1261487
1261487
إشراقات

الخوالدي: القوّة في الالتزام بأحكام الدين بالتعامل معها بجد واجتهاد وحسم وحزم وعناية

01 مارس 2018
01 مارس 2018

مفهومها بعيد كل البعد عن موضوع التشدد -

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد فضيلة الشيخ خالد بن سالم الخوالدي عضو الهيئة التدريسية بكلية العلوم الشرعية أن معنى كلمة (القوّة) التي جاءت في ثلاث آيات خاطب بها الله تعالى يحيى وموسى عليهما السلام وبني إسرائيل وهي بلا شك مخاطب بها هذه الأمة، تعني ضرورة أن يتعامل الإنسان مع أحكام الدين بجد واجتهاد وحسم وحزم وعناية منبها أن أحكام الدين لا يتعامل معها برخاوة وترخص وعدم اكتراث وغير ذلك من الأمور الموهنة للعزيمة المخذلة عن معالي الأمور.

وبيّن فضيلته أن المفهوم المقصود للقوّة بعيد كل البعد عن موضوع التشدد في الدين فإن التشدد في الدين أمر مذموم في الشرع وهو سوء مأخذ فيما يتعلق بالتعامل مع أحكام الشرع وإنما نعني بذلك ضرورة أن يعتني الإنسان بما يقوم به من أحكام وبما يلزمه من تعاليم عناية توصله الى مرضاة الله وتجعله قويما وفق مراد المولى جل وعلا.. والى ما جاء في الجزء الأول من محاضرته حول الآية (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) وما تعنيه.

يقول فضيلته حديثنا يدور حول مسألة مهمة في تعاطينا مع الدين فلا بد ان ننتبه إليها؛ الله جل وعلا يخاطب نبيه يحيى عليه السلام آمرا إياه بأن يأخذ الكتاب بقوة ويبين سبحانه بأنه آتاه الحكم وهو لم يزل صبيا: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا). ويوضح أن هذا الخطاب ليس خطابا خاصا ليحيى بل هو خطاب تكرر في آيات الله تعالى خاطب به من قبل موسى عليه السلام حينما قال سبحانه: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) وهذا الخطاب خاطب الله تعالى به بني إسرائيل قوم موسى إذ قال: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) وقال: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

مضيفا أن هذا الخطاب وجّه للأنبياء عليهم السلام كما وجه لأمم من أمم الأنبياء عليهم السلام وهو خطاب بلا شك موجه لهذه الأمة ولكل أمة، فحواه أن الله تعالى يأمرنا بأن نراقب تعاملنا مع الدين وأخذنا للدين وعلاقتنا بالدين وموقفنا منه.

والدين الذي هو العقائد والأوامر والنواهي والأخلاق والآداب التي أمرنا الله تعالى بها، كيف ينبغي أن نتعامل مع هذه الأوامر الربانية؟ أن أهل التفسير حينما تكلموا عن معنى «أخذ الكتاب بقوّة» لم تخرج المعاني التي ذكروها عن «أخذه بجد واجتهاد وصبر وعن تعلمه وطول درسه وحفظه وعن التزام أوامره التي أمر بها واتباع تعاليمه» وهذه الأمور مجتمعة بلا شك أن كل إنسان يحتاج إليها في تعامله مع الدين.

فالدين لا بد أن يتعامل الإنسان معه بجدية لا بد أن يتعامل معه بعزم لا بد أن يتعامل معه بحسم، الدين لا يتعامل معه بتراخٍ أو بتوانٍ أو بتمييعٍ فإن أوامر الدين لا بد أن يأخذها الإنسان بجدية.

علاقة بينك وبين الله

وقال فضيلة الشيخ الخوالدي إن الدين ليس علاقة بين إنسان وبين أحد من البشر يقدمها مصلحة أو يؤخرها مفسدة، أو يقدمها حبا له أو يؤخرها كرها له، أو يقدمها منفعة أو يؤخرها مضرة، وإنما علاقة بينك وبين الله هذه علاقة خاصة بينك وبين الله تعالى أمرك الله تبارك وتعالى أن تسلك فيها مسلكا واضحا بيّنا. من خلال ما بيّن لك من أحكام ووضّح لك السبل بيّن لك الطريق هذه هي الطريق المرضية المحبوبة عند الله التي عليك أن تسلكها، هذه الطريق التي تسلكها ليست خاضعة لأي ظرف بشري أو حال بشري يمكن أن يعتري حالة الإنسان مع البشر.

خطأ يقع

ويوضّح فضيلته أن هناك خطأ يقع فيه فئات من الناس وهو تلوين الدين على حسب المصالح البشرية، فيخضع الدين للتلوّن والتضعضع على حسب المصالح البشرية كما يخضع علاقته مع البشر الى ألوان من التنوع بحسب المصالح كما ذكرنا، هذا الأمر أن كان يصلح فيما يتعلق بتعامل الناس فيما بينهم فإنه لا يصلح فيما يتعلق بتعامل الإنسان مع ربه جل وعلا.

