أفكار وآراء

محاولة لإلقاء نظرة عامة على ما يحدث في المنطقة !!

27 يناير 2018
27 يناير 2018

مرتضى بن حسن بن علي -

[email protected] -

ان استمرار التهديد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران ، سوف يؤدي الى تعميق الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ، وكذلك مع روسيا والصين ، ودول أخرى مؤثرة. وهذا الوضع ، حال حصوله ، سوف يمنح طهران فرصة ذهبية لتحقيق اختراقات حقيقية داخل هذه الجبهات المنقسمة.

ضمن أية محاولة جدية لإعادة الأمل للعرب وللخليجيين تحديداً وبث الحياة من جديد الى مجلس دول التعاون في ظل التغييرات الكبيرة والسريعة الحاصلة في العالم ينبغي على دولها التركيز على جبهاتها الداخلية وتمتينها وتقويتها ، علميا واقتصاديا واجتماعيا وإقامة دول عصرية، وليست دولا معاصرة فقط ، والاعتراف بواقعية الجوار والتخلي عن سياسة المواجهة والحرص على التعايش مع الجيران ، وتجنب التصعيد غير الضروري مهما بلغت الخلافات. لقد هُدّمت العراق وسوريا واليمن وجاءت تركيا الى الخليج واقتربت إيران أكثر فأكثر، وصولا الى شواطئ البحر المتوسط ، وتقوية مركزها ونفوذها، كما هُدّمت قبل ذلك الصومال والسودان وليبيا، في الوقت الذي كان من المفروض مساعدتها لتتجاوز مشاكلها والسمو فوق جراحاتها، كما عليها- دول المنطقة - ان تعيد النظر في مجمل علاقاتها مع بعضها البعض ومع دول الجوار المحيطة على أسس جديدة وتجنب الاعتماد على أحلاف غير منطقية ومكلفة، أحلاف تثق في الخارج أكثر من ثقتها في الداخل أو في دول الجوار. الوضع الداخلي لا بد ان يكون الأقوى ، والشعب يكون هو الحلف الحقيقي لحكومته، لأن الشعب القوي معناه حكومة قوية، والشعب الضعيف يعني حكومة ضعيفة .

لا بد لجميع الدول ومنها دول الخليج تحديداً ان تعي ان ظلال الجغرافيا والتاريخ ثابتة بينما ظلال البوارج والصواريخ متحركة.

أكثر الدول ومنها دول الخليج العربية ، لم تتوقع التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى، وهو الاتفاق الذي هدّم عددا من العقائد الخليجية منها عقيدة: ان الغرب معها وضد إيران. فالدول ليست جمعيات خيرية ، بقدر ما هي تمتلك أجندة مختلفة وواسعة من المصالح ، واستراتيجياتها لا تتميز بالثبات ، بل متغيرة إذا اقتضت المصالح واختلفت الأطراف. ذلك يعني ان عليها- دول الخليج العربية - ان تتجنب التركيز الدائم على حلفاء في الخارج والذي يتطلب منها تخصيص موازنات ضخمة في وقت تقل إيراداتها وتزداد الحاجة الى الأموال لبناء الداخل ومواجهة التحديات الجديدة.

على الرغم من سياسات الرئيس دونالد ترامب وتوجهاته الحالية، فليس هناك دليل او ضمان انه لن يبدّل سياساته ، او ان يأتي رئيس جديد من بعده وينتهج نهجا مختلفا. عدد من المراقبين والمحللين يزعمون ان ترامب يتميز بتقلباته الشديدة التي تتغير بين لحظة وأخرى. إضافة الى ذلك فإن ترامب سبق له رفع شعار «امريكا اولا» بوضوح كما سبق لأوباما وغيرهم رفعه. وفِي كل الأحوال فإن كثيرين من المراقبين يعتقدون ان الذين يتوقعون عملا عسكريا ضد إيران ، مثلما كانوا يتوقعون سابقا ، سوف يصابون بخيبة أمل ، إذ من الأرجح ان لا تتعدى الضغوط الأمريكية الإطارين الدبلوماسي والاقتصادي ، مثلما صرح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس. كما هناك من يعتقد في واشنطن بضرورة حث دول المنطقة على إعادة النظر في سياساتها إزاء المشاكل الإقليمية ، ولا سيما سياساتها تجاه قطر واليمن والوضع في لبنان ، والذي قد يعني عدم تطابق سياسات واشنطن مع سياسات بعض هذه الدول في ملفات عديدة. في الأخير فإن هناك قوى عديدة ومؤثرة في الكونجرس ووزارات الخارجية والدفاع الأمريكية ، إضافة الى رأي الجيش والاستخبارات، كما هناك تساؤلات عديدة ، حول الدور الذي يلعبه جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب ومستشاره في البيت الأبيض. عدد من تلك الآراء قد لا تتفق مع رأي ترامب ، وكثيرون يعتقدون صعوبة بقاء الولايات المتحدة على قيادة العالم منفردة ، او ممارسة دور الشرطي على الدوام ، وفِي كل مكان. وسياسات وزير الخارجية الامريكية تيلرسون ، اقرب للمزاج الأوروبي منها الى سياسات ترامب . وكل ذلك يستوجب على جميع الدول ، ومنها دول الخليج العربية ، ان تراهن على قوتها الناعمة وان تتوسع في مصادر أصدقائها والتقليل من أعدائها. ليس هناك ما يضمن استمرار دعم الرئيس الأمريكي لتوجهاته الحالية ، وقد يكون رهينة للتطورات السياسية المتسارعة في الداخل الامريكي بشكل أو بآخر ، او في مناطق اخرى ككوريا الشمالية على سبيل المثال. علينا ايضا ان نفكر في التحول الاستراتيجي الأمريكي الحاصل من تحويل التركيز على الخليج والشرق الأوسط ، الى التركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادي. سوف يكون صعبا على الولايات المتحدة ان يستغرق اقليم واحد وقتها كله، وسوف تفكر في الوقت المناسب لخطوة للوراء وإعادة التقييم ، ولن تسمح ان تبتلع الأحداث في الشرق الأوسط كل اجندة أعمالها.

