أفكار وآراء

معرض الكتاب.. نافذة ثقافية على العالم

18 فبراير 2018
18 فبراير 2018

أ.د. حسني نصر -

لعل ما يؤكد هذه الحقيقة هو حرص الناشرين العرب والأجانب على المشاركة في المعرض، وكم الكتب التي جلبوها معهم للعرض والبيع، والتي تبلغ-وفق ما تم الإعلان عنه-النصف مليون عنوان، تمثل الإصدارات الجديدة منها نحو 35%.

يمثل معرض مسقط الدولي للكتاب الذي تنطلق فعالياته بعد غد الأربعاء بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، أهم وأكبر تظاهرة ثقافية سنوية منتظمة في سلطنة عمان، إذ تتحول خلاله أيام وليالي عُمان إلى احتفالية متواصلة بالثقافة والمثقفين والإبداع والمبدعين من مشارق الأرض ومغاربها، كما تتحول إلى ملتقى محبب للمفكرين والأدباء والكُتاب وصناع المعرفة ومستهلكيها من المواطنين والمقيمين المتعطشين للحصول على جديد العلوم والأدب والفن في العالم، وهو ما جعل المعرض بحق نافذة ثقافية تطل منها عُمان على العالم، ويطل منها العالم كله على عُمان وعلى منجزها الحضاري التاريخي والمعاصر.

والواقع أن الدورة الجديدة لمعرض مسقط الدولي للكتاب التي تحمل الرقم 23 تبدو مختلفة إلى حد كبير عن دوراته السابقة، على أكثر من صعيد. ولعل أهم ما يميز دورة هذا العام أنها الدورة الثانية التي تعقد بمركز عمان للمؤتمرات، ذلك الصرح الحضاري الكبير الذي انتقل إليه المعرض العام الماضي. وقد مثل هذا الانتقال تحولا واضحا في مسيرة المعرض حيث اتسعت أماكن وأجنحة العرض، وزادت وتنوعت الفعاليات الثقافية، وتضاعف عدد العارضين والزوار بشكل كبير.

والمؤكد أن لجنة المعرض قد استفادت جيدا من التجربة الأولى التي تمت في العام الماضي، وهو ما بدا واضحا في زيادة عدد دور النشر المشاركة هذا العام ليصل إلى 783، وزيادة عدد الدول المشاركة إلى 28 دولة منها 17 دولة عربية و11 دولة أجنبية، وفق ما أكده معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام، رئيس لجنة المعرض، في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأربعاء الماضي. في هذا الإطار سيكون من المفيد للغاية في دورة هذا العام تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الساحات الرحبة المحيطة بمركز المؤتمرات في إقامة بعض الفعاليات الثقافية المسائية المصاحبة للمعرض في الهواء الطلق، لتخفيف الضغط على قاعات عرض الكتب وخفض حدة الزحام والضوضاء داخلها من جانب، والاستفادة من اعتدال المناخ في هذه الفترة من جانب آخر.

ومن المتوقع -وفق ما نما إلى علمي- أن يكون الإنتاج العماني من الكتب المعروضة هذا العام هو الأكبر حجما في تاريخ المعرض. فمنذ انتهاء الدورة السابقة ونحن نسمع ونقرأ، ربما بشكل يومي، عن إصدارات عمانية جديدة تغطي مجالات معرفية وأدبية متنوعة، ودخول أجيال جديدة من الأدباء والكتاب والباحثين مجال نشر إبداعاتهم. ولعل هذا ما يؤكد اتساع القاعدة المثقفة المنتجة للمعارف والآداب والعلوم في السلطنة في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، وهو اتساع مبشر ناتج عن جهود تعليمية وثقافية كبيرة بذلت على مدى سنوات النهضة العُمانية الحديثة، إلى جانب دخول المؤسسات الرسمية الكبيرة مجال نشر الكتاب العُماني، والمحاولات والمبادرات الدؤوبة التي قامت بها مؤسسات وأفراد لتوطين صناعة الكتاب ونشره وتوزيعه في السلطنة. ورغم غياب إحصاءات دقيقة عن إنتاج الكتب واستهلاكها في السنوات الأخيرة، فإن الشواهد التي نراها يوميا داخل وخارج الجامعة، وأحيانا على مقاعد المقاهي والأماكن العامة، تجعلنا نزعم وبدرجة ثقة كبيرة أن مزيدا من الكتب العُمانية أصبحت في أيدي الناس وعلى شاشات حواسيبهم وأجهزتهم المحمولة. وإلى جانب الروايات ومجموعات القصص القصيرة والدراسات الأدبية والفنية، فقد أسعدني كثيرا قيام عدد من حملة الماجستير والدكتوراة بإصدار دراساتهم في كتب، وإتاحة ما توصلوا اليه من نتائج علمية للقراء، وهو ما يعزز من إنتاج الكتاب العُماني بشكل كبير.

