أفكار وآراء

توظيف الموقف الدولي للعودة لأصل القضية الفلسطينية

04 فبراير 2018
04 فبراير 2018

د.أحمد سيد أحمد -

أثار قرار الرئيس الأمريكى ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس حالة من الرفض الدولي سواء على مستوى الدول الكبرى أو على مستوى الأمم المتحدة,,

يمكن القول إن هناك العديد من التداعيات والآثار الإيجابية للموقف الدولي المعارض لموقف أمريكا بشأن القدس:

أولا: شكل الموقف الدولي المعارض بمثابة حائط سد ومانع أمام محاولة الولايات المتحدة نقل سفارتها وتكريس سياسة الأمر الواقع الذي يكرسه الاحتلال الإسرائيلي على الأرض منذ عقود، مستغلا حالة الانشغال العربي وتراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية لنشر المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ومحاولة تغيير جغرافيتها وهويتها العربية والإسلامية وتركيبتها السكانية، حيث تراجعت أعداد الفلسطينيين المقدسيين من نصف مليون نسمة، كانوا يشكلون الغالبية إلى ما يقارب 240 ألف شخص في مقابل زيادة أعداد الإسرائيليين إلى أكثر من نصف مليون، أصبحوا الآن يشكلون الأغلبية في القدس الشرقية، إضافة إلى التضييق على السكان الفلسطينيين لإجبارهم على الرحيل ومنع حصولهم على حقوق المواطنة مثل التملك والهوية والتعليم والسفر وغيرها.

ولذلك كان من أبرز آثار قرار ترامب بنقل السفارة ليس فقط اندلاع انتفاضة فلسطينية وعربية وإسلامية، بل اندلاع انتفاضة عالمية- إذا جاز هذا التعبير- تجسدت في رفض غالبية دول العالم وعلى رأسها الدول الكبرى الأخرى مثل روسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا للقرار الأمريكي والتأكيد على أهمية حسم مصير القدس وفق المفاوضات وعدم الاعتراف بأية آثار قانونية أو سياسية للقرار الأمريكي وكذلك ما تقوم بها إسرائيل. وقد انعكست الانتفاضة العالمية في مجلس الأمن الدولي عبر مشروع القرار الذي قدمته مصر إلى المجلس والذي يرفض قرار ترامب ويعتبر أي تصرف حول القدس باطلا، حيث وافقت أربع عشرة دولة مقابل استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو، كما تجسدت الانتفاضة الدولية في قرار الجمعية العامة الأخير برفض قرار ترامب والذي وافقت عليه 128 دولة ورفض تسع دول، معظمها دول صغيرة غير مؤثرة، وامتناع 35 دولة أخرى.

ورغم الضغوط والتهديدات الأمريكية ومعاقبة الدول التي تصوت على القرار بقطع المساعدات عنها إلا أن الكثير من الدول لم يستجب وصوت لصالح القرار، وربما نجحت الضغوط الأمريكية في زيادة عدد الدول الممتنعة عن التصويت إلا أن الامتناع في حد ذاته لا يعد موافقة على قرار ترامب. وبالتالي أحدث ترامب بقراره إجماعا دوليا مناصرا للحقوق الفلسطينية المشروعة ، وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحق عودة اللاجئين. وساهم هذا الموقف الدولي في زيادة عزلة أمريكا ومعها حليفتها إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وهو ما كان له الأثر الكبير في هزيمة الحكومة الإسرائيلية التي كانت تراهن على أن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس سوف يعقبه تدفق عالمي من جانب الدول الأخرى لنقل سفارتها اقتداء بالولايات المتحدة، حيث لم تستجب أي دولة أخرى لنقل سفارتها، باستثناء بعض الدول الصغيرة التي رفضت القرار العربي في الجمعية العامة للأمم المتحدة مثل جواتيمالا وجاء قرارها ليس انحيازا للموقف الإسرائيلي وإنما استجابة للضغوط الأمريكية وخشية من فرض واشنطن العقوبات عليها، لكن بشكل عام فإن كل الدول امتنعت عن نقل سفارتها بما شكل رسالة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل برفض سياسة الأمر الواقع أو إحداث أية تغييرات في وضع القدس.

