أفكار وآراء

التغيير في أفريقيا .. تجديد وليس ربيعا !!

14 مارس 2018
14 مارس 2018

ديفيد بيلينج – الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

من المغري أن نسمي ما حدث «ربيعا أفريقيا.» فخلال بضعة أشهر وفي بلدان إفريقية متباينة مثل أنجولا وموزمبيق وإثيوبيا وزيمبابوي هوى قادة راسخون بسرعة. ومؤخرا حل الدور على رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ميريام ديسالين الذي تخلى عن منصبه بعد أعوام من الاحتجاجات العامة وعقب خلاف متزايد في علانيته داخل التحالف الذي ظل يحكم البلاد منذ عام 1991. جاء خروج ديسالين المفاجئ بعد يوم واحد فقط من موافقة جاكوب زوما، في الطرف الآخر من القارة، على الاستقالة كرئيس لجنوب إفريقيا كي يفسح المجال لسيريل رامافوزا. حلت هذه الأحداث الدرامية بعد حدث كان مستبعدا أكثر منها وهو خروج الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي الذي ظن كثيرون أنه سيموت قبل عزله من المنصب بسبب تقدمه في العمر. لكن بدلا عن ذلك أدرك موجابي أن الوقت قد حان للرحيل حين خرجت الدبابات إلى شوارع هراري في نوفمبر الماضي. وقبل شهرين فقط من ذلك وفي تغيير مرتب للقيادة في أنجولا ولكنه بالغ الدلالة خلف جواو لورينسو الرئيس جوزيه إدواردو سانتوس الذي تفوق سنوات رئاسته في أنجولا (38 عاما) فترة رئاسة موجابي بعام واحد. والسؤال هو: ما الذي يجري في إفريقيا؟ هل ينبغي أن ترتعد فرائص القادة الأفارقة خشية من موجة تجديد تجتاح القارة؟

إن إفريقيا كما ذكر الناس مرارا وتكرارا ليست بلدا. فهي قارة معقدة لشعوب متنوعة. وتواريخها ولغاتها وثقافاتها السياسية تجعل من الصعب المقارنة فيما بينها بطريقة لها معنى. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن أحداثا في بلد ما من بلدانها لها أية صلة بما يجري في بلد آخر. لكن هذا لا يعني أنه لا توجد قواسم مشتركة. فبلدان تنتمي إلى قارات مختلفة تماما مثل الفلبين أو المجر أو الولايات المتحدة قد تكون عرضة لتأثير نفس قوى الشعبوية أو القومية. لكن الشيء الذي تشترك فيه أنجولا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي هو أنها تحكم بواسطة أحزاب تحرير تحجرت في الحكم لفترة تراوحت بين ربع إلى نصف قرن. ففي أنجولا حكمت الحركة الشعبية لتحرير أنجولا منذ مغادرة البرتغاليين في عام 1975. وفي زيمبابوي ظل حزب الاتحاد الوطني الإفريقي لزيمبابوي - الجبهة الوطنية في السلطة منذ عام 1980 بعد أن قاد الكفاح المسلح ضد حكم الأقلية البيضاء. وعلى نحو مماثل حكمت جبهة ديسالين واسمها الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إفريقيا منذ عام 1991. لكنه (أي ديسالين) عمل رئيسا للوزراء فقط منذ وفاة ميليس زيناوي في عام 2012. كما تحكم جنوب إفريقيا أيضا حركة تحرير أخرى هي المؤتمر الوطني الإفريقي الذي هيمن على السلطة منذ تداعي الابارثهيد (حكم الفصل العنصري) في عام 1994. وفي كل حالة من هذه الحالات الأربع تسعى حركات التحرير هذه إلى تجديد نفسها بعد أن حكمت لحقبة جيل أو أكثر. لم يكن الانتقال من المنفى إلى الحكم سهلا دائما. فالسلطة تعني المال. وفي حالة أنجولا كانت صادرات النفط الضخمة والاستثمارات الصينية الكبيرة تعني الثراء المفاجئ لكبار مسؤولي الحزب خصوصا لمن يحمل منهم اسم دوس سانتوس. وفي زيمبابوي استسلمت اللغة السياسية الاشتراكية لواقع اقتصاد محطم للعديدين، لكنه مثقل بالثمار للقلة من مناصري الحزب الموالين لموجابي. وفي جنوب إفريقيا أيضا خصوصا في سنوات زوما تحول العمل الصالح والمبرر أخلاقيا المتمثل في توزيع الثروة، كي تشمل الأغلبية السوداء، إلى عمل أقل صلاحا اقتصر على توزيعها على النخبة السوداء. المرتبطة بحزب المؤتمر الإفريقي. لذلك يشكل الإحباط المكبوت الذي يشعر به الملايين من المنسيين هناك واحدا من أسباب التغيير الحالي. لقد وجد الناس صوتهم أخيرا وضغطوا على النخبة التي سعت لتبديل القادة من أجل بقائها (في سدة الحكم.) ففي جنوب إفريقيا الأكثر ديمقراطية إلى حد بعيد من بين البلدان الأربعة تضاءل تأييد حزب المؤتمر الإفريقي في الانتخابات المتتالية. وفقد الحزب السيطرة على أربعة من أهم مدن البلاد. لكن حتى في البلدان الأفريقية الثلاثة الأخرى، حيث تخضع الانتخابات للسيطرة الحكومية بقدر أكبر، وجدت قوى المعارضة سبيلها للتعبير عن نفسها عبر صندوق الاقتراع. وأيضا من خلال الشارع. السؤال: هل سيأتي القادة الجدد بتغيير حقيقي؟ في أثيوبيا أعقب استقالة ديسالين فرض حالة الطوارئ. ومن الصعب أن يشكل ذلك علامة على انفتاح ديمقراطي. وفي أنجولا وزيمبابوي ربما أن الحزبين الحاكمين طرحا ما يشبه أن يكون مظهرا لاتجاه جديد. لكن ليس واضحا أن ذلك سيترجم إلى سياسات أكثر شمولا(للناس في منافعها.) وفي جنوب إفريقيا يسعى رامافوزا إلى ماهو أكثر من مجرد تغييرات تجميلية من أجل استعادة السمعة الانتخابية وأيضا الأخلاقية لحزب المؤتمر الإفريقي. لكن في كل بلد من هذه البلدان خططت النخبة الحاكمة لإجراء تغيير في الأشخاص من أجل المحافظة على الذات. فهذه التغييرات إنما هي إعادة تنظيم من فوق أكثر منها ثورات (نابعة) من تحت. وسيراقب قادة آخرون في القارة، بعضهم في وَجَل، ما يحدث. لكن (مصطلح) موسم الربيع الإفريقي لا يعبر بدقة عما يجري. لذا يمكنك أن تسميه بدلا عن ذلك موسم تجديد داخلي.