أفكار وآراء

توفير فرص العمل .. وضرورة تعاون كل الأطراف !!

24 فبراير 2018
24 فبراير 2018

د. الطيب الصادق -

تقع مسؤولية توفير فرصة العمل على عاتق جميع أطراف العمل الثلاثة الحكومة وأصحاب الأعمال من القطاع الخاص والباحثين عن العمل من الموطنين لإيجاد فرص عمل مناسبة ، تساهم في تقليل نسبة الباحثين عن عمل، وبالتالي تصب في زيادة الإنتاج التي ترفع معدلات النمو الاقتصادي تلقائيا ولذلك يختلف دور كل عنصر من العناصر الفاعلة لأطراف العمل الثلاثة لكنهم يتفقون جميعا على المسؤولية في إيجاد الفرص المناسبة.

حكومة السلطنة من خلال مؤسساتها المختلفة تولي أهمية كبرى لموضوع الباحثين عن العمل وبذلت جهودا كبيرة في هذا الإطار والتي انعكست بالإيجاب في توفير فرص عمل للمواطنين تناسب مؤهلاتهم، وهذا الاهتمام جاء تجسيدا لرؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- لرعاية الشباب العماني وتنمية قدراتهم، والاستفادة من طاقاتهم للإسهام بفاعلية في مسيرة التنمية الشاملة ، وهو ما ترجمها مجلس الوزراء الذي قرر توفير 25 ألف فرصة عمل للقوى العاملة الوطنية الباحثة عن عمل كمرحلة أولى في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، كما عكستها موازنة السلطنة لعام 2018 من خلال الحفاظ على مستويات المصروفات بدون تخفيض ، بما يعزز عملية التنويع الاقتصادي، ويؤدي إلى زيادة معدلات التشغيل ، وتدعيم التنمية الاجتماعية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو يؤكد علي أن الدولة - رغم التحديات التي تواجهها- تضع نصب عينها وضع الخطط المناسبة وتهيئة الأرض لاستقطاب القوى العاملة الوطنية ، وإيجاد البيئة والمناخ المناسب لتوفير فرص العمل فضلا عن الاستمرار في دعم هذا النهج لاستيعاب المزيد من الباحثين عن العمل وفق اسلوب ممنهج وتخطيط ثاقب، والعمل مع القطاع الخاص في تحمل المسؤولية الوطنية في مجال التشغيل، وتوفير بيئة العمل الجاذبة للعمانيين لذلك تهتم الدولة بالتعمين وتعطي الأولوية القصوى في برامجها ومشاريعها لإحلال العمالة الوطنية بدلا عن الأجنبية. جهود الحكومة لم تتوقف باتخاذ القرارات ووضع الخطط الداعمة لتوفير فرص العمل لكنها عملت على تهيئة البيئة التشريعية والقانونية، والاهتمام بالمؤسسات التعليمية الحكومية، والعمل على تقديم مخرجات تعليمية تناسب سوق العمل، وتحفيز القطاع الخاص، وغيرها من الخطوات التي اتخذتها في موضوع الباحثين عن سوق العمل، ومن خلال النظر لهذه الجهود يتضح أن الحكومة لم تكتف بالإجراءات التي أقرتها ، بل إنها مستمرة في توفير فرص العمل وتدعو الشباب للتفاعل معها وهنا يشير إلى عدم تخلي الحكومة عن المواطنين، وتركهم بدون توفير الأمان الاجتماعي، ولعل هذا المنهج ينبثق من الإطار العام للسياسة التي تنتهجها السلطنة من خلال ترسيخ دورها كوسيط نزيه وطرف محايد، مع العمل على استجماع الإمكانات العمانية، والابتعاد عن الخلافات التي تعصف بالمنطقة، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وهي عوامل ساهمت في تحقيق الأمن والاستقرار في السلطنة، وهذه من أهم العوامل التي يرتكز عليها الاقتصاد، ليحقق النمو المطلوب ويوفر فرص العمل للمواطنين.

وفي ظل هذه الجهود تواجه السلطنة، العديد من التحديات الاقتصادية أهمها استمرار أسعار النفط في المعدل المنخفض، بالمقارنة بأسعاره قبل 2014 ، وهو ما يعد التحدي الأكبر لأنه يساهم بنسبة كبيرة في زيادة الموارد المالية للدولة ، كما أن العجز الذي تواجهه الموازنة العامة للدولة يعد من التحديات التي تقلل من فرص العمل ، لأنها تضغط على الحكومة في إيقاف هذا العجز . ولكن تحقيق نسب نمو معتدلة عملت على خفض العجز في الموازنة ، لتحتل المرتبة الـ34 عالميا بين الدول الأقل ديونا نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك ضمن مؤشر التنافسية العالمية 2017- 2018 بنسبة ديون بلغت 34.3% للناتج المحلي ، وهو ما يعزز من توفير فرص العمل في حالة السيطرة على أعباء هذه الديون ، سواء من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية أو زيادة الموارد الاقتصادية من القطاعات الإنتاجية غير النفطية، وخاصة القطاعات الرئيسية التي يتصدرها التصنيع ، لأن إيجاد فرص العمل ليس بالأمر اليسير، حيث يعد نتاجا طبيعيا ووجها خلفيا لانتعاش الاقتصاد.

