أفكار وآراء

أثر إيجابي على قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي

11 مارس 2018
11 مارس 2018

بشير عبد الفتاح -

,, تتسم العلاقات العمانية المصرية بالانسجام في المواقف والسياسات تجاه تطورات الأوضاع في المنطقة ،فقد تولدت لدى البلدين،انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية القومية والإنسانية،رغبة جادة وصادقة في العمل بكل إخلاص ودأب على لم شمل الدول العربية»

في خطوة تاريخية كانت الأولى من نوعها له منذ توليه رئاسة مصر عام 2014، قام الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، بزيارة دولة إلى سلطنة عمان استمرت لثلاثة أيام، استهلها بمحادثات مع حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه -،تم خلالها تبادل الأحاديث الودية واستعراض العلاقات الطيبة التي تربط السلطنة وجمهورية مصر العربية، والتعاون الثنائي المثمر، في شتى المجالات التي تخدم المصالح المشتركة للشعبين العماني والمصري، علاوة على التباحث بشأن مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وتوخيا منها لتفعيل مخرجات تلك الزيارة التاريخية بما يساعد على جني ثمارها الإيجابية والبناءة، أوصت لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب المصري، بتكثيف التعاون والتبادل التجاري بين مصر وسلطنة عمان، وسرعة تنفيذ وتفعيل كافة الاتفاقيات المبرمة بين البلدين وإنشاء لجنة عليا مشتركة للتنسيق والتكامل بينهما، كما أوصت اللجنة بتعيين ملحق تجارى مصري لدى سلطنة عمان بناء على طلب المصريين العاملين في السلطنة لتسهيل المعاملات التجارية بين البلدين، وتفعيل وتكثيف التعاون المصري مع السلطنة بمختلف المجالات،بما فيها الثقافة والفنون والآداب، لما لها من دور حيوي في تعزيز الروابط الشعبية بين البلدين الشقيقين. وقد سبق للجنة البرلمانية ذاتها أن ثمنت في مطلع العام الماضي قرار جلالة السلطان قابوس المعظم بتوجيه حكومة السلطنة بإزالة العقبات التي تواجه القوى العاملة المصرية في السلطنة، حينما أمر بدراسة المشروعات المعروضة من الجانب المصري من أجل بحث سبل تنفيذها بمصر، ورصده نحو 250 مليون دولار إضافية للاستثمارات العمانية في مصر.

ليست العلاقات المصرية العمانية بحاجة إلى التذكير بتاريخيتها وقوتها واستقرارها، إذ تكفي الإشارة إلى أن تلك العلاقات على مدى تاريخها الطويل والممتد إلى ما قبل 3500 سنة وإبان نهضة مصر الفرعونية، وازدهار عصر الإبحار والتجارة العمانية،مرورا بالفتح العربي الإسلامي لمصر، ووصولا إلى أيامنا هذه، لم تشهد توترات أو نقاطا خلافية جوهرية بين البلدين. ومن ثم، لم يأت تلاقي الأفكار والمواقف بين الدولتين تجاه قضايا المنطقة من فراغ، بل كان للتاريخ والجغرافيا بالغ الأثر في نسج خيوط التفاهم بين البلدين.

ويذكر المصريون جميعا موقف جلالة السلطان قابوس التاريخي الرافض لمقاطعة الدول العربية لمصر بسبب توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، ودعوته الأشقاء العرب إلى الوقوف إلى جانب مصر في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، حتى ترسخت دعائم العمل العربي المشترك بعودة مصر إلى الصف العربي تحت مظلة الجامعة العربية من مقرها الدائم بالقاهرة. وتواصلا لمسيرة التعاون المشترك بين القطرين الشقيقين، حرصت القاهرة ومسقط على تأطير تلك المسيرة على مختلف الأصعدة. فاقتصاديا،تقوم اليوم نحو 142 شركة مصرية كبرى بتنفيذ مشروعات ضخمة في سلطنة عُمان بمجالات البنية الأساسية والاستثمار العقاري والسياحة. وجاءت بهذا السياق، اللقاءات الثنائية المصرية العُمانية التي نظمتها الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات العمانية (إثراء)، بالقاهرة خلال مايو 2017 بين نحو 20 شركة عُمانية، وعدد من الشركات المصرية، وذلك لبحث زيادة فرص التبادل التجاري المشترك .

وإداريا، شهد عام 2014 توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين، في مجال التطوير الإداري، شملت مجالات عديدة منها التدريب والتطوير والاستشارات والتخطيط الوظيفي وتبادل القوانين والتشريعات المنظمة للموارد البشرية والتقنية الحديثة والآليات المستخدمة في قياس عائد التدريب والتطوير الإداري. كما شهد مايو 2017، جولة مباحثات بين مصر وسلطنة عمان، بشأن التعاون في مجالات الخدمة المدنية والتطوير الإداري .وتم تأطير هذه المباحثات بمذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين لتعزيز التعاون في المجالات المشتركة، والاستفادة المتبادلة من الممارسات والتجارب الإدارية الناجحة المطبقة في كلا البلدين، وبصفة خاصة أنظمة إدارة الجودة وتنمية الموارد البشرية والقوانين والتشريعات المنظمة للوظيفة العامة، وتفعيل تقنية المعلومات وتبسيط الإجراءات وأنظمة العمل في القطاع الحكومي.