يبقى هنا أن نعترف بأن صناعة الكتاب في السلطنة ما زالت تفتقر إلى الناشر العُماني الذي يمثل الضلع الثالث الغائب في هذه الصناعة إلى جانب المؤلف والقارئ. إذ يلجأ الكتاب العُمانيون بسبب عدم وجود شركات نشر كبيرة في السلطنة إلى دور نشر عربية خارج الدولة، سواء في القاهرة او بيروت أو عمّان (الأردن)، ويتحملون نفقات الطباعة والنشر مقابل الحصول على أعداد محددة من النسخ، ولا يحصلون في الغالب على أية عائدات مالية من كتبهم رغم أنها تلقى رواجا كبيرا في معرض مسقط والمعارض الأخرى. ويفرض هذا الواقع ضرورة معالجة قضية إنتاج ونشر الكتب بحلول مبتكرة، قد تشمل تشجيع تأسيس دور الطباعة والنشر، وتدخل الجهات الرسمية ذات العلاقة بالثقافة في مجال النشر بشكل أوسع لتعويض النقص الواضح في دور النشر. نعم هناك جهود ملموسة في دعم نشر الكتاب العماني تقوم بها بعض المؤسسات الحكومية مثل وزارة التراث والثقافة ووزارة الإعلام وغيرهما، وبعض منظمات المجتمع المدني مثل النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء والمنتدى الأدبي، ولكن هذه الجهود المتفرقة يجب تنظيمها ربما في شكل هيئة للكتاب على غرار هيئات الكتب القائمة في دول كثيرة، أو دار حكومية لنشر الكتب على غرار «دار الطباعة الحكومية» التي تُعد الناشر الأول والأكبر للكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن حسن الطالع أن تواكب هذه الزيادة الملموسة في إنتاج الكتاب، زيادة موازية في معدلات استهلاك الكتب في السلطنة، وهي زيادة طبيعية تعود إلى دخول أعداد كبيرة من الشباب المتعلم كل عام سوق استهلاك الكتب، سواء كانت ورقية أو رقمية.

ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة هو حرص الناشرين العرب والأجانب على المشاركة في المعرض، وكم الكتب التي جلبوها معهم للعرض والبيع، والتي تبلغ-وفق ما تم الإعلان عنه -النصف مليون عنوان، تمثل الإصدارات الجديدة منها نحو 35%. ومع الإقبال الجماهيري الكبير المتوقع سيكون من المهم إدارة هذه الجموع، وتوفير الخدمات الأساسية لهم وتسهيل تحركها داخل المعرض، وهو ما يجعل تجربة زيارة المعرض ناجحة ومرضية لكل زائر على حدة. ورغم تأكيد وزير الإعلام على توسعة المرافق الخدمية للمعرض هذا العام، فإن تجربة العام الماضي كانت جيدة في مجال الخدمات التي قدمتها إدارة المعرض للزوار بدءا من الإرشادات المرورية للوصول إلى المعرض، وتوفير أماكن كافية لانتظار السيارات، مرورا ببوابات الدخول واستخدام المصاعد والسلالم المتحركة، وتوافر أماكن الاستراحة وتقديم المأكولات والمشروبات.

وأعتقد أن الأمر الوحيد الذي لم يكن متوافرا بشكل كبير هو أجهزة الصراف الآلي التي كان يصطف أمامها المئات في طوابير طويلة خاصة في الفترة المسائية.

وقد أحسنت لجنة المعرض صنعا بقرارها توسعة المركز الإعلامي للمعرض هذا العام، وتزويده بقدرات وطاقات إعلامية. وقد لمسنا في الدورة الماضية الجهد الكبير الذي قام به المركز في توفير البيانات والإحصاءات والخدمات الإعلامية للصحفيين المحليين والأجانب. والمتوقع في معرض هذا العام أن تتضاعف هذه الخدمات وتتنوع منصات توزيعها، ليس فقط على الإعلاميين، ولكن أيضا للجمهور، الذي أصبح بإمكانه المشاركة في صنع محتوى إعلامي ثري عن المعرض، خاصة ما يتعلق بالفعاليات الثقافية وتوقيتاتها وأماكنها، وكذلك أماكن وتوقيتات توقيع الكتب الجديدة، وعروض التخفيضات التي تقدمها دور النشر المشاركة، بالإضافة إلى حالة الطرق والمسارات المرورية المؤدية للمعرض.

وفي تقديري ان إشراك الجمهور في النشر الإعلامي الواسع عن المعرض عبر منصات التواصل الاجتماعي، سيمثل قيمة مضافة لعمل المركز الإعلامي من شأنه أن يفتح نافذة جديدة ومهمة إلى جانب نوافذه الإعلامية المتعددة.