أفكار وآراء

آثار سلبية للحرب التجارية القادمة

03 مارس 2018
03 مارس 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

المخاوف التجارية للعالم لم تتوقف منذ أكثر من عام بسبب القرارات التي تصدر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين حين وآخر، فيما يعتزم الآن فرض رسوم على بعض السلع والمنتجات الواردة إلى أمريكا وخاصة من الصين ودول الاتحاد الأوروبي وكندا. فمنذ أيام مضت وردت الأنباء عن نية الحكومة الأمريكية فرض رسوم على واردات الصلب والألمنيوم، الأمر الذي يثير مخاوف من اشتعال حرب تجارية بين الدول الكبيرة، وتكون ضحيتها الاقتصادات الناشئة والصغيرة أيضا.

ونتيجة لهذه الاجراءات، هناك اليوم قلق متزايد في أسواق النفط والمال أيضا، حيث هبطت أسعار النفط الخام مرة أخرى بعدما تحسنت تلك الأسعار لبعض الوقت في الفترة الماضية، مع تواصل استمرار الخسائر في أسواق المال والأسهم أيضا. فعلى الصعيدين المحلي والخليجي فقد تراجع سعر نفط الخام العماني في نهاية تداولات الأسبوع “الجمعة الماضي” أكثر من دولار، وبلغ السعر تسليم شهر مايو القادم 60.67 دولار بعدما شهد انخفاضًا قدره 1.11 دولاراً مقارنة بسعر اليوم السابق. كما أن السعر الحالي للنفط مرشح أيضا بالتراجع في حالة نشوب الحرب التجارية بين الاقتصادات الضخمة، الأمر الذي سيترك آثارا سلبية على اقتصادات دول المنطقة التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.

ومنذ إعلان ترامب أنه سيفرض رسوماً ضخمة على المعدنين من أجل حماية المنتجين الأمريكيين، فإن الدول المصدرة لهذه المعادن تدرس اتخاذ إجراءات مماثلة، وهو ما ينذر برد فعل من الشركاء التجاريين لأمريكا. فهذا الإعلان قد تسبب غضباً لديهم، وهزة في الأسواق العالمية، حيث هبطت الأسهم الأمريكية بشكل حاد في بداية جلسة التعاملات يوم الجمعة الماضي، الأمر الذي يؤكد بأن قلق المستثمرين سوف يستمر على هذه الأجواء للفترة المقبلة، مع تأثر مؤشرات المال الأمريكية والأوروبية والبريطانية واليابانية وغيرها، لينسحب الضرر إلى معنويات المستثمرين، حيث تسببت هذه المخاوف في موجة مبيعات واسعة في أوروبا، مع انخفاض مؤشر قطاع السيارات.

خطة الرئيس الإمريكي تهدف وفق إعلانه إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 25%على جميع واردات الصلب و10% على أصناف كثيرة من واردات الألومنيوم اعتباراً من الأسبوع المقبل في محاولة لحماية الصناعة في الولايات المتحدة. هذا الإعلان - بلا شك- قُوبل بإدانة فورية من الاتحاد الأوروبي، بينما هددت كندا المجاورة بفرض رسوم جمركية خاصة بها، بينما استمر الرئيس الأمريكي يؤكد في تغريداته التي يطلقها بين فترة وأخرى بأنه عندما تخسر دولة مثل (أمريكا) الكثير من مليارات الدولارات على التجارة مع كل دولة تتاجر معها فعلياً، فإن حروب التجارة جيدة ويسهّل الفوز بها. وهذا يوحي بأنه ينوي الاستمرار في اتخاذ قراراته التي يظن بأنها في صالح الاقتصاد الأمريكي من جهة، وأنه يمكن له كسب مزيد من الشعبية بين الأمريكيين، في وقت اهتزت شعبيته على المستويين المحلي والعالمي خلال الأشهر الماضية نتيجة لبعض القرارات السياسية والاقتصادية التي اتخذها، والتي أدت إلى حدوث واشتعال مزيد من القلاقل والحروب في العالم، ومنها اتخاذ قراره تجاه الهجرة إلى أمريكا وقراره السلبي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وغيرها من القرارات الأخرى التي يتخذها من مرجعيته الصهيونية.

وباعتباره تاجرا وليس سياسيا محنكا في الكثير من القضايا والعلاقات الدولية، فإن كل أمر لدى الرئيس ترامب يعتمد على الربح والخسارة، لذا أنه يرى وفق تغريداته بأن التجارة مع أية دولة تقل عن 100 مليار دولار ليس له معنى، وأن تفكيره في فرض رسوم جمركية على أساس المعاملة بالمثل على الواردات القادمة من كل الشركاء التجاريين هو من أجل خفض العجز التجاري الأمريكي.

