1257570
1257570
إشراقات

د. كهلان: صلتنا بإبراهيم الخليل صلة وثيقة والله أمرنا باتباع ملته لمعاني نحتاج إليها في واقعنا

22 فبراير 2018
22 فبراير 2018

الانقياد التام والطاعة المطلقة لله عز وجل في أظهر تجلياتها.. ارتقت به ليكون خليلا لله -

نواميس الكون وقوانينه.. وسيلته في دعوته لقومه وترسيخ الإيمان في قلوبهم -

كتب: سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن الله تبارك وتعالى أمرنا باتباع ملة أبينا إبراهيم عليه السلام لمعاني نحتاج إليها ونستفيد منها في واقعنا وأن هناك أمرين اثنين يؤكدان أحقيتنا نحن المسلمين في اتباع ملة إبراهيم الخليل عليه السلام يتعلق الأول بالإيمان والعقيدة، والأمر الثاني يتعلق الاستسلام والانقياد والطاعة لله سبحانه وتعالى. وأنه لا يمكن لأحد من البشر أن يرقى أن يكون خليلا لله تبارك وتعالى بعد إبراهيم عليه السلام وبعد خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن يمكن أن يكون وليا لله تبارك وتعالى.

وقد تبوأ عليه السلام هذه المنزلة وجُعل ما تركه ميراثا للأنبياء والرسل من بعده لأنه يرسي هذين الأمرين. مبينا أن الخالق سبحانه وتعالى قنّن الظواهر من حولنا وسنّ أنظمتها وجعلها منضبطة دقيقة. وقد دعا إبراهيم عليه السلام قومه إلى جعل هذه القوانين وهذه الآيات في هذا الكون معززة لرسوخ الإيمان ووسيلة لإثبات الإيمان بالله تبارك وتعالى. مؤكدا فضلته أن كل عبادة أمرنا بها الله تبارك وتعالى انما هي لمصلحتنا نحن، لنفعنا أو لدفع الضر عنا، في عاجل امرنا أو في آجله، وهذا ما يقرره إبراهيم عليه السلام وهو الانقياد التام والطاعة المطلقة لله عز وجل في اظهر تجلياتها وأيسر طرقها، ووسائلها.. جاء ذلك في ثنايا محاضرة فضيلته التي ألقاها في الكلية العالمية للهندسة والتكنولوجيا ببوشر تحت عنوان: «مع خليل الرحمن عليه السلام».. نص المحاضرة نوردها في السطور التالية:

بيّن فيها فضيلته أن ميراث إبراهيم الخليل عليه السلام شديد الصلة، وثيق العرى بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. فالحق سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) ولذلك فالمسلمون هم أولى الناس بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وان استحقاقنا كمسلمين بأن نكون أولى الناس بإبراهيم تترتب عليه نتيجة وهي أن نكون من أولياء الله تبارك وتعالى وذلك بدليل قوله سبحانه: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ). لذلك فإننا بحاجة إلى أن نتعرف على ميراث سيدنا إبراهيم الخليل وعلى ما اشتملت عليه دعوته وعلى مواقفه عليه السلام حتى نتمثلها لأننا أولى به وحتى تكون العاقبة (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).. مشيرا إلى أن ما نجده في ديننا من اليسر والسعة والاعتدال وهو الصراط المستقيم يؤكد الصلة القوية بملة سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي رفع عنه العنت والعسر المشقة بنص القرآن الكريم: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

وأضاف: علينا أن نعلم أن هذا الكتاب العزيز لنا جميعا وليس صحيحا انه خاص بجيل تقدم ومضى وانقرض أو أن الذين يستطيعون أن يتدبروا في معانيه أو يستلهموا منه الآيات والعظات والعبر والدروس إنما هم أولئك الراسخون في العلم، وأما نحن فحسبنا منه أن نتبرك بقراءته وأن نطرب لسماع صوته.. لذلك فإن هذا المفهوم يجب أن يصحح وأن يعلم كل واحد منا أن خطاب الله تبارك وتعالى موجّه له وهو جدير بأن يستلهم منه المعاني وأن يتدبر فيه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، وقد يظن ظان أن هناك حاجزا بينه وبين القرآن الكريم لا يسمح له أن يحقق هذه الغاية وأن يستلهم المعاني، لكن هذا الحاجز متوهّم غير صحيح.