وفي ترجمة واقعية تعكس رغبة البلدين المشتركة في تعزيز أُطر التعاون، وقعت مصر وعمان في الرابع والعشرين من فبراير 2017، ثلاث اتفاقيات للتعاون الثنائي في مجالات الشباب والرياضة والطلائع، والتدريب العمالي بين وزارتي القوى العاملة في البلدين، علاوة على اتفاق حول المساعدة والتعاون المتبادل في الشؤون الجمركية، في ختام اجتماعات الدورة الـ13 من أعمال اللجنة المصرية العمانية المشتركة، التي عقدت في القاهرة، برئاسة معالي يوسف بن علوي بن عبد الله، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، ومعالي وزير الخارجية المصري سامح شكري،.

وبالتوازي مع جهود تعزيز التعاون الثنائي، امتدت مباحثات الزعيمين، جلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- والرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، لتشمل مناقشة الواقع العربي الراهن والتباحث بشأن سبل تجاوز المأزق الحالي، الذي يلقي بظلاله الكئيبة على الأمة العربية .

فقد تشعب الخطاب السياسي والإعلامي العماني الذي صاحب زيارة السيسي ليطال القضايا ذات البعد الإقليمي،خصوصا ما يتعلّق منها بسياسات السلطنة الإقليمية بكل ما تنطوي عليه من قضايا وملفات حسّاسة. فخلال الزيارة، عمدت مسقط إلى شرح وتوضيح مواقف وسياسات حيال العديد من القضايا والتطورات الجارية في المنطقة.

ولما كانت أهمية أي علاقات ثنائية بالنسبة لمحيطها الإقليمي تتأتى من الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تخلفه تلك العلاقات الثنائية على قضايا الأمن والاستقرار علاوة على جهود التنمية في ذلك المحيط الإقليمي،وبينما تتسم العلاقات العمانية المصرية بالانسجام في المواقف والسياسات تجاه تطورات الأوضاع في المنطقة، فقد تولدت لدى البلدين،انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية القومية والإنسانية،رغبة جادة وصادقة في العمل بكل إخلاص ودأب على لم شمل الدول العربية وإعادة بناء النظام الإقليمي العربي، وإحياء العمل العربي المشترك، بما يساعد في نهاية المطاف على إيجاد تسويات سياسية عادلة ونهائية لأزمات المنطقة.

فعلى الصعيد الاقتصادي، وانطلاقاً من التناغم في الأفكار والمبادرات المصرية العُمانية، طرحت سلطنة عمان ومصر، رؤية مشتركة لتطوير سوق التأمين العربي، وذلك خلال ‏الاجتماع الدوري الثاني لمنتدى الهيئات العربية للإشراف والرقابة على أعمال التأمين التي ‏استضافتها سلطنة عُمان مؤخراً، بمشاركة واسعة من ممثلي الهيئات الرقابية من مختلف الدول ‏العربية.‏

وعلى الصعيد السياسي، وإبان زيارة معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية للقاهرة العام الماضي، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً أكدت فيه أن العلاقات المصرية - العمانية، تمثل محور ارتكاز أساسي في المنطقة العربية يستمد قوته من البعد التاريخي وعمق العلاقات الثنائية بين البلدين وتشعبها على مختلف الأصعدة، إضافة إلى التوافق في الرؤى بين مسقط والقاهرة حول ضرورة التوصل لحلول سياسية لأزمات العالم العربي، وأهمية تكثيف وتيرة التشاور والتنسيق بين الدول العربية في سبيل تحقيق هذا الهدف. وتأسيسا على هذه الرؤية، جاء التشاور الدائم بشأن المواقف والسياسات بين سلطنة عمان ومصر، تجاه تطورات الأوضاع في المنطقة، حيث يدعو البلدان إلى حل المشاكل بالحوار والحفاظ على تماسك الموقف العربي تجاه مختلف التحديات التي تواجه الأمة العربية.

وبكل تأكيد تبدو الأمة العربية هذه الأيام في مسيس الحاجة إلى رص الصفوف واللحاق بالركب المصري العماني،والاستفادة مما تتمتع به كل من مسقط والقاهرة من قدرة هائلة وخبرة غير مسبوقة في تسوية النزاعات والأزمات،وما تحظيا به ثقة واحترام لدى كافة الأطراف الإقليمية والدولية،بغية توفير سبل النجاح للجهود والمساعي المشتركة التي يمكن أن يبذلها الجانبان توخيا للم الشمل العربي،ومساعدة الدول العربية على تسوية أزماتها وتجاوز محنتها.