1269080
1269080
إشراقات

الوحدة سمة بارزة لمجـتمع المسلمين وفرض من فروض الدين

08 مارس 2018
08 مارس 2018

بفقدها تتلاشى الثقة وينعدم النظام -

أكدت خطبة الجمعة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على أن يحرص المجتمع ويحافظ على الوحدة والاستمساك بحبـل الله والاعـتصام بهداه كالحرص على صف الأقدام بين يدي الله تعالى لإقامة الصلاة.

منبّهة إلى أنه لا قيام للمجـتمعات من غير اتحاد، ومتى ما فقد المجـتمع وحدته فقد انهدم أهم ركن من أركانه فتتلاشى الثقة وينعدم النظام ويرتفع الأمن وتمحي جميع أشكال التعاون؛ لذلك لا بد من توثيق عرى الوحدة بين المسلمين، لا سيما في هذا الزمان الذي اتسم بفقدان ثقة بعض المسـلمين ببعضهم، وتنكر بعضهم لمبدأ الوحدة الذي يتصف به مجـتمع المسلمين.

وأوضحت أن توثيق عرى الوحدة بين المسلمين لا يتم إلا بتوعية الناس بأن الوحدة بينهم فرض من فروض الدين والواجبات المحـتمة وليست بأمر مندوب من جمـلة المندوبات أو من جمـلة المسـتحبات...

وحذرت الخطبة من التأويلات الخاطئة لأحـكام الدين وإصدار الأحـكام الظالمة على المخالف وأكدت أن ذلك ليس من الدين في شيء ومشيرة إلى أن عدم إنصاف المخالف في التسـليم له فيما أصاب من الحق أمـر ذمه القرآن .. وإلى ما جاء في الخطبة التي جاءت بعنوان «توثيق عرى الوحدة بين المسلمين».

الحمد لله الذي ألف بين المؤمنين، وجعل اجـتماع كلمتهم واتحاد جمعهم من صميم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته الموفين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله:

اتقوا الله تعالى، واعـلموا أن من السمات البارزة لمجـتمع المسلمين أنه مجـتمع يتسم بالتآلف بين جميع أفراده، يراعون مبدأ الوحدة في تعاملهم فيما بينهم، وينشطون في ظلاله للمسابقة إلى الخيرات، والتواصي بالحق والتواصي بالصـبر؛ ذلك لأنهم يدركون تمام الإدراك أنه لا قيام للمجـتمعات من غير اتحاد، وأنه متى ما فقد المجـتمع وحدته فقد انهدم بلا ريب أهم ركن من أركانه، فتتلاشى الثقة، وينعدم النظام، ويرتفع الأمن، وتمحي جميع أشكال التعاون، يقول الله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، فالقرآن ها هنا يذكر المسـلمين بالحال الذي كانوا عليه قبـل مجيء الإسلام، فقد كانوا في حال فرقة وتنازع واختلاف، تثير حفائظهم العصبيات المقيتة، فيعـتدي قويهم على ضعيفهم، حتى أنعم الله تعالى عليهم بالدين الجامع الذي ألف به قلوبهم، فغدوا بسببه إخوانا متحابين، وإلافا متصافين.

عباد الله المؤمنين:

ما نعم مجـتمع بالوحدة والاتحاد إلا وناله من عطاء الله الخير الكثير، فعاش أفراده في أمن شامل، بحيث يأمن المسـلم على نفسه وأهـله وولده. إن حصول الأمن للناس يتحقق بمراعاتهم حقوق الله تعالى وقيامهم بالدين الحق حق القيام، (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، فينعمون بسبب اتحادهم على الدين بأمن يعم جميع شؤونهم وأحوالهم. فلا فوضى ولا تخـبط فيما يأتون وفيما يذرون، فالخطط للمشاريع مرسومة، والتنفيذ الأمين عليها قائم، والمقصر يحاسب، والمجـتهد يثاب، والمجرم يعاقب، فلا محاباة ولا مداهنة في رد الحقوق، وفي رفع المظالم، وفي إبطال الباطل، وفي الصدع بالحق، والدلالة إلى الخير، والنهي عن كل رذيلة، والتواصي بكل فضيلة.