وأشار إلى أن الكثير من الآيات التي تبين صلتنا بإبراهيم عليه السلام، وهناك أيضا أمر صريح للأمة - حتى لا يقال أن هذا الأمر خاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم - فالحق سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، اذن نحن أمرنا أمرا صريحا في كتاب الله عز وجل باتباع ملة إبراهيم وأصل ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الدين الذي وصف في القرآن الكريم بأنه صراط مستقيم حينما قال سبحانه: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

وقال: هل فكرتم يوما لماذا سمي نبينا إبراهيم بخليل الرحمن؟ فكان الجواب: أن ذلك نجده في قول الحق سبحانه وتعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، ولا شك أن كل الأنبياء والمرسلين يشتركون في الاصطفاء والاجتباء وفي انهم أفضل الخلق على الاطلاق، لكننا نتحدث عن مرتبة أعلى وهذه المرتبة يشترك فيها إبراهيم الخليل ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: «إن الله قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا»، اذن فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أيضا مشترك في هذا الوصف مع سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، ولا ريب أن كل الأنبياء والمرسلين هم صفوة الخلق على الإطلاق، والله عز وجل اجتباهم واصطفاهم وفضلهم فهم يشتركون في هذه المنزلة، لكن هناك منزلة أخرى أعلى قليلا هي لإبراهيم الخليل ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى أن «خليل» هي مرتبة أعلى قليلا من مجرد حسن الصلة والصداقة والصحبة، مبينا أن الخليل هو من تثق فيه وتكشف له عن بعض خصوصياتك وأسرارك.

وأشار إلى انه لا يمكن لأحد من البشر أن يرقى أن يكون خليلا لله تبارك وتعالى بعد إبراهيم عليه السلام وبعد خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه يمكن أن يكون وليا لله تبارك وتعالى، ولذلك قال: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)، فهذا هو الأحسن على الإطلاق. وقال بعدها: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) فحينما قال له ربه أسلم، قال: (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) فذلك ما أهّله ليكون خليلا لله تبارك وتعالى. لذلك فان هذا الاصطفاء وهذه المنزلة وما ذكرناه من الابتلاءات والفتن والتمحيص هي من أسباب استحقاق إبراهيم عليه السلام ان يكون خليل الرحمن، وكذلك بالنسبة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلنتذكر هنا ماذا حصل لإبراهيم عليه السلام ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما لم يحصل لغيرهما في ظلال هذا المعنى، نعرف ذلك من خلال الآية الكريمة: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وجاء في سورة النجم: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، وكذلك بالنسبة لنبينا إبراهيم قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).

وأضاف: ان في الآيات التي استعرضتها ستلاحظون امرين: الأول يتعلق بجانب الايمان: (مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، والامر الثاني: يتعلق بالاستسلام والانقياد: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)، (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) إلى آخر هذه الابتلاءات. مبينا أن هناك أمرين اثنين يؤكدان أحقيتنا نحن المسلمين أحقيتنا في اتباع ملة إبراهيم الخليل عليه السلام - مع تنازع سائر الملل بهذه الأحقية كل ينسب إبراهيم اليه – مصداقا لقوله تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).. وهما: الميراث الأول: يتعلق بالإيمان والعقيدة، والأمر الثاني: يتعلق الاستسلام والانقياد والطاعة.

وأشار إلى أن إبراهيم عليه السلام تبوأ هذه المنزلة وجُعل ما تركه ميراثا للأنبياء والرسل من بعده وكان ختم هذا الميراث لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه يرسي هذين الأمرين. فبالنسبة لما يتعلق بجانب الإيمان والعقيدة، مما قرره نبينا إبراهيم: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) حيث أن كثيرا من الناس قد ينحرف عن الدين، ونجد أن أقوى الأسباب الداعية إلى هذا الانحراف هو عدم رسوخ العقيدة، فيأتي المنحرف بشبهات حتى بالله تعالى بربوبيته لهذا الكون ولألوهيته له سبحانه وتعالى، كأن يقال انه لا حاجة إلى إله، وان ما توصلنا اليه من علم كشف لنا حقائق سير هذه الحياة وقوانين هذا الوجود، ومن ذلك هذه المناظرة بين إبراهيم عليه السلام وبين رجل آتاه الله ملكا واسعا عظيما حاج إبراهيم فيما يتعلق بالعقيدة، حيث يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).. مشيرا إلى أن المخاطب هنا هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده، وهو أمر بالغ الأهمية يجب أن نتوقف عنده في هذه المحاجّة بين إبراهيم الخليل وبين الملك.

