1260715
1260715
المنوعات

توفيق صالح نزع قداسة النص وحوّله لقول خاضع لجدلية الحياة والتاريخ

26 فبراير 2018
26 فبراير 2018

عبدالله حبيب قارئا فيلم «المخدوعون»:-

«عُمان»: قدم الشاعر والسينمائي عبدالله حبيب مساء أمس الأول قراءة نقدية في فيلم «المخدوعون» للمخرج توفيق صالح وذلك ضمن فعاليات اللجنة الوطنية للشباب في معرض مسقط الدولي للكتاب. وفيلم «المخدوعون» مأخوذ عن رواية الكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني «رجال في الشمس».

في البداية تحدث عبدالله حبيب عن العلاقة الخاصة التي ربطت بين غسان كنفاني وتوفيق صالح وعمان والعمانيين؛ فالأول كان من أوائل الكتاب العرب الكبار الذين انتبهوا إلى شخصية المهاجر العماني قبل عام 1970، حيث إن كنفاني كان يعمل في الكويت وكان يرقد في المستشفى بصورة متكررة بسبب اعتلال صحته نتيجة لإصابته بمرض السكري، وفي إحدى تلك الترقيدات تعرف إلى مريض عماني في المستشفى الأميري كان يجاوره على سرير المرض، وقد نشأ بينهما تعارف ومودة وأحاديث تعرف فيها كنفاني إلى الظروف المعيشية والسياسية الصعبة التي كان العمانيون يعانون منها في ذلك الوقت مما يدفعهم للهجرة والبحث عن لقمة كريمة للعيش في دول الخليج، مما جعله يرى في المهاجر العماني مرآة للتشرد الفلسطيني. وقد تأثر كنفاني كثيراً بموت جاره العماني في جناح المستشفى فكتب قصة قصيرة بعنوان «موت السرير رقم 12» يستذكر فيها قصة ذلك المهاجر ويبني عليها أدبيا، وقد أصبح عنوان تلك القصة عنوانا لإحدى مجموعات كنفاني القصصية. أما توفيق صالح فقد كان يعمل أستاذا في المعهد العالي للسينما في القاهرة عندما بدأ برنامج البعثات الدراسية العمانية بعد عام 1970، وبذلك فقد أصبح أستاذا للجيل الأول من الطلبة الذين ابتعثوا لدراسة الإخراج في مصر تمهيدا لافتتاح التلفزيون العماني. ثم زار صالح السلطنة ضيفا على إحدى دورات مهرجان مسقط السينمائي الدولي حيث عرض فيلمه «المخدوعون» للمرة الأولى في السلطنة.

وأوضح عبدالله حبيب انه يعمل على كتاب عن الفيلم والرواية، وإنّ ما سيقوله سيكون تلخيصا لإحدى النقاط التي يتعرض لها، قائلا: إن القراءات النقدية للعمل الروائي واقتباسه السينمائي قد ركزت على القراءة الرمزية حيث اعتبرت أن شخصية أبو الخيزران تمثل القيادة الفلسطينية. أما مروان، وأسعد، وأبو قيس فهم يمثلون شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني فمنهم من عايش النكبة ومنهم من جاء بعد ذلك.

وأضاف إن المخرجين والنقاد السينمائيين قد اهتموا بمسألة التحويل السينمائي للعمل الأدبي، فبيلا بالاز يعتقد أن الأعمال الأدبية المؤهلة للأفلمة هي الأعمال «المتواضعة». أما سيغيفريد كراكاوار فقد رأى بواقعيته السياسية اليسارية أن أفلمة العمل الأدبي ممكنة فقط حين يكون المضمون الروائي متجذراً في الواقع الموضوعي، وليس في التجربة العقلية أو الروحية. ويقترح أندريه تاركوفسكي أن ليس كل الأعمال الأدبية قابلة للتحويل إلى الشاشة من حيث إن بعض الأعمال الأدبية لديها كمال خاص يصل لدرجة القدسية، ولذلك فإن من لا يبالي فعليا بالنثر البديع وبالسينما يمكن أن يتصور تحويل تلك الروايات إلى أفلام.

وشرح حبيب أن استراتيجية السرد في الرواية على ثلاثة أصوات رئيسة، فالصوت الأول هو صوت ضمير الغائب بلسان الراوي، والصوت الثاني هو الاسترجاع (الفلاشباك) الذي يستثيره لدى الشخصية موقف أو مفردة في سياق السرد بصيغة الحاضر الذي يقوم به الراوي. وأوضح ان الصوت الثالث ينبثق عندما يختلط صوت الراوي بصوت الشخصية على نحو يتيح للقارئ التعرف إلى شذرات من الأحداث والمواقف في تاريخ الشخصية، بحيث لا يعمد المؤلف إلى الفصل الدقيق والصارم بين صوت الشخصية وصوت الراوي. وقد ضرب أمثلة من الرواية على تلك الأصوات الثلاثة.

