أفكار وآراء

عام 2018 .. بعيون الإيكونوميست

16 فبراير 2018
16 فبراير 2018

إميل أمين/ كاتب مصري -

[email protected] -

كعادتها كل عام تصدر مجلة الإيكونوميست البريطانية الشهيرة عددها السنوي والذي تحدد فيه معالم وملامح العام الجديد، والذي يصفه «دانيال فرانكلين» محرر عدد هذا العام بأنه «عام مثير للأعصاب.. لماذا؟

ربما لأسباب كثر منها أن بريطانيا على سبيل المثال ستراقب في جو من التوتر ما إذا كان خروجها من الاتحاد الأوربي سيتم بسلاسة، أم بصدمة الفشل في التوصل إلى اتفاق، وسوف يتساءل شعبا العراق وسوريا اللذان طالت معاناتهما عن النزاعات الجديدة، التي ستنشأ عقب الهزيمة المحلية لتنظيم «داعش»، إضافة إلى إمعان آسيا والعالم على اتساعه النظر في مزالق الطاقة النووية كنتيجة لسياسة حافة الهاوية التي تنتهجها كوريا الشمالية، ولا عجب أن يتطلع عضو مجلس الشيوخ الأمريكي «جون ماكين» وآخرون إلى حث عام 2018 على التوصل إلى دفاع قوي لنظام العالم القائم على القواعد، النظام الذي يعد أفضل أمل لتحقيق السلام والرخاء.

هل من بعض التفصيلات حول أهم النقاط المثيرة في العام الجديد، عطفا على الملفات المفتوحة الساخنة والتي يمكن لها أن تقود العالم إلى صراع غير مسبوق ؟

لتكن البداية مع الطرح المعنون «نهاية الغموض» لصاحبه «إدوارد كار» نائب المحرر، وفيه يتساءل عن موقع وموضع الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم في العام 2018 وكيف أن كوريا الشمالية هي التي ستحدد هذا الموقع.

يخبرنا «كار» انه يمكن لأبسط العبارات صحة أن تكون أصعبها فهما، فبالنسبة للبعض لم تكن عبارة «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» سوى شعار لحملة، فبمجرد استقرار الرئيس دونالد ترامب خلف المكتب الرئاسي في المكتب البيضاوي سيشرف على سياسة خارجية لجمهورية تقليدية. وبالنسبة لآخرين تمثل العبارة تحولا تاريخيا، حيث ستركز أمريكا في عهد الرئيس الجديد على العظمة الداخلية، وقد حررت نفسها من تكلفة محاولة الحفاظ على النظام العالمي الذي شيدته بعد الحرب العالمية الثانية، فخلال عامه الأول مال ترامب بين كلا التوجهين وعليه التوصل في 2018 إلى اختيار.

أما السبب الذي يدفعه إلى هذا الاختيار الحتمي بل والجبري فهو كوريا الشمالية، ذلك أن مساعيها في التوصل إلى قنبلة نووية تضرب الولايات المتحدة من شأنها أن تضع ترامب أمام تعهداته، وببلوغ الأزمة ذروتها، لن يكون هناك مجال للغموض، فماذا سيختار: الدبلوماسية أم الحرب؟ هل سيكرم حلفاءه أم يهمشهم؟ هل سيعزز من النظام الأمريكي في آسيا بالتعامل مع الصين أم سيطيح بها؟

في 2018 تبقى التساؤلات حول الصين عديدة ومفتوحة على إجابات واسعة ولهذا يبقى «رهان الصين .. وهل سيكون لديها أكبر اقتصاد وأكبر نسبة سكانية؟» الملف الذي يشغل بال «سيمون كوكس» محرر الأسواق الناشئة في المجلة الدولية.

يحدثنا «كوكس» أنه عند تصنيف وزن دولة في العالم فإن هناك صفتين يبرزان: القوى العاملة والمال، أو بشكل أدق السكان والإنتاج، وحتى القرن التاسع عشر كانت الصفتان متلازمتين، حيث إن الدولة التي يمكنها تحمل اكبر نسبة سكانية وهي الصين تمتلك اكبر اقتصاد بحكم طبيعتها، كما أن أمريكا مؤخرا كسرت هذا الرابط حيث أصبحت في عام 1980 اكبر اقتصاد في العالم برغم امتلاكها نسبة سكان أقل من خمس الصين وفقا لتقديرات «انجس ماديسون» المؤرخ الاقتصادي وخلفائه، لكن النمط القديم يعيد إثبات نفسه رويدا رويدا، فهل يتحتم على الصين الآن استعادة كلا الأمرين البارزين بأن تصبح أكبر اقتصاد في العالم بالإضافة إلى أكبر بلد مأهول بالسكان؟

