أفكار وآراء

القمة العربية .. وضرورة وضع حد للخلافات بين الأشقاء !!

27 فبراير 2018
27 فبراير 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ عهد استقلال الدول الوطنية في العالم العربي والأحداث السياسية الكبري تعصف بالأمة العربية، ولعل زرع الكيان الإسرائيلي في قلب الأمة العربية كان هو الهدف الاستراتيجي للغرب الاستعماري والصهيونية العالمية في تعطيل نهضة الأمة العربية وإدخالها في أتون الحروب والصراعات وغياب الفكر المتجدد وسيطرة فكرة الانقلابات في أكثر من دولة عربية لعل أشهرها في سوريا والعراق واليمن.

ومع دخول الدول العربية في مناخ الخلافات الصعبة خاصة بعد أحداث عام 2011 أو ما سمي بالربيع العربي أصبحت الانقسامات والحروب الأهلية والأزمات المتعاقبة وإهدار ثروات الأجيال والتراشق الإعلامي هي السمة السائدة في المشهد العربي، فهناك الحروب الأهلية وهناك الأزمة الخليجية، وهناك الدور السلبي للإعلام العربي، وهناك الخطر الداهم الذي يتهدد الأمن القومي العربي وهناك قضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية التي تمر بأخطر مراحلها، والسؤال الآن: ما المخرج من كل هذه الأزمات عند قرب عقد القمة العربية القادمة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية الشقيقة.

الإرادة السياسية

في ظل الوضع العربي الصعب ورغم الاشتباك السياسي والعسكري والإعلامي بين كثير من العرب تظل هناك آمال في أن ينهض العرب من سباتهم، ويستشعروا الأخطار المحدقة بالأمة العربية ويتوصلوا إلى قناعات سياسية بأن استمرار الأوضاع المتدهورة الحالية سوف تضر بأمن واستقرار الدول العربية، وتعرض بعضها إلى خطر التقسيم، ومن هنا فإن قمة الرياض القادمة المقرر لها في شهر مارس القادم، تعد من القمم الحاسمة التي تحتاج من القيادات العربية إرادة سياسية وقرارات حاسمة تنهي معها الخلافات والأزمات الحالية.

إن الخلافات في العلاقات بين الدول هي أمر طبيعي، وهناك خلافات سياسية واقتصادية بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهناك خلافات عميقة بين الصين واليابان، وهناك الخلافات الأكبر بين الولايات المتحدة وروسيا، ومع ذلك تكون طاولة الحوار هي الخيار الأسلم. ومن هنا ندعو القادة العرب إلى أن يتجهوا في القمة القادمة إلى محاصرة تلك الخلافات، والتصميم علي الخروج بقرارات حاسمة، تعيد الدفء للعلاقات العربية - العربية، وأن تكون هناك إرادة سياسية تضع مصلحة الأمة العربية وشعوبها فوق كل اعتبار بحيث تتفرغ الأمة لاستغلال مقوماتها الطبيعية ومواردها البشرية الكبيرة لصناعة المستقبل.

فالأرقام تقول إن التكامل الاقتصادي العربي في حال تحقق يصبح العرب القوة الاقتصادية الرابعة في العالم، وينهض المشروع العربي النهضوي وتنطلق الأمة العربية نحو آفاق التقدم والتنمية المستدامة بعيدا عن الأزمات والاحتقان السياسي والحروب.

القمة العربية القادمة في الرياض تعد من القمم التي يعول عليها، خاصة مع استشعار ضرورة الخروج من الأوضاع الراهنة التي يريد أعداء الأمة استمرارها. فالعرب مستهدفون من قبل قوى إقليمية ودولية خاصة الكيان الصهيوني وأدواته في الغرب، ومن هنا فإن المسؤولية التاريخية تحتم أن يكون هناك وعي قومي بالمخاطر بالمحيطة بالأمن القومي العربي.

إن استنزاف الموارد وتعميق الخلافات بين الأشقاء هو مقدمة للتقسيم إلى دويلات ضعيفة متناحرة علي أسس عرقية ومذهبية وطائفية، ولعل النموذج العراقي يعد شاهدا علي ما قامت به الولايات المتحدة بعد احتلالها للعراق عام 2003 وحولت هذا البلد العربي العملاق اقتصاديا واستراتيجيا وبشريا إلى نموذج يتقاتل فيه أبناء البلد الواحد حتي وصل الحال بالعراق وهو البلد الغني إلى ما هو عليه اليوم بعد أن أثرت عليه الحروب.

هذا النموذج العراقي والسوري والليبي واليمني هي نماذج صارخة علي ما نقول، ومن هنا فإن الأزمة الخليجية، ربما أريد لها أن تصل إلى حد إشعال صراعات في المنطقة بحيث يتم استنساخ النماذج التي تمت الإشارة لها، ومن هنا فلا بد من توحيد الجهود العربية ونسيان الماضي بكل خلافاته، فالأمم الحية عندما تستشعر الخطر تتحد في اتجاه العمل لتحقيق الأهداف القومية الكبري والشروع في تصحيح المسار السياسي.