أما اقتباس توفيق صالح السينمائي للرواية القصيرة فقد اعتمد نفس الاستراتيجية، وإن كانت طبيعة اللغة السينمائية قد جعلت صوت الاسترجاع وقفا على الشخصية وحدها وليس الشخصية والراوي معا. وأضاف إنه لا يتفق مع إجماع النقاد على أن الفيلم يتبع الرواية بصورة كاملة إلا في موضوع طرق جدار الخزان، محددا أن هناك ستة عناصر تجعل الفيلم يختلف عن الرواية وهي عنصر التكثيف بالحذف والاختزال، وعنصر الإضافة، وعنصر التحوير، وعنصر التأويل، وعنصر التجسيد الصوتي والبصري، وعنصر إعادة بناء شخصية مروان التي قال إنها تختلف بصورة جذرية في الفيلم عنها في الرواية.

وعن جانب اختلاف الفيلم عن الرواية في انه في الثاني قرعت الشخصيات جدار صهريج شاحنة الماء بينما تتساءل شخصية أبو الخيزران في الرواية عن سبب عدم قرع جدار الخزان استعرض حبيب جملة من الأطروحات حول السؤال، مشيرا الى ان النظر إلى هذا الأمر يجب أن يتم في ضوء المعطيات الزمنية، والتاريخية، والسياسية، والعسكرية الخاصة بسيرورات وصيرورات متشابكة هي تاريخ الرواية، وتاريخ الفيلم، وتاريخ حركة المقاومة الفلسطينية. وقال انه ينحاز في هذا الجانب إلى رأي الناقدة الأمريكية باربارا هارلو التي تشير إلى انقضاء ثماني سنوات بين تاريخ نشر الرواية في 1963 وتاريخ صنع الفيلم في 1971. وقد شهدت تلك السنوات أحداثا ومعطيات مهمة تتمثل في انه سنة نشر الرواية كانت المقاومة الفلسطينية المُنَظَّمَة للاحتلال لا تزال حلماً غير متحقق، وذلك حتى العام 1964 الذي أنشئت فيه حركة المقاومة الفلسطينية بصورة تنظيمية رسمية، ثم شن منظمة «فتح» أولى عملياتها العسكرية في يناير من العام 1965، ثم جاءت نكسة حزيران من العام 1967، وقد أعقب ذلك تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذات البرنامج الفكري والسياسي الراديكالي، والتي انضم إلى عضويتها غسان كنفاني ليصبح الناطق الرسمي باسمها ورئيس تحرير مجلتها (الهدف)، ثم وقوع «معركة الكرامة» في 21 مارس 1968 والتي كان لنتائجها صدى معنوي وأخلاقي كبير لدى المقاتلين الفلسطينيين الذين أيقنوا انه من الممكن إلحاق الهزيمة بالعدو عسكرياً على الرغم من تفوقه العتادي والجهوزي، ثم مجازر أيلول الأسود في العام 1970، وبعد ذلك خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن في 1971، ثم انجاز فيلم «المخدوعون» في 1972 بعد تلك الوقائع التاريخية الجسيمة. وبذلك فإنه من المستحيل بالنظر إلى هذه الوقائع والتواريخ أن تموت الشخصيات الفلسطينية الثلاث في الفيلم من دون ان «تقرع الخزان» في فعل احتجاج ومقامة، وهذا ما كان ملتبساً في الرواية. وفي هذا أوضح حبيب أن ما قام به توفيق صالح في الأفلمة هو «نزع قداسة النص» وتحويله الى قول خاضع لجدلية الحياة والتاريخ، وبذلك فإن عملية الأفلمة في هذه الحالة تتجاوز كونها مجرد حالة نقل ميكانيكي وترديد ببغائي للنص الأدبي الأصل، حيث إنها تصبح فعلا خلاقا يتواشج مع السرد الوطني والسياسي الذي يقوم به الشعب الفلسطيني بالدم واللحم في ميدان الفعل المباشر في سياق الحراك التاريخي، ولذلك فإن ما قام به توفيق صالح في أفلمته لرواية غسان كنفاني هو فعل قراءة نقدية تدور وفقا للممارسة الجدلية للنص والحياة معاً. وبذلك فإن المُخرج هنا وفيٌّ للنص بالمعنى الجواني العميق للكلمة، وليس بالمعنى البرّاني الذي يقتضي الانصياع الجامد والولاء الخارجي الأخرس، وذلك من حيث إن الاقتباس هنا يقر بحق النص الأصل ويسعفه في الحياة والتجدد بفعل البشر الذين يصنعون التاريخ وليس وفقا لأية نواميس أخرى، إذ إن التاريخ عبارة عن حركة ديناميكية متواصلة ومستمرة.

وقد كرس عبدالله حبيب بقية ورقته لشرح رأيه في شخصية مروان في الفيلم مؤكدا أنها تختلف عنها جذرياً في الرواية، فهي شخصية تنضج بسرعة ولا تكون رحلتها رحلة البحث عن الخلاص بالمعرفة، وإنما الخلاص بالموت. وبعد ذلك جرى حوار بين الحاضرين ومقدم الورقة.