sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: لعلني أستريح

21 مارس 2018
21 مارس 2018

شريفة بنت علي التوبية -

كيف حال العالم أيها الأصدقاء، هل ما زال الحال مائلا ومنحدرا ولم يعتدل؟ فأنا أجهل ما يحدث لأني غيّرت عاداتي الصباحية السيئة وما عدت أستمع لنشرات الأخبار كما كنت عبر القنوات الإذاعية، لقد أغلقت نوافذ الأخبار التي تسرّب الكآبة إلى روحي، وأشفقت على نفسي ورأفت بها إلى درجة أني أغلقت كل تلك النوافذ المشرعة للحزن والكآبة، فلست مجبرة على تجرّع كل ذلك القدر من السموم مع فنجان قهوتي المر كل صباح لأعرف ما الذي حدث في هذا العالم لأنه لم يعد لدي الفضول لأعرف، ولأني عجزت عن فهم ما يحدث، وأصبحت امرأة لا تحب السياسة وأخبارها، ولا يعنيني الخلاف بين ترامب وكيم جونج أون، ولا يعنيني أمر الانتخابات في دولة ما من دول العالم، لأنه لن ينالني من كل ذلك سوى القلق وتوتر الأعصاب.

لذلك كنت أنانية جدا حينما احتميت بنفسي من شر هذا العالم وحربه ووحشيته ورعونته وغبائه وحماقته، وكنت أنانية جدا وأنا أحمي قلبي من الانفطار وأعصابي من التلف، فكل ما بداخلي من روح وعاطفة يطالبني أن أستريح من التعب ومن إرهاق نشرات الأخبار ومن وجه تلك المذيعة المتأنقة التي تنقل لي صور جثث الأطفال دن أن يرف لها جفن أو تدمع لها عين أو تتغير ملامح وجهها المرسومة بابتسامة كبيرة، فكل شيء يُنقل لك بهدوء تام مهما كانت بشاعته، لذلك رأفت بحالي جدا في الفترة الأخيرة إلى درجة الهروب إلى عزلتي والعزلة نوع من الهروب والأنانية ومحبة الذات.

أعترف أنني تعبت من التعب الذي يعتريني كلما استمعت إلى نشرة أخبار لا تنشر ولا تنقل لنا سوى أخبار القتل والموت، لقد تعبت من تلك الكذبة التي يكذبونها علينا حينما يحولون القاتل المجرم إلى بطل، والضحية إلى مجرم، تعبت من ذلك التسابق السريع لمصور يحمل آلة التصوير في يده راكضا ليصور اللحظة الأخيرة في حياة طفل يلفظ أنفاسه الأخيرة على هذه الأرض، أو تسجيل نياح ثكلى تنتحب، أو توثيق ابتسامة يائسة لطفل يناولونه خبزه يابسة ويطلبون منه أن يبتسم أمام كاميراتهم، كي يخبرون العالم أنهم أهل للبر والتقوى وفعل الخير، تعبت من عجزي أمام عجز ضحايا هذا العالم ونحن منهم، فكل من يعيش هذا الألم وهو عاجز فهو ضحية.. ياالله كيف بهذا الموت الذي يجتاح قلوبنا لا يموت، وكيف نكابد كل هذا الموت وما زلنا على قائمة الأحياء.