مثلا، فئات من الناس يكون حاله في التعامل مع الناس في وقت غناه يختلف عن حاله في التعامل معهم في وقت فقره، وتعامله معهم في وقت قوته يختلف عن حاله، وأقصد بالقوّة هنا القوة البدنية أو القوة المعنوية المتمثلة في منصب أو وجاهة أو رياسة أو ما الى ذلك، ويختلف تعامله معهم في وقت راحته وأنسه وسعادته عن حاله في التعامل معهم في وقت بؤسه وشقائه وتعاسته، هذه الأمور موجودة في دنيا الناس؛ لكن الخطأ عندما يخضع الدين لأجل هذه الاعتبارات أيضا. كذلك صلاته في وقت الفراغ من المنصب تختلف عن صلاته في المنصب، وذكره في وقت المنصب يختلف عن ذكره في وقت الفراغ من المنصب مثلا، التزامه بأحكام الشرع في وقت الغنى يختلف عن التزامه بأحكام الشرع في وقت الفقر، التزامه بالعبادات في وقت المرض يختلف عن التزامه بها في وقت الصحة فتجد بأنه مثلا في وقت حصوله على رفعة دنيوية يخلّ بعبادته تماشيا مع بطانته أو إرضاء لأقرانه أو لأن هذا هو الذي يليق به وبحاله وهو يمتلك هذا المنصب فقد يفرّط أو يقصّر أو ينقص في أمر عبادته لأن هذا الذي يتناسب مع وضعه في هذا المنصب، بينما كان قبل ذلك مختلفا في أمر عبادته ومحافظته على صلاته على سبيل المثال.

من أمثلة التلوّن

ومن الأمثلة؛ شاب حينما يكون بنفسه غير مرتبط بأحد يختلف في عنايته بقراءة القرآن أو عنايته بالذكر أو عنايته بصون اللسان عن الفحش فهو يرقب ربه في كل هذه الأمور، فإذا ما سار مع رفاق يحلو لهم أن يميّعوا الدين ويحلو لهم أن ينتهكوا الحرمات في سفر من الأسفار أو في دراسة من أنواع الدراسة أو في رحلة من الرحلات أو في أي ظرف من الظروف. فيهملون أمر عبادتهم ويطلقون ألسنتهم بالفحش وينظرون الى ما حرم الله الى غير ذلك من الأمور، منتهكين للحرمات، فلا يرى لنفسه ضرورة في أن يتمسك بما كان متمسكا به من قبل من محافظته على عبادته وصونه للسانه عن الحرام وبعده عن الشر ونأيه عن الفساد. بل يرى بأن قمة الصواب أن يساير أخوانه ورفاقه في مخالفة أمر الشرع ولو وصل ذلك الى هدم دينه لأن هذا هو الذي يقتضيه الظرف.

وأيضا قد يمضي مع أناس في وقت من الأوقات لا يصلون ولا يؤدون الصلاة ويمر وقت الصلاة ولأنهم لا يؤدون الصلاة لا يجترئ في أن يظهر بأنه من المحافظين على الصلاة فيفوت وقت الصلاة كما فوتوه تكبرا وانتهاكا للحرمات هكذا يقلدهم ويسايرهم في ذلك وكأنه واحد منهم ويظن بأن فعله هذا هو الصواب بينما الصواب أن هذا هو قمة الخطأ هذا هو تمييع الدين هذا هو الوهن في الدين هذا هو الخذلان -عياذا بالله.

الواجب على الناس فعله

ويضيف: هذه العلاقة التي أقمتها في أمر دينك في الحقيقة لا تتعلق بأحد من البشر أبدا لا تتعلق بأبيك ولا بأمك ولا بزوجك ولا بأخيك ولا برئيسك في العمل ولا غيرهم انها علاقة خاصة بينك وبين الله، هذه لا يسأل عنها أحد انت الذي تسأل عنها ولا يثاب عليها منهم أحد ولا يعاقب عليها منهم أحد بل انت الذي تثاب عليها وانت الذي تعاقب على إهمالها فلماذا لا تستشعرون هذه الخصوصية لهذه العلاقة؟ لماذا تخضعها لأهواء الناس ورغباتهم ولمطامعهم وإراداتهم وهي شيء خاص بك انت؟

هنا يبرز دور القوة في أمر الدين الذي امرنا الله تعالى أن نكون عليه: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) الله جل وعلا يريد من أنبيائه ويريد منا نحن كذلك أن نتعامل مع أمر الدين بجدية وبحسم وبصبر وباجتهاد وبعناية ولا نتعامل معه بتمييع ولا بإهمال ولا ترخّص ولا توسّع فيما لم يوسعه الشرع. هذا الأمر هو الذي يجب على الناس فعله.

وهنا أمر لا بد أن ينبه عليه وهو أن الكلام الذي أعنيه بعيد تمام البعد عما قد يتخيله بعض الناس من أمر التشدد في الدين نحن لا نتكلم عن أمر التشدد في الدين فإنه أمر مذموم، الشرع لا يقرّه والتشدد في الدين هو التعاطي بمبالغة وإفراط فيما يتعلق بأوامر الدين سواء من حيث العبادات أو غيرها من الأمور.

والشرع يبين لنا بأن الدين متين ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه أي لن يتعامل مع أوامر الدين أحد من الناس بتنطع وغلو إلا صرع ولن يستمر ولن يكتب له بقاء على ما هو عليه لأن الدين دين سمح يسير في كل شيء في عقيدته وفي عبادته وفي عبادته وفي أخلاقه.

هذا الأمر الذي أذكره من أخذ الدين بقوة بعيد تمام البعد عما قد يتصوره البعض أو يلتبس عليه فيما يتعلق بأمر التشدد، لا، أمر التشدد أمر مذموم وإنما نعني بذلك أن يكون الإنسان جديا فيما يتعلق بالتعامل مع أمر الدين جديا فيما يتعلق بالتعاطي مع أحكامه يستشعر المسؤولية تجاه هذه الأحكام ويعمل وفقها.