إشراقات

الصبر

22 مارس 2018
22 مارس 2018

القاهرة: أماني أحمد -

قال عز وجل: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). والصبر هو أن يتقبل المسلم بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد، ولا يجزع، يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). وقد وصف الله تعالى الأنبياء بالصبر فقال تعالى: (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين. وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين). وقال الله تعالى: (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل).

وللصبر فضل كبير وثواب عظيم وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر» متفق عليه. وللصبر أنواع، منها: الصبر على الطاعة ومنها الصبر على المعصية، ومنها الصبر على المصائب.

تقول ماجدة قاسم في كتاب «قصص الأخلاق للأطفال والناشئين»: يعد الأنبياء أشد الناس صبرا، وهم الأسوة للناس في الصبر على الابتلاء، ولذلك قال تعالى عن نبيه أيوب: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب). فقد كان أيوب عليه السلام رجلا كثير المال والأهل، فابتلاه الله بالمرض والفقر وفقد أولاده، ولم يبق له في الدنيا إلا زوجته الوفية. ومع كل ذلك ظل أيوب عليه السلام صابرا، وظل لسانه ذاكرا، وقلبه شاكرا، حتى جاء الفرج من الله، حيث أمره الله أن يضرب الأرض برجله، ففعل، فأخرج الله له عين ماء، وأمره أن يغتسل ويشرب منها، ففعل، فأذهب الله عنه المرض، وأعطاه مالا كثيرا، وأولادا جزاء له على صبره.

ضرب النبي-صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الصبر، وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، فها هو عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يتحدث عن صبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحمله للأذى، فيقول: لقد كنت أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ضربه قومه فأدموه (أصابوه وجرحوه)، وهو يمسح الدم عن وجهه، ومع ذلك يدعو لقومه ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».

والمسلم يصبر على ما يصيبه في ماله أو نفسه أو أهله. ولذا كان لأحد الملوك ولد يحبه، وفي صباح أحد الأيام دخل الملك ليوقظ ولده، فوجده قد مات فحزن عليه، ولما عرف الوزير وفاة ولد الملك، وما هو فيه من الحزن، فكر كيف يخرجه من محنته، فدخل على الملك في مجلسه، وقال للملك: لم أحضر مجلي الملك لأعزيه، ولكن لأتعلم منه حسن الصبر، فذهب الحزن عن الملك، وقال: اضطرني والله إلى الصبر.

وكذلك على المسلم الصبر على عسر الحياة وضيقها، ولا يشكو حاله إلا لربه، ولذا غضب أحد الملوك على وزيره فأمر أن يسجن، وظل الوزير في السجن شهورا فلم تسمع له شكوى، فتعجب الملك فأرسل إليه بعض أصدقائه ليزوروه، وليسألوه عن حاله، فلما دخل عليه أصدقاؤه وسألوه عن حاله، فقال: إني صنعت دواء للصبر مكونا من الثقة بالله عز وجل، والصبر، وحمد لله، وانتظار الفرج ساعة بعد ساعة.

بين الله تعالى فضل الصبر فقال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). ولذلك أرسلت بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- تخبره أن ابنها يشرف على الموت، فأرسل إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- من يقول لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب. وبعد أن قالت هذا الدعاء طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي إليها، فذهب إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعزيها ويقف بجوارها. فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغلام بكى وقال لأصحابه: هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده. أي لا يتنافى الصبر مع البكاء.

الله تعالى يغفر الذنوب للصابرين، قال صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب (تعب) ولا وصب (مرض) ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه». ولذلك يحكى أن عمار بن ياسر وأباه ياسر وأمه سمية -رضي الله عنهم- أعلنوا إسلامهم، فلما علم المشركون بإسلامهم قاموا بتعذيبهم لكي يرتدوا عن الإسلام، فلما علم النبي- صلى الله عليه وسلم- بما حدث لآل ياسر حزن عليهم وقال لهم: «صبرا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة». واستجاب آل ياسر لأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالصبر، وتحملوا العذاب في سبيل الله، حتى مات الأب والأم من شدة العذاب. صبر المسلم على مرضه سبب في دخوله الجنة، فها هي السيدة أم زفر رضى الله عنها إحدى الصحابيات التي كانت تعاني من مرض الصرع، ذهبت للنبي- صلى الله عليه وسلم- وطلبت منه أن يدعو الله لها بالشفاء. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك». فاختارت السيدة أم زفر-رضى الله عنها- أن تصبر على مرضها ولها الجنة في الآخرة.

ومن جهة أخرى، يقول الأمام الأكبر في كتابه «من توجيهات الإسلام»: الصبر هو الثبات في القيام بالواجب، وبذل المجهود في مقاومة الصعاب دون يأس أو هلع، وليس الصبر مجرد الاستسلام والخنوع أمام الحوادث وترقب ما يسوقه القدر المجهول،فإن ذلك عجز وصغار لا يرضى الله بهما لعباده المؤمنين، وقد حذر الله المؤمنين من اليأس وأرشدهم إلى أنه من خلال الكافرين: (ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وقرن الصبر بالعمل في مواضع كثيرة: (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، (نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون). ولقد أمر الله نبيه أن يبشر الصابرين على احتمال هذه المكاره والاطمئنان إلى قضاء الله فيها.

وقد صرح القرآن الكريم بما للصبر والصلاة من أثر كبير في تهذيب النفوس وتطهيرها من خلق اليأس والهلع عند المصيبة، ومن خلق الطغيان والكبر عند النعمة، فهو يقول في الصبر: (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى إنه لفرح فخور، إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير). ويقول في الصلاة: (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين، الذين هم على صلاتهم دائمون).

فالصبر والصلاة من أقوى عدد المؤمن في هذه الحياة، بهما تحقق الرغائب، وتدفع النوائب، وبهما يكون المؤمن ملحوظا من الله بعين الرعاية والتوفيق، ويكون منه سبحانه في معية النصرة والمعونة والحفظ: (إن الله مع الصابرين) وحسب المؤمن في سعادته أن الله معه.