الدور المصري المحوري

وعلي ضوء تلك المحددات السياسية والوضع العربي الراهن يبقي الدور المصري المحوري هاما وحيويا في هذه المرحلة التي تحتاج إلى ثقل مصر العربي والدولي كدولة محورية في الشرق الأوسط ذات دور قومي على مدى سنوات من التضحيات المصرية منذ عام 1948، ومن هنا فإن قيادة مصر للمشهد العربي لا بد أن تتجسد ثانية مع بقية الدول العربية من خلال رؤية متكاملة تطرح في قمة الرياض العربية، وأن تكون هناك مصارحة وشفافية في الطرح، والابتعاد عن الخصومات الوقتية والشخصية التي لا مكان لها في عالم اليوم الذي يتسم بالقوة والاندفاع نحو تحقيق المصالح في الشرق والغرب على حد سواء.

العالم العربي في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه الحديث، وفي ظل متغيرات حاسمة في مجال العلوم والتقنية واندفاع الأجيال الجديدة نحو التغيير والتجديد، وفي ظل تداول المعلومات والإعلام الرقمي تحتاج إلى نمط جديد من التفكير والاندفاع نحو التنمية الفكرية والاعتماد علي الابتكار والدفع بالأمة نحو الأسس الحضارية التي يعيشها العالم، ومن هنا فإن الدور المصري يعول عليه في هذه المرحلة، كما كان في مراحل حاسمة، حيث ثورة التنوير والعلم والإشعاع الفكري والوسطية في العالم الإسلامي من خلال الأزهر الشريف.

إن قمة الرياض العربية في الشهر القادم تحتاج إلى وقفة عربية صادقة وتحليل دقيق للأوضاع العربية، وتصميم وإيمان من القيادات العربية بأن الوضع الحالي لا بد من تغييره إلى مسار عربي جديد قوامه المصالحة وتصفية النفوس والانطلاق نحو رسم استراتيجية عربية في مجال التكامل الاقتصادي والزراعي وفي مجال النقل البري والسوق العربية المشتركة، وحل كل الخلافات من خلال الحوار والتفرغ للقضية المركزية العربية، وهي القضية الفلسطينية التي تحتاج إلى وقفة كبيرة من الأمة العربية علي الصعيدين الشعبي والنظام العربي الرسمي، ومن هنا فإن القمة العربية في الرياض، تعد قمة مفصلية قياسا علي المشكلات المعقدة بين العرب، وعلي ضوء التحديات والأخطار التي تواجه الأمة العربية دولا وشعوبا.

نحو قوة عربية فاعلة

العرب ومن خلال القدرات المهمة التي يمتلكونها يستطيعون أن تكون لهم كلمة على الصعيد الدولي، وأن يستمع لهم العالم من خلال تكتل سياسي عربي، تنشط من خلاله مصر ودورها القومي العربي، وهناك أيضا ضرورة تنشيط دور الجامعة العربية، من خلال إعادة هيكلتها وإعطائها الزخم السياسي وإجراء تغيير في ميثاقها، بحيث يتماشى مع التطورات والمتغيرات التي شهدها العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، ومن هنا فإن محاور القمة لابد أن تركز أولا على حل المعضلات القائمة، ثم المحور الآخر هو النظر بعمق نحو المستقبل للأمة العربية وشعوبها التي تتطلع إلى تغييرات جذرية في كل مجالات الحياة.

إن العرب بحاجة ماسة إلى تغيير نمط تفكيرهم، وأن ينظروا إلى التكتلات والتجمعات في آسيا وأوروبا، وكيف أصبحت دول الآسيان من خلال التركيز علي ما يجمعهم من مصالح والبعد عن السلبيات وحل الخلافات بالطرق الحضارية من خلال الحوار، وهذا بلا شك يعطي العرب نماذج موجودة، حققت خلال أقل من نصف قرن قفزات في مجال التطور الاقتصادي والصناعي والعلمي رغم افتقار تلك الدول للثروات الطبيعية، فكان الفكر الإداري المتطور والإرادة السياسية، والاعتماد على العقول أهم الأدوات التي أوصلت اليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا والهند إلى هذا التفوق النوعي.

والعرب أمامهم فرصة تاريخية للانطلاق نحو الأفق الحضاري المتطور ولديهم الأدوات والإمكانات ليصبحوا كتله اقتصادية مهمة في العالم يشار لها بالبنان فقط هناك حاجة إلى التخلي عن الأنانية السياسية والأنا، والعمل على لم الشمل والإحساس بالأخطار الداهمة على أمن الدول العربية، فالمتربصون بمقدرات الأمة موجودون، والكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من هذه الحالة العربية المزرية، علاوة على القوى الكبرى التي تريد استنزاف مقدرات الشعوب العربية من خلال عرقلة السلام والمساهمة في استمرار الأزمات بين الدول العربية، ومن هنا فإن الأمل كبير في القمة العربية القادمة في الرياض بأن يستشعر القادة العرب كل تلك الأخطار، وأن يفتحوا صفحة جديدة من نسيان الخلافات والانطلاق بالتعاون والتكامل العربي-العربي، إلى آفاق أرحب وأفضل لتستعيد الأمة العربية المكانة التي تستحقها بين أمم العالم المتقدمة والمتحضرة، وتستعيد تاريخها المشرق.