من بين القضايا الجوهرية التي انقسم العالم من حولها الأعوام الماضية تأتي قضية الهجرة والمهاجرين في مقدمها، ولا نعني هنا بالإشكالية ما نتج عن اضطراب الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط وما خلفه الربيع العربي المزعوم من خسائر إنسانية وهجرات إلى أوروبا فقط، بل المقصد الرئيسي يتصل بالظاهرة عينها وبخاصة ما بين دول الشمال الثري ودول الجنوب الفقير، الأمر الذي يتناوله «آدم روبرتس» مراسل الايكونوميست في فرنسا تحت عنوان «على الطريق». يخبرنا روبرتس اننا أمام اتفاقيتين عالميتين جديدتين ستحاولان بقوة تنظيم تدفقات اللاجئين والمهاجرين ولكن بلا جدوى.

في عام 2016 وأثناء تدفق اللاجئين إلى أوروبا انزعج العالم حيال المعدلات المرتفعة للهجرة الاقتصادية، وقد اتفقت الحكومات على اتخاذ بعض الاجراءات، منها ما تم في القمة التي عقدت بمدينة نيويورك حيث قطعت مائة وثلاث وتسعون دولة وعدا بوضع خطط لجعل التنقلات العالمية للمواطنين «آمنة ومنتظمة ومنظمة بصورة جيدة» وقد كان هذا طموحا رائعا حتى أن أحدهم قد قال: «إنها طريقه مفيدة لردم المسائل العالقة».

يلفت تقرير الايكونوميست إلى أن المزيد من المهاجرين واللاجئين على الطريق، فقد تعرض ما يزيد على خمسة وستين مليون شخص حول العالم إلى النزوح القسري، وهو ما يعادل سكان بريطانيا، هذا العدد يشمل اثنين وعشرين مليون شخص ونصف المليون مؤهلين بشكل كبير، مقارنة بستة عشر مليونا في عام 2007.

إنها مهمة شاقة ولا شك على الطريق .. لكن ما الذي يزيد من صعوبتها؟

في ظل قيادة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تشكل أمريكا موجة عدائية خاصة تجاه أولئك القادمين من بلدان ذات غلبية مسلمة، وكذلك ستقلص أمريكا من أماكن إعادة توطين اللاجئين في أكبر برامج العالم (110000) فرصة كل عام إلى (45000) ممن يتقدمون من خلال الأمم المتحدة .

ضمن القضايا التي تؤرق البشرية في العقود الأخيرة تحتل قضية تغير مناخ الكرة الأرضية مكانة متقدمة جدا، وذلك نظرا لخطورة المشهد، وقد ازداد المشهد تعقيدا غداة انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ العام الأول لرئاسة ترامب.

في هذا الإطار تقدم الإيكونوميست تقريرا عن «مؤتمر التغير المناخي في بولندا وهل هو جيد ام سيئ» والتقرير من إعداد مراسل البيئة «جان بيتروفسكي» وفي مقدمته أن هناك سببا للتشاؤم بخصوص مؤتمر المناخ العالمي في بولندا .. لماذا؟

في ديسمبر من عام 2005 اجتمع قادة العالم في باريس وتعهدوا الحفاظ على مستوى الاحتباس الحراري مقارنة بما قبل المستويات الصناعية وبذلك نتجنب التغير المناخي المأساوي، وسوف يتم الاتفاق على التفاصيل لاحقا بواسطة كل المجتمعين، وفي عام 2018 فان السعي غير المشكور لتحويل الخطاب الباريسي السامي إلى مرحلة التنفيذ يقع على عاتق الوفود في كاتوفيتسه- مدينة تقع جنوب غرب بولندا- وتبدو احتمالات النجاح بعيدة لسببين:

السبب الأول: اتفاق باريس نفسه، حيث تركت المعاهدة عناصر مهمة غامضة عن عمد، فهي على سبيل المثال لم تفصح عن هذه الإسهامات المحددة وطنيا أو من يمكن أن يراجع هذه التقارير.