وبالنسبة للقطاع الخاص، فهو يتحمل المسؤولية ، بنفس النسبة التي تتحملها الحكومة ، لأن القطاع للخاص هو الشريك المهم للقطاع الحكومي، ولذلك عليه نفس الواجبات والالتزامات. وبالتالي لابد من التنسيق والتعاون مع الحكومة ، في توفير فرص العمل من خلال المشروعات التي يطلقها ، لكي يحصل التناغم بين جميع الأطراف حيث يتميز القطاع الخاص بجلب التكنولوجيا الجديدة والتطور السريع ، بشكل متزايد ، لمواكبة كل ما هو جديد فضلا عن صقل المهارات المكتسبة للعاملين، وهو ما يجعل القطاع الخاص، مميزا في العديد من الأدوات التي يستخدمها، وعملت الحكومة على تغيير الصورة الذهنية عن القطاع الخاص وجعله جاذبا للوظائف، خاصة بعد العديد من الإجراءات التي اتخذتها وزارة القوى العاملة لاستقطاب القوى العاملة العمانية ، للعمل في شركات ومؤسسات القطاع الخاص، ومنها تطوير برامج تفتيش العمل وزيادة الحد الأدنى للأجور للحد الأدنى من المهارات إلى 325 ريالا عمانيا شهريا، وتوحيد الإجازات الأسبوعية والرسمية للعاملين في القطاعين العام والخاص، وبرامج التدريب والتأهيل (الصندوق الوطني للتدريب)، وتحسين مزايا التأمينات الاجتماعية، وتطوير منظومتي التعليم التقني والتدريب المهني، إضافة لمشروع مراجعة وتحديث قانون العمل لتنعكس هذه الإجراءات بالإيجاب علي توفير فرص العمل بشكل عام، وامتصاص معدلات البطالة التي من المتوقع أن تنخفض في الفترة المقبلة، حيث كشفت الإحصائيات أن هناك 232 ألفًا و927 مواطنا ومواطنة يعملون حتى نهاية نوفمبر من العام الماضي في 201 ألف و440 منشأة في القطاع الخاص، بنسبة تعمين تبلغ 12% من إجمالي عدد العاملين في القطاع البالغ عددهم مليونا و936 ألفًا و64 عاملا وهي نسبة تسعى الحكومة لزيادتها في الفترة المقبلة وتعظيمها.

وإذا كان على الحكومة والقطاع الخاص مسؤولية في توفير فرص العمل، فإن الباحثين عن العمل عليهم جزء كبير من المسؤوليات، التي تتضمن عدم الاكتفاء بالتعليم التقليدي، الذي يتلقاه الدارس في الجامعات، ولكن يجب عليه أولا أن يدرس سوق العمل جيدا ، ويعرف احتياجاته ومتطلباته ، ليوظف كل مهاراته التي يكتسبها في مجال محدد يحتاجه سوق العمل، لذلك نجد العديد من مخرجات التعليم لا تناسب الوظائف الشاغرة والتي يحتاجها سوق العمل . فهناك عجز في عدد من الوظائف وفي الجانب الآخر هناك مخرجات تعليم لا تجد فرصا في تخصصاتهم، وهي إشكالية متقاسمة بين الحكومة والطلاب، لأن تطوير الكليات وتوفير تخصصات معينة يحتاجها سوق العمل يساعد كثيرا في تنظيم سوق العمل ، ويلبي متطلبات القطاع الخاص، بتوفير احتياجاته من القوى العاملة ، وهذه الإشكالية تجعله يستقطب القوى العاملة الأجنبية حاليا، لأنها غير متوفرة محليا تقريبا . ولذلك يجب على المواطنين الباحثين عن عمل أن يدركوا أن هناك منافسة قوية بين القوى العاملة الوطنية، والقوى العاملة الوافدة، نظريا على الاقل، لذا يجب الاهتمام بصقل مهاراتهم، وتطوير الأدوات التي يستخدموها للحصول على فرص عمل أفضل، والتخلي عن فكرة ان الحكومة هي المشغل الأول لهم، كما أصبحت المميزات والتفضيلات متقاربة بين وظائف القطاع الحكومي والخاص لأن العديد من المواطنين يفضلون الحصول على وظيفة بالقطاع الحكومي، وهي نظرة قاصرة ، خاصة بعد أن عملت الحكومة على تشجيع القطاع الخاص ورفع مسؤوليته في تحمل التحديات مع القطاع الحكومي وتحفيزه، كما يجب محو إشكالية عزوف المواطنين الباحثين عن عمل عن بعض المهن، التي لا تحظى بالنظرة الإيجابية من المجتمع بشكل او بآخر.

وأخيرا فإن توفير فرص العمل ليس بالأمر اليسير كما يظنه البعض رغم أنه هدف رئيسي للجميع يضمن الاستقرار الاجتماعي للمواطنين لكنه يتطلب في الأساس توسيع الاقتصاد وزيادة معدلات نموه واستقطاب الاستثمارات الجديدة. ولذلك يعد التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لدفع معدلات النمو للأمام، وجذب الاستثمارات، وتنويع الاقتصاد من أهم المرتكزات، التي تساهم في توفير فرص عمل للمواطنين ، وتعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل، في ظل استخدام التكنولوجيا الحديثة.