ومن جهة اخرى فإن استمرار التهديد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران ، سوف يؤدي الى تعميق الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ، وكذلك مع روسيا والصين ، ودول أخرى مؤثرة. وهذا الوضع ، حال حصوله ، سوف يمنح طهران فرصة ذهبية لتحقيق اختراقات حقيقية داخل هذه الجبهات المنقسمة.

علينا الأخذ بعين الاعتبار او على الاقل عدم استبعاد فرضية بذل محاولة أقوى لإعادة إيران في المنظومة الدولية ، وإدارة منظومة دبلوماسية جديدة. وهذا راجع للتحول الكبير الذي تشهده إيران على اصعدة عدة وملموسة ايضا ، ربما ان القوى الغربية سوف تبذل محاولات اكثر لدعم وتعزيز التوجهات الأكثر اعتدالا بوجه عام في الساحة الايرانية ، وقد تتعلم الأطراف الغربية ، من الأخطاء التي ارتكبتها اثناء فترة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي.

وبالطبع فإن حالة المواجهة المستمرة ، تتطلب من دول الخليج تحديداً الانتباه والتركيز على عملية التحول الحاصلة في منظومة الدول الغربية بشكل خاص ، من العسكرة الى الدبلوماسية ، وذلك تحت ضغط المعاناة من تكاليف الحروب ، وإدارة التراجع الذي تعانيه القوة الأمريكية لصالح الدبلوماسية ، وتقديم السياسة ، وإعطائها مجالا متقدما على الحرب. والولايات المتحدة ليست مستعدة ان تضحي بأموالها ولا بأبنائها ، وفِي كل حال فإن حروبها بدأت تتجه الى حروب بالوكالة، أي بأموال ودماء الآخرين.

وعلى الرغم من عشرات المليارات من الدولارات التي صرفت على هدم سوريا واستنزافها فإن دول الخليج العربية تبدو على وشك ان تخسر جنيف السورية، بعد ان خسرت جنيف النووية الإيرانية. فالدول التي راهنت على ضربة أمريكية ضد سوريا ، أصيبت بالإخفاق والغضب ، بعد ان أدركت ان الضربة المتوقعة بعيدة المنال، وأنها استبعدت بعد ان أدركت الولايات المتحدة ان الغرب لن يؤيدها ، ولن يتدخل بأكثر من اللازم لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد. ونتيجة ذلك تزايدت قوة إيران التفاوضية، كما استفادت إيران من التطورات في العراق ولبنان وعلى جبهات أخرى. ربما قد يخطر في بال الغرب يوما ما ، ان يجعل إيران شريكا له في مكافحة الإرهاب. فكل شيء في السياسة ممكن.

وليس مبالغا في القول إن دول الخليج العربية حاليا، هي أضعف نقطة في المنطقة ، مع كل الثروات التي حصلت عليها. ومع قرب انتهاء الجزء الأكبر من القتال ضد المجاميع المسلحة في العراق وسوريا ، فإن هناك احتمالا ان يعود قسم كبير من هؤلاء المقاتلين الى بلدانهم ، وربما يقومون بأعمال إرهابية في بعض دول المنطقة .

اضافة الى كل ذلك فإن النفط الذي كان في يوم من الايام موردا يحاول الغرب السيطرة عليه ، والدفاع المستميت عنه، أصبح سلعة تفقد أهميتها ، في مجال الطاقة امام تطور مصادر الطاقة الجديدة ، والزاحفة بسرعة كبيرة ، والذي يعني ان الغرب بصورة عامة ، لم يعد في حاجة الى النفط العربي وإلى نفط الخليج ، على الاقل بالشكل الذي كان عليه من قبل . ومع زيادة هذا الاتجاه ووضوحه ، تقل بالطبع أهمية الخليج كمنطقة استراتيجية بالنسبة للغرب.

كل ذلك سوف يؤدي الى تراجع مكانة دول الخليج الاستراتيجية ، والتقليل من أهميتها على المستوى العالمي ، الأمر الذي ربما سيدفع عددا من الدول الآسيوية الصاعدة مثل الهند والصين الى مزيد من التعاون مع إيران ، مؤديا بالمحصلة الى تزايد أهمية إيران في نظر تلك الدول ، كما ستتدعم خطوط بعض الدول الخليجية السياسية والاقتصادية مع إيران ، وربما تعزيزها ، تحسبًا لأية تطورات مستقبلية، وهو ما قد ينعكس على الأوضاع في منطقة الخليج بشكل او بآخر، خاصة مع قيام حركات مثل حماس والجهاد الإسلامي والإخوان المسلمين بالاتجاه نحو الاقتراب بشكل اكبر من إيران، وهو ما ترحب به طهران بالطبع ، دعما وتوسيعا لنفوذها وتأثيرها في المنطقة ، خاصة اذا استمرت الخلافات بين دولها دون حل حقيقي سريع .