عباد الله:

لا بد من توثيق عرى الوحدة بين المسلمين، لا سيما في هذا الزمان الذي اتسم بفقدان ثقة بعض المسـلمين ببعضهم، وتنكر بعضهم لمبدأ الوحدة الذي يتصف به مجـتمع المسلمين، ولا يتم ذلك إلا بتوعية الناس أن الوحدة بينهم فرض من فروض الدين، وليست بأمر مندوب من جمـلة المندوبات، أو من جمـلة المسـتحبات، بل هي من الأمور المفروضة، والواجبات المحـتمة. يقول الحق تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، ثم لا بد من تطبيق هذا الفرض على أرض الواقع في قيام المسلم بحقوق إخوانه المسـلمين؛ من السلام عليهم، وعيادة مريضهم، وتشييع جنازة من مات منهم، وتشميت العاطس، وإجابة دعوة الداعي منهم، وإرشاد الضال، وإغاثة الملهوف، والقيام بحق الضـيف، ومراعاة حق ابن السبيل، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وكف الأذى باليد أو اللسان، فلا غيبة ولا نميمة ولا بهـتان، واحـتمال الإساءة، وكظم الغيظ، والعـفو عن الجاهلين، والكف عن التنابز بالألقاب، والبعد عن سيئ الظـنون، والإحسان إلى الفقراء والمساكين. ومن الأمور التي توثق عرى الوحدة أيضا أن يحافظ المسلم على أداء الشعائر التعـبدية مع إخوانه المسـلمين، كأداء المكتوبات في جماعة، والمحافظة على أداء صلاة الجمعة وصلاة العيدين، وصوم رمضان، والحج والعمرة، والمشاركة في المناسبات الاجـتماعية العامة، سواء في الأفراح أو الأتراح، وحضور الدروس والمحاضرات، وشهود اللقاءات والمؤتمرات، لا سيما تلك الداعمة لفكـرة التـقارب المذهبي، والتآلف بين طوائف المسلمين، وإشاعة روح التسامح مع الآخر، وفتح مجال الحوار بالتي هي أحسن، وإماتة الطائفيات والعصبيات، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

فاتقوا الله - عباد الله -، وحافظوا على وحدتكم باستمساككم بحبـل الله، واعـتصامكم بهداه، مثلما تحرصون على صف أقدامكم بين يدي الله تعالى لإقامة الصلاة، واعـملوا على توثيق عرى الوحدة فيما بينكم حتى تكونوا كالبنيان المرصوص، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

******

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

إن التأويلات الخاطئة لأحـكام الدين وإصدار الأحـكام الظالمة على المخالف ليست من الدين في شيء، فعدم إنصاف المخالف في التسـليم له فيما أصاب من الحق أمـر ذمه القرآن بقوله (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، والاستهزاء بالعلماء والمصـلحين ليس من الدين في شيء، بل هو علامة الانسلاخ من الدين، (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ، وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ)، فلمز من اسـتقام على طريق الهداية أكبر دعاية للفساد، وهو صد عن سبيل الله، وصرف لعباده عن الصراط المسـتقيم، فهذه وأشباهها عوائق صادة عن الوحدة، وطريق الوقاية منها هو تزكية النفوس وإصلاحها، وتهذيب الأخلاق والرقي بها، يقول عز من قائل: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، ولا تتم هذه التزكية بقصرها على تزكية النفس فحسب؛ بل لا بد من تزكية عامـة للمجـتمع، وتزكية أعـم للأمـة جميعا، وبيد الله تعالى التزكية في حقيقة الأمر، وإنما بأيدي العباد أن يأخذوا بأسباب تلك التزكية تربية على المنهج القرآني وتأسيا بالهدي النبوي، وألا يستجيبوا لخطوات الشيطان، كما يقول عز شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

فاتقوا الله - عباد الله -، واحرصوا على وحدة صفكم، واجـتماع كلمتكم، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، واذكروا نعمة الله عليكم بالإسلام واختياره لكم لتكونوا دعاة إلى البر والتقوى والسلام.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه، حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).