وأوضح قائلا: ان هذه الظواهر من حولنا الخالق سبحانه هو الذي قنّن قوانينها وسنّ أنظمتها وجعلها منضبطة دقيقة. وهنا إبراهيم عليه السلام يدعو هنا إلى جعل هذه القوانين وهذه الآيات في هذا الكون معززة لرسوخ الإيمان فهي غير متعارضة ولا مناقضة وانما هي وسيلة لإثبات الإيمان بالله تبارك وتعالى الذي أوجد هذه الموجودات والذي سنّ لها حركتها وهو الذي ركّب لنا عقولا ودعانا أن نُعمل هذه العقول في هذه الآيات حتى نصل إلى هذه النتائج. فإتيان الشمس من المشرق ومغيبها في المغرب هو قانون ثابت علميا الكل يشهده، فطالما هناك حركة، وهذه الحركة تخضع لقانون منضبط، فمن الذي أوجد قانون هذه الحركة؟ ومن الذي أوجد مفردات هذا القانون؟ وهنا يقول إبراهيم لهذا الملك: غيّر هذا القانون، وان كان في استطاعتك أن تغير قانون هذه الحركة لتحصل على نفس هذه النتيجة، فافعل.. موضحا أن ما يدّعيه البعض من التناقض بين الإيمان والعلم حلّ بهذا السؤال الذي طرحه إبراهيم عليه السلام على ذلك الذي يناظره، وهكذا بالنسبة لسائر القوانين العلمية كقانون نيوتن وغيره لها موجد فحينما نقول قانون الجاذبية، هل القانون هو الذي أسقط التفاحة من أعلى الشجرة؟ أو أن هناك حدثا حدث فتمكن العلم بعد ذلك بوصف هذه الحركة الدقيقة المنضبطة. وانه كل ما اكتشفنا اكتشافا زاد ذلك في إيماننا وكل ما أثبتت حقيقة علمية رسخ ذلك من إيماننا بالله تبارك وتعالى وزادنا طمأنينة.. (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

اما الأمر الثاني وهو فيما يتعلق بجانب الاستسلام والانقياد فهو يحتاج إلى باعث او إلى محفز فاذا ثبت إيماننا بالله تبارك وتعالى وكيف أن هذا العبد يمكن أن يترقى حتى يكون وليا لله عزّ وجلّ حينما يتبع ملة إبراهيم حنيفا، وحينما يصدق في إيمانه وحينما ينظر في الابتلاءات التي مر بها إبراهيم عليه السلام حتى اتخذه الله خليلا، فإن ذلك سيسهل عليه الانقياد لأمر الله تبارك وتعالى، بامتثال أمره والوقوف عن نهيه جل وعلا، سيعلم حقيقة هذه الدنيا وسيدرك المنقلب الذي يؤول إليه، وستهون في نفسه التضحيات التي يبذلها في سبيل أن يصل إلى رضى الله سبحانه وتعالى، فأين نجد اذن ما يقوّي فينا هذا الباعث ويوجد فينا هذا المحفّز للانقياد والطاعة لله تبارك وتعالى؟.. نجد ذلك في حوار سيدنا إبراهيم مع قومه: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ)؟ وكان الجواب: (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُون، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)، وكما تلاحظون أن هذه الأسئلة في ظاهرها في غاية الوضوح والسهولة والبساطة، فلماذا اختار سيدنا إبراهيم هذه الأسئلة؟ قال ذلك ليخاطب فيهم أعمق ما في نفوسهم من الضعف الإنساني حينما تحيط به الظروف والأحوال وتشتد عليه الكرب، وتزداد المصاعب فان هذا الإنسان بفطرته لا يلجأ الا إلى الله الخالق جل وعلا، ولا يلجأ إلى تلك الأصنام، وهم يدركون هذه الحقيقة، فكان القصد من السؤال انه حينما تشتد بكم الكروب وتتكالب عليكم الكروب والمصاعب هل تلجأون إلى دعاء هذه الأصنام، التي أنتم لها عاكفون؟ أم ان هناك من تلجأون اليه في قرارة نفوسكم غير هذه الأصنام، ولن طرح كل واحد منا هذا السؤال على نفسه حينما يتعرض لكرب أو لضيق أو لمحن وشدائد فسيجد انه بفطرته يلجأ إلى الخالق سبحانه وتعالى، وهذا ما أراد إبراهيم عليه السلام ان يثيره في نفوسهم وان يذكرهم بهم، وهذا لا يختلف فيه البشر اليوم الا من جحد وغالب وكابر.