ثانيا: كان من أبرز آثار قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس هو أن ألقى حجرا في مياه القضية الفلسطينية الراكدة منذ عقود وكانت تعاني من الموت السريري، حيث تراجعت تلك القضية على أجندة الاهتمام الدولي بشكل كبير مع تصاعد الاهتمام بأولويات أخرى مثل قضية الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وعلى رأسها تنظيم داعش، كذلك ملفات مثل البرنامج النووي والصاروخي لكل من كوريا الشمالية وإيران، وسعت إسرائيل خلال مرحلة الانتفاضات العربية التي اندلعت عام 2011 إلى استغلال حالة الانشغال العربي بقضاياه وأزماته وحروبه الداخلية المشتعلة في كثير من دوله لفرض سياسة الأمر الواقع وبناء المستوطنات في القدس والضفة الغربية، ولذلك أعاد ترامب بقراره نقل السفارة؛ القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى رأس اهتمامات وأولويات المجتمع الدولي وهو ما ألقى الضوء على المعاناة الكبيرة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، كما أنه ساهم في ضرورة إحياء عملية السلام والمفاوضات التي تحطمت في السابق نتيجة للتعنت الإسرائيلي وسياسة المراوغة، والانحياز الأمريكي للموقف الإسرائيلي ونتيجة كذلك للخلافات والانقسامات الفلسطينية.

غير أن إحياء المفاوضات يثير علامات الاستفهام حول الدور الأمريكي في عملية السلام وافتقاده الحيادية والموضوعية كراع لتلك العملية بعد أن انحاز بشكل كامل للموقف الإسرائيلي وحسم مصير القدس مسبقا لصالح إسرائيل قبل أن يتم حسمها وفقا للمفاوضات، كذلك أثار القرار الأمريكي ضرورة وجود رعاة ووسطاء آخرين لعملية السلام مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا أو الأمم المتحدة بعد رفض الفلسطينيين للراعي الأمريكي.

ورغم أن وجود راع آخر لعملية السلام يواجه بصعوبات وتحديات كبيرة أبرزها الرفض الإسرائيلي لقبول راع آخر غير الولايات المتحدة، وهو ما حدث العام الماضي عندما رفضت إسرائيل المبادرة الفرنسية لإحياء مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، إلا أن وجود حالة من الإجماع الدولي يشكل موقفا ضاغطا على الولايات المتحدة وإسرائيل بعدما أصبحتا في عزلة دولية وانتهاكهما الصريح للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة ومنها القدس وأبرزها قرارات مجلس الأمن الدولي 242 و476 و478 والقرار 2334 والتي ترفض بشكل محدد اي تغييرات في وضع القدس واعتبار أن ما قامت وتقوم به إسرائيل فيها باطل وعدمي وليس له أية آثار قانونية أو سياسية.

وبالتالي تبرز هنا أهمية التحرك الفلسطيني والعربي والدولي لتوظيف الموقف الدولي الرافض لموقف أمريكا بشأن القدس من أجل العودة لأصل القضية الفلسطينية وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلى آخر احتلال في العالم للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1976 ومنها القدس الشرقية، ووقف كل أشكال الاستيطان أو المحاولات الإسرائيلية لتغيير طبيعة القدس الجغرافية والديموغرافية، ووقف كل صور العدوان على الشعب الفلسطيني من سياسات الحصار وتهويد القدس واقتحام المقدسات الإسلامية في المسجد الأقصى، فالظروف الآن مهيأة في ظل وجود إجماع دولي داعم لحقوق الفلسطينية المشروعة، ليس فقط لحصار الخطوة الأمريكية بنقل السفارة وجعلها مجرد خطوة أحادية لا تترتب عليها أية آثار قانونية أو سياسية وإنما الأهم أيضا التحرك الفاعل من أجل استعادة الفلسطينيين حقوقهم وعلى رأسها إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين الذي تدعمه القوى الكبرى خاصة الاتحاد الأوروبي الذي رفض كل محاولات الاختراق الإسرائيلي لتغيير مواقف دوله، كذلك الـتأييد الكبير داخل دول أمريكا اللاتينية وكذلك الكتلتين الأفريقية والآسيوية للحق الفلسطيني.

ولاشك أن نجاح الفلسطينيين والعرب في استثمار الموقف الدولي الرافض لقرار ترامب يتطلب ضرورة الإسراع بتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة الوطنية التي رعتها مصر، كذلك التحرك الدبلوماسي العربي في المحافل الدولية لمنع أي دولة أخرى من نقل سفارتها إلى القدس، وكذلك التحرك أيضا لحشد الدعم الدولي للاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية والعمل على حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بعد أن نالت صفة المراقب. كما تبرز أهمية حشد الدعم والتأييد الدولي لإظهار وكشف الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته وتوثيق الجرائم الإسرائيلية في ملف خاص وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية.

ورغم اختلال موازين القوى بين الفلسطينيين وإسرائيل لصالح الأخيرة، ورغم سياسة الولايات المتحدة في التأثير على الدول الأخرى لنقل سفاراتها إلا أن ذلك لن ينجح في فرض سياسة الامر الواقع وأن الاحتلال في نهاية المطاف مآله إلى زوال ليستعيد الفلسطينيون حقوقهم المشروعة.