ومثل هذا القرار بدأت تظهر ردود فعل لدى الدول الأخرى التي تؤكد بأنها سوف تفرض على المنتجات الأمريكية رسوما بنسبة 50% في حالة قيام أمريكا بخطوتها القادمة. فالعجز التجاري مع أمريكا يبلغ حدود 800 مليار دولار أمريكي باعتبار أن أمريكا لا تفرض رسوما على الكثير من المنتجات الأجنبية الواردة إليها عملا بأسس منظمة التجارة الدوليةWTO ، الأمر الذي سيؤدي بالقضاء تماماً على أسس نظام التجارة العالمي في حالة فرض الرسوم، فيما يرى الاقتصاديون إن مثل هذه الخطوات تضر بالعمّال الأمريكيين والقطاع الصناعي ولا سيما بقطاعي السيارات والدفاع العملاقين. كما قد يتسبب ارتفاع سعر الواردات في زيادة التضخم والحد من النمو. وبالرجوع إلى نفس هذه القضية فقد سبق للرئيس الأسبق جورج دبليو بوش أن فرض رسوماً بمقدار 30% على الفولاذ في عام 2002، ثم بينت دراسة أن ذلك القرار تسبب بخسارة 200 ألف وظيفة أمريكية، الأمر الذي أدى إلى إلغاء هذه الرسوم بعد 18 شهراً عندما خسرت الولايات المتحدة دعوى أمام منظمة التجارة العالمية.

إن قرار أمريكا بفرض الرسوم على واردات الصلب والالمنيوم بدأت تثير القلق الداخلي والخارجي حيث توالت الانتقادات من داخل الولايات المتحدة الأميركية بجانب دول العالم، إذ أعرب رئيس مجلس النواب الأمريكي بول رايان عن أمله بأن يتدبر الرئيس ترامب “العواقب غير المقصودة” لقراره فرض تعريفات جمركية على هذه الواردات، مشيرا عبر متحدث المجلس أن يدرس الرئيس مقاربات أخرى قبل اتخاذ إجراءات، فيما انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إعلان ترامب بذلك، حيث قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية إن برلين ترفض مثل هذه الرسوم، وأن مشكلة إفراط الإنتاج في هذه القطاعات على مستوى العالم لن تُحل بهذه الطريقة، معلنا بأن الحكومة الألمانية تدعم المفوضية الأوروبية التي أعلنت عن عزمها اتخاذ إجراءات رداً على ذلك. أما وزيرة الاقتصاد الألمانية بريجيته تسيبريس فقد أكدت عن عدم تفهمها لهذا الإعلان، وأن إمكانية إضرار واردات الصلب الأوروبية أو حتى الألمانية بالأمن القومي للولايات المتحدة أمر غير مفهوم مطلقاً، وأن الفرض الشامل للجمارك على هذه الواردات سيتسبب في “اضطرابات في التجارة الدولية”، الأمر الذي يتعين على أوروبا الرد عليه. أما وزير الخارجية الألماني زيجمار جابريل فطالب برد حاسم من جانب الاتحاد الأوروبي مؤكدا بأن الشركات الألمانية والأوروبية لا تمارس سياسات إغراق، وأنه يتابع هذا التطور بـ”قلق بالغ” وأن هذه الضربة الأمريكية الموجهة لكل أنحاء العالم ستضر بصادرات ألمانيا وفرص العمل بأقصى درجة، موضحاً أن الخطر يهدد الآن آلافا من فرص العمل في أوروبا، وأن تبرير الولايات المتحدة لقرارها بمصالح الأمن القومي “أمر غير مفهوم على الإطلاق خاصة تجاه شركاء الاتحاد الأوروبي والناتو”.

كما أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أكد في بيانها أنه إذا حذت جميع الدول حذو الولايات المتحدة، فإن هذا سيترتب عليه عواقب وخيمة على التجارة الدولية دون شك، فيما لم تعلن الصين التي يمثل نصيبها نحو 2% من واردات الصلب الأمريكية عن اتخاذ أية إجراءات لمواجهة هذه الخطوة، ودعت أمريكا إلى ضبط النفس في استخدام إجراءات الحمائية التجارية والالتزام بقواعد التجارة الدولية، بينما حذرت الشركات اليابانية من أن هذه الرسوم ستؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار السيارات في السوق الأمريكية.

وأخيرا نرى أن صندوق النقد الدولي حذر يوم الجمعة الماضي من أن قيودا أمريكية على استيراد الصلب والألمنيوم سوف تسبب في أضرار اقتصادية واسعة النطاق ستشمل الاقتصاد الأمريكي، وحث واشنطن وشركاءها التجاريين على تسوية خلافاتهما بشأن التجارة، وأن هذه القيود المقترحة من المرجح أن تتسبب في أضرار ليس فقط خارج أمريكا، بل أيضا للاقتصاد الأمريكي نفسه بما في ذلك قطاعا الصناعات التحويلية والتشييد، وهما مستخدمان رئيسيان للألمنيوم والصلب”. كما حث الصندوق الولايات المتحدة وشركاءها التجاريين على العمل معا بطريقة بناءة لتقليل الحواجز التجارية وتسوية الخلافات بشأن التجارة دون اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات الطارئة. إن جميع هذه الأحداث ترسم وضعا قاتما للاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يتطلب الوقوف كثيرا لدراسة الاحتمالات المتاحة لحماية الاقتصادات الوطنية.