وأضاف: وكذلك بالنسبة لسؤاله لهم: (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) ليثبت لهم إبراهيم عليه السلام بهذا السؤال ان المستحق للعبادة انما هو ينفع او يضر وان النفع او الضر انما يصيب الإنسان، لا يصيب المعبود، فلماذا يأمرنا الله سبحانه وتعالى ان نعبده؟ وماذا يستفيد الله تبارك وتعالى من عبادتنا؟ ولماذا يأمرنا ان نطيعه؟ فقد سمعتم مثل هذه الأسئلة ولعلها ترد في الخاطر، وهنا إبراهيم عليه السلام بما آتاه الله تبارك وتعالى من نور يستجيش ما في هذه النفس الإنسانية، فهل هناك أي عبادة يتوجه به الإنسان حتى لو كانت عبادة ظلاّم مشركين يقصد منها العابد ان يعود بالنفع على المعبود؟ او انه يريد النفع لنفسه؟ حتى أولئك الذين يعبدون الحجر والشجر والنجوم والكواكب وكان منهم قوم إبراهيم عليه السلام ما كانوا يقصدون نفع المعبود، وانما كانوا يقصدون نفع انفسهم، فعلى سبيل المثال: عندما يلتزم الإنسان بقوانين المرور، هل في ذلك مصلحة تعود على القانون نفسه أو من أصدر ذلك القانون؟!، بالطبع لا، وانما المصلحة تعود على الإنسان نفسه الذي يلتزم بذلك القانون، فإذن السؤال: ماذا يستفيد ربنا من أمرنا بعبادته؟ سؤال ساقط أصلا، وكان يهدف إبراهيم الخليل بهذا السؤال ليثبت لهم ان المستحق للعبادة انما هو المعبود الذي ينفع ويضر، هو وحده فقط المستحق للعبادة، وانما النفع والضر انما يصيب الإنسان لا يصيب المعبود، ولذلك علينا ان نفهم ان كل عبادة أمرنا بها الله تبارك وتعالى - صغرت في أعيننا او عظمت - انما هي لمصلحتنا نحن، لنفعنا او لدفع الضر عنا، في عاجل امرنا او في آجله، وهذا ما يقرره إبراهيم عليه السلام وهو الانقياد التام والطاعة المطلقة لله عز وجل في اظهر تجلياتها وأيسر طرقها، ووسائلها.

وقال: هل رأيتم هل صلتنا بإبراهيم الخليل عليه السلام صلة وثيقة متينة وانه لا يمكن أن نستغني عنها، ولو وقفنا عند كثير من مشاهد سيدنا إبراهيم عليه السلام التي ووردت في القرآن الكريم لكن احتجنا إلى الوقوف عند هذه المشاهد وهذه المواقف لأنها تعيننا على تعزيز صلتنا بالله تبارك وتعالى وبالقرآن الكريم. فحينما تقرأون كتاب الله عز وجل أعطوا أنفسكم

ما تحتاجه منه، تأملوا وتدبروا وتريثوا خذوا هذه المعاني، قفوا عندها وابحثوا في دلالاتها وصلوا الآيات بعضها ببعض ستصلون إلى نتيجة، فما امرنا الله تبارك وتعالى ان نتبع ملة إبراهيم واعتباطا وانما امرنا لمعاني نحتاج اليها ونستفيد منها في واقعنا ولا يمكن لنا أن نستغني عنها.