن أين ستخرج؟، وآخر رزق بمجموعة من البنات فحملت زوجته فقال لها: إذا أتيت بمولودة اطلقك، متنافيا مع قول النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: «من رزقه الله هذه البنات فأحسن تربيتهن كن له حجابا من النار».

واختتم السيفي حديث بنصيحة موجهة إلى الأزواج قائلا: نصيحتي لكل من أراد الزواج إن يعطي الزواج حقه، وان يكون مستعدا له لأن بناء الأسرة ليس بالأمر الهين وإنما هو أمر عسير، حيث إن تكوين الأسرة يتطلب الى التوازن والتوافق والعلم بكيفية التعامل مع الزوجة وتحملها والصبر عليها، وكما أن الرجل لا يحب أن تضايقه زوجته كذلك الزوجة لا تحب أن يضايقها زوجها، فهي حينما خرجت من بيت العائلة إنما خرجت من اجل أن تستقل بذاتها وان تكون ملكة في بيتها وليس أن تتلقى الأوامر وتستعبد وتحمل ما لا تطبيقه، والرجل معني ان يفهم زوجته وما يكدر خاطرها كما أن المرأة مطالبة أن تفهم زوجها وما يريده وما لا يريده حتى تستقر بينهما المودة، وتسود السعادة في البيت وفي المستقبل يخرج من صلبهما أولاد نافعون صالحون، لوطنهم ومجتمعهم وأمتهم، وعلى أهل الزوجة أن يتخيروا لكريمتهم رجلا يخشى الله ويخافه ويعطي حقوق زوجته ولا ينقصها من ذلك شيئا فالزوج الصالح له اثر في سعادة زوجته، ونفعها وعدم الإضرار بها. فكم من امرأة هربت من بيت الزوجية بسبب انحراف زوجها وتعاطي المسكرات فأصبحت حياتها جحيما بعدما كانت تتمنى أن تكون حياتها حياة خير وإيمان، فلا يغتر ولي الأمر بالمال ولا الحسب ولا النسب، وإنما عليه أن يفتح المجال لكريمته للزواج ممن تراه مناسبا وصالحا لها وينصحها إن رأى أن ذلك المتقدم لخطبتها لا يصلح لها في دينها ودنياها وآخرتها.