السبب الثاني: إن بولندا قد لا تكون على قدر المسؤولية، فعلى المستوى الظاهري تملك البلد الكثير مما يؤهلها لاستقبال محادثات المناخ، لكن مزايا بولندا الجوهرية يقابلها الجدل حول حكومتها الشيوعية فحزب العدالة والقانون الحاكم يجعل من الترتيب متعدد الإطراف الذي يعتمد عليه الاتفاق المناخي بطلا غريبا، فوزير البيئة الذي سيترأس المحادثات متشكك بخصوص فكرة تغيير المناخ عن طريق الإنسان، وهناك حماسة الحزب الحاكم للفحم أيضا، والذي يتعارض مع أهداف اتفاق باريس.

في كلمته الافتتاحية يتوقف المحرر «دانيال فرانكلين» أمام معضلة مثيرة للتأمل.. العالم إلى أين يمضي ما بين توترات الأحوال والأوضاع السياسية وبين جنون التكنولوجيا، ولهذا السبب يحتوي العدد الجديد من المجلة العالمية على قراءة خاصة عن أحوال الشبكة العنكبوتية وما يجري لها من اختراقات الأمر الذي يفقد الخصوصية ويجعل الجميع عرضه للابتزاز.

المقال يقدمه «نيكولاس باريت» الكاتب المختص بمواقع التواصل الاجتماعي في المجلة والذي يتناول الاختراق كأمر طبيعي بل ويحذرنا وينذرنا ويطلب إلينا أن نهيئ أنفسنا للموجة القادمة من جرائم الإنترنت ...

تارجت ياهو، اكويفاكس، قائمة الضحايا البارزين للهجمات الإلكترونية الأخيرة، وسوف تمتد بالتأكيد اكثر في عام 2018، وفي العام المقبل ستقلق أنواع من برامج الأمان من الاحتماليات القادمة والجيل الأكثر رعبا في جرائم القرصنة، والذي لن يسبب أضرارا مالية فقط بل واقعية أيضا يتمثل غرض الهجمات على البنية الأساسية الحساسة في المستقبل القريب ربما في تقويض الثقة وإحراج الأعداء، واختبار إمكانيات القرصنة بدلا من إحداث ضرر مادي.

داخل الدول الصناعية لا يمكن اختراق البنية الأساسية الوطنية الحساسة بما في ذلك المستشفيات والسكك الحديدية وحتى نظم الدفاع النووي، إلا من خلال اتصالها بشبكة، ويعتمد على تدفق مستمر للبيانات للعمل بكفاءة وتتفاعل محطات الطقس والمطارات والطرق السريعة ومحطات الطاقة مع المعلومات الواردة دقيقة بدقيقة حتى ثانية بثانية والسؤال المزعج هنا: «ماذا لو كانت هذه البيانات لفقها المخربون؟

النتيجة المؤكدة عند الكاتب هي أنه لا يوجد متطلبات أمن عالمية معترف بها لحماية أنظمة الأسلحة النووية من الهجمات الرقمية، غير أن هذا قد يتغير في عام 2018 .

ماذا عن نصيب العلوم والتكنولوجيا من ايكونوميست 2018؟

الأمر مثير للتأمل سيما وأن الحديث عن الوصول إلى النجوم وذلك عبر المادة التي يقدمها لنا « بنيامين سوثيرلاند » المراسل المستقل للايكونوميست، وعنده انه ستكون هناك قريبا جدا مهمات فضاء ملفتة للأنظار تعزز الحلم ببناء قواعد على القمر، وإذا سارت الأمور على ما يرام، فستلج مركبة الفضاء «انسايت» غير المأهولة في 26 نوفمبر 2018 الغلاف الجوي الخفيف للمريخ بسرعة 3.2 كيلومتر في الثانية حيث ستفتح مظلتها، وتطلق الصواريخ الكابحة، وتخلص من درعها الحراري لتهبط بأمان.

كما تأمل شركة جوجل مع بداية عام 2018 أن تعلن عن الفائزين بجائزة 30 مليون دولار لأول شركة أو شركات ترسل مركبة هبوط آلية إلى سطح القمر وتتحكم بها مسافة 500 متر.

وقبل نهاية 2018 تتوقع شركة «سبيس إكس الكاليفورنية» أن تكون قد أرسلت اثنين من السائحين حول القمر، حيث سيكونان أول آدميين يصلان خارج المدارات الأرضية المنخفضة منذ عام 1972.

العدد مليء بالقصص والأخبار المشوقة في كافة المجالات ما يضيق المسطح المتاح للكتابة عنه، ما يعني أن 2018 سيكون وعن حق عام مثير ومشوق وربما خطير أيضا.