أفكار وآراء

جهود السلطنة مع بلوك شين

27 يناير 2018
27 يناير 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

شهدت المنطقة الخليجية بما فيها السلطنة عددا من الفعاليات والندوات التي تعني باستخدامات “سلسة بلوك شين” خلال السنتين الماضيتين بهدف التعرف على هذه التقنيات الجديدة، في الوقت الذي تزداد فيه أهمية هذه الشبكة نتيجة قدرتها الفائقة على تغيير مزيد من أساليب ومعيشة وحياة الناس، خاصة في عالم الاقتصاد والقضاء على النهج البيروقراطي المتبع حاليا في كثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الناس. ولا شك أن توجه السلطنة وسعيها بأن تكون مركز استثمار عالمي جاذب يتطلب من الجهات المعنية الأخذ بكل ما هو جديد في عالم التقنيات الحديثة وخاصة في مجال سلسلة الكتل الرقمية على مستوى المؤسسات والأعمال.

وجاءت المبادرة العمانية في هذا الشأن من قبل وزارة الخارجية في شهر نوفمبر من العام الماضي، وذلك بطرح الموضوع على المستوى المحلي من خلال حلقات عمل وبحضور ممثلي الجهات المعنية الأخرى، حيث شارك في هذه الحلقات ما يزيد على 700 شخص من القطاعين العام والخاص، خاصة وأن عددا من المتحدثين العالميين شاركوا بخبراتهم ورؤيتهم في الاستفادة من هذه التقنية في مجال الأعمال والمال والبنوك والخدمات الحكومية. فهذه التقنيات لها القدرة على المساهمة في رفع أمن وكفاءة التعامل مع المال والأصول المتبادلة والمعلومات، وتؤدي إلى استحداث وظائف جديدة وإتاحة فرص عمل أيضا. وقد ركزت تلك الحلقات على سبعة مشاريع تجريبية لأربع مؤسسات مختلفة هي البنك المركزي العماني، ووزارة التجارة والصناعة، والهيئة العامة لسوق المال ومجلس الاختصاصات الطبية. واستهدفت بذلك عملية التأهيل والتدريب للكوادر الوطنية وكيفية استغلالها في مختلف الجوانب المهمة كالتأثير الاقتصادي مستقبلاً وآلية توفير البنية الأساسية لها.

وترجع تقنية التعاملات الرقمية “Blockchain Technology” إلى المخترع الياباني ساتوشي ناكاموتو، وتحظى بشهرة واسعة كواحدة من أهم المبتكرات التقنية منذ ابتكار الإنترنت، وتتوفر بها إمكانات من شأنها أن تحدث ثورة شاملة في مجال الخدمات المالية والبنكية. وتشير البيانات بأن هذه المنصة تعد في جوهرها وثيقة توزيع المعلومات بحيث لا يمكن لأي فرد أو مؤسسة أو حكومة تبديلها أو تغييرها، ما يعني توافر مستويات لا مثيل لها من الشفافية والأمن. ولذلك تقع تقنية بلوك تشين في المركز الصميم للعديد من العملات ومنها المعاملات الرقمية الحديثة (مثل البيتكوين Bitcoin) التي بدأت تدور حولها الكثير من الآراء باقتنائها سواء بالإيجاب أو السلب، إلا أنه في جميع الحالات فان هذه التقنيات الجديدة مع دخول العملات الرقمية واستخدام تقنية البلوك تشين فإنها ستعمل على كسح المعلومات، وتدفع بعالم الخدمات المالية والبنكية نحو التطوير.

وهناك الكثير من الشركات الاستشارية في العالم توصف تقنيات “بلوك تشين” الجديدة والناشئة على أنها أساسية لدعم وتحقيق الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط، في الوقت التي تضمن فيه حماية فعالة بمواجهة التهديدات المتنامية في أمن البيانات والجريمة الإلكترونية. ومع سعي الحكومات الخليجية إلى استحداث بعض من أذكى المدن في العالم وسط ثقافة الابتكار، فان هذه التقنية- كما تراها الشركات الاستشارية – يمكن أن توفر وسائل سلسة وفعّالة لحماية المدن الذكية وإتاحة تطورها، وتشفير أنظمة المعاملات الرقمية وتطوير نظام بيئي جديد للدفع بالاقتصاد نحو النمو.

فهذه الشبكة تعمل على اختزال الملفات ولكن بصورة أكثر تعقيدا من شبكة المعلومات الدولية مثل اختزاله لملفات التورنت من خلال استخدامها حواسيب قوية وتعمل بنظام خوارزميات رياضية. ومع تنامي تركيز دول الخليج على الابتكار التكنولوجي بالتوافق مع الانتشار المتنامي لخدمات الإنترنت، فان تقنية تقنية “بلوك تشين” سوف توفر بنية تحتية عالية الضمانات من خلال قدرتها على القياس والأداء والتكيف مع الاقتصاد الرقمي السريع الانتشار والتغيير، مع الحفاظ على معاملات العملات الورقية وقوائم مقاومة للتلاعب في سجلات البيانات المتنامية باستمرار، وإتاحة المستثمرين تبادلًا آمنًا للأموال والأوراق المالية وحقوق الوصول إلى البيانات.

فمزايا تقنية (بلوك تشين) أنها تحتوي على نظام له القدرة على الربط بين مختلف المؤسسات لتكوين بنية أساسية معلوماتية مشفرة صعبة الاختراق مما يسهم في إدارة التنسيق بين المشاريع المشتركة بين المؤسسات في البلد الواحد، كمشروع (استثمر بسهولة) على سبيل الذكر والذي أنشأته وزارة التجارة والصناعة، باعتبار أن المشروع يتطلب الربط بين عدة جهات حكومية مما يسهل على المستثمر إنجاز المعاملات بطريقة أسرع وأكثر مرونة، كما يسهل على المستثمر عمليات التحويلات المالية بكل سلاسة. وقد ركزت حلقات العمل التي أقيمت في السلطنة على مختلف المجالات الخدمية والمصرفية والمالية ومجالات الاقتصاد والاستثمار داخل وخارج السلطنة، بجانب إعداد خارطة طريق لدراسة آلية تطبيق تقنية سلسلة الكتل (بلوك تشين) في السلطنة. ومن هذا المنطلق تناولت تلك الحلقات عملية تطوير المهارات والمنافسة لