إشراقات

تجديد الخطاب

08 فبراير 2018
08 فبراير 2018

حمود بن عامر الصوافي -

«ينبغي أن نبث الوعي بطرق مختلفة ومتنوعة بعيدة عن الرتابة والتقليد فجيل الفيسبوك صار لا تستهويه المحاضرات الارتجالية المكررة ولا المواعظ العتيقة القديمة بل صار يستمتع بالجديد ويحرص على حضور التظاهرات التي يتنوع فيها الخطاب وتتغير فيها الموضوعات لذلك خليق بالدعاة أن يحرصوا على التغيير في الموضوع شكلا ومضمونا لينعموا بحضور أكثر فيتمكنوا من نشر الفكر الصافي والأفكار الحسنة »

الشباب عماد الأمة، وقلبها النابض، وعقلها المدبر، وقوتها الدفاقة لذلك كان عنصر التأثير وتغيير القرارات منذ قديم الزمان وما زال هذا التأثير يزداد ضراوة وقوة يوما بعد يوم، وما فتئت الأجيال تضع كامل توقعاتها على هذا المرحلة من العمر.

فاهتمت المجتمعات بهذا الجيل اهتماما كبيرا، وأولت الشباب عناية فائقة لأنها تدرك قدراته، وتعرف مهارته ومقدار عطائه ولقد بُعث الأنبياء من جيل الشباب لأنهم أقدر على تحمل الأذى، وأقوى في البذل والعطاء، فقال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام:«قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ»، وقال عن يوسف عليه السلام:«وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ»، وقال عن موسى عليه السلام:«وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» وبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره وأسلم جل الصحابة في زمن الشباب.

ولا عجب أن نجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نشروا الإسلام في أصقاع المعمورة بعد وفاته وتحملوا الدعوة مع رسولهم إبان بعثته لأنهم ركيزة مهمة وورقة رابحة فلا ينبغي أن يهمل هذا الجيل من الشباب أو يقصر في حقه أو يترك فريسة للضباع والذئاب لأنه لو ترك هملا انتابه الفراغ وفسد وأفسد وقت قوة العطاء فليكن العطاء موجها للخير والمعروف.

وليكن لنا قدوة في الشباب الصالحين الذين وصفوا بأعظم وصف وأجمل عبارة، فقد سمى الله تعالى أصحاب الكهف فتية، وذكر أنهم آمنوا بربهم ولم يشركوا به وفروا بدينهم وعقيدتهم إلى كهف مظلم داعين الله تعالى الخلاص والإخلاص، قال تعالى: «إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا، ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا».

وقال أبو حمزة الشاري عن شباب المجاهدين المتقين وقد انتقد بعضهم شبابهم: « يا أهل المدينة تُعَيِّرُونَنِي بأصحابِي تزعُمُون أنَّهم شباب، وهل كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا شَبابا ؟! نعم شباب والله مُكْتَهِلُون في شبابِهم، غَضِيضَة عن الحرام أعينهم، بطيئة عن الشر أقدامُهم، أَنْضَاءُ عِبادة وَاطْلاح سَهَر، مَوصُولٌ كَلالُهم بكلالِهم وقيام ليلِهم بِصيام نَهارهم، قد أكلت الأرض جِبَاهَهُم وأيديهم ورُكَبَهم مِن طُول السجود، مُصفَرَّة ألوانُهم، نَاحِلَة أجسامهم مِن كثرة القيام وطول الصيام، لقد نَظَر الله إليهم في جَوْف الليل مُنْحَنِية أَصْلابُهم على أجزاء القرآن..».

فليكن لنا نظرة مختلفة في الناشئة المقبلين على مرحلة الشباب ملؤها التفاؤل والاهتمام منذ نعومة أظافرهم لينشؤوا رجالا أشاوس، يجوبون الأرض، ويبحثون عن مكامن الرزق والمعارف، ويفيدون أنفسهم وينفعون مجتمعاتهم وعلينا كذلك ألا نتغاضى عن أي شيء يهدد شبابنا أو يبعدهم عن عطائهم ومميزاتهم أو يقزم فيهم دينهم وأخلاقهم السمحة التي تربوا عليها فليكن المنطلق من الدين والتدين لأنه أكثر إحكاما وأنفع مآلا.

لأن قلة التدين وفساد الخلق يؤديان إلى نشوء شباب فارغ فاض لا هم له إلا الملذات والمسكرات في عالم انفتحت فيها المجتمعات على بعضها البعض وتأثرت الأجيال من بعضها البعض وما زلنا نسمع عن قضايا هنا وهناك لشباب غرر بهم في مقتبل أعمارهم فساروا مع الركب الخائن لدينه وأمانته ووطنه ففسدوا وأفسدوا لذلك يتوجب علينا كمجتمع أن نأخذ بيد هؤلاء من العبث أو الضياع فهم منا ونحن منهم لا سيما هذه الأيام التي بدا العالم كغرفة صغيرة، عمت فيها الفوضى أرجاءه وتعقدت الأمور وتشابكت وانتشرت اللقاءات العابرة للقارات عبر وسائل التواصل الإلكتروني فأصبح المؤثرون والمريدون لشبابنا الشر كثر لذلك حذار من الوقوع في مزالق الوهن والضعف بل علينا أن نتسلح بالخلق القويم والدين الإسلامي الجميل الذي دعانا إليه رسولنا وحثنا عليه لأنه وقاية من داء الفساد وسوء الأخلاق، قال تعالى:« وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».

وعلينا كذلك أن نتسلح بسلاح العلم والمعرفة لأننا بهما نعرف مداخل المفسدين وندرك نفاقهم ومجاملاتهم، وكلماتهم المعسولة وطرقهم الملتوية فكم أناس خدعوا لأنهم لا يعرفون في عالم التقنية شيئا، وكم أناس ضحك عليهم لأن سذاجتهم طغت عليهم وجهلهم سيطر عليهم ألم نسمع قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، وقوله تعالى في وجوب السؤال والمعرفة:«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».

والإنسان عموما إذا لم يجد ما يشغله من أمور صالحة شغله الشيطان أو قرناء السوء بأمور طالحة وقضايا فاسدة لا يجني من ورائها إلا العتب والضنك والضيق وسوء الأخلاق لذلك علينا أن نوجد في شبابنا ما يحول بينهم وبين الفراغ القاتل أو الرمسات الصاخبة بإيجاد أماكن محببة أو رحالات ثقافية تنمي فيهم العقول وتبعد عنهم السآمة والكسل والفراغ كما يجدر بنا أن نفرغ طاقاتهم للعمل والبذل والعطاء ونوفر لهم في ساعات فراغهم ما يمنعهم ويبعدهم عن رفقاء السوء بل ينبغي أن نوعيهم بمخاطر رفقاء السوء سواء كانوا يعيشون بيننا أو من خلال الشاشة الصغيرة بإيجاد إرشادات تحذر من دسائسهم وكيفية التخلص من شبائكهم واحتيالاتهم وابتزازهم، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا، وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).

ففي هذه الآية ربط بين البعد عن القرآن والدين السمح وبين رفقاء السوء فكلما ابتعدنا عن قرآننا والعمل به كنا صيدا سهلا من رفقاء السوء لذلك علينا أن نقوي صلتنا بالله وبكتابه وأن نحسن اختيار صداقاتنا وأن نكثر من ذكر الله تعالى والاستمساك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نصبّر أنفسنا ساعة لترتاح ضمائرنا ساعات وسنين في كنف الله تعالى ورعايته، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وقال أيضا: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

كما ينبغي أن نبث الوعي بطرق مختلفة ومتنوعة بعيدة عن الرتابة والتقليد فجيل الفيسبوك صار لا تستهويه المحاضرات الارتجالية المكررة ولا المواعظ العتيقة القديمة بل صار يستمتع بالجديد ويحرص على حضور التظاهرات التي يتنوع فيها الخطاب وتتغير فيها الموضوعات لذلك خليق بالدعاة أن يحرصوا على التغيير في الموضوع شكلا ومضمونا لينعموا بحضور أكثر فيتمكنوا من نشر الفكر الصافي والأفكار الحسنة كما ينبغي للدعاة أن يستغلوا طرق التواصل الاجتماعي من موقع التواجه (فيسبوك) وتويتر وقناة اليوتيوب وغيرها من الوسائل المحببة إلى الشباب في نشر الوعي، وأما المحاضرات فينبغي أن تتغير طريقة إلقائها وتقديمها والمواضيع التي تطرح بحيث تلامس واقع الشباب وما يحتاج إليه ولا نزعم أن التجديد هو المؤثر في الشباب فقط بل يمكن للشيء التقليدي أن يؤتي أكله بتغيير طفيف سواء في الوسيلة كأن يستخدم (شاشة عرض) أو يحبب الأولاد والناشئة على التفاعل مع المحاضر عن طريق المسابقات وغيرها من الطرق التي تجذب المجتمع والشباب نحو المحاضرات والدروس.

فلا يكفي أن ندعو الآخرين إلى المجيء إلى استماع الدروس والمحاضرات بل لا بد من بذل جهد في سبيل تنميق المادة وتغيير الأسلوب والبحث عن أساليب جديدة في الدعوة وما أكثرها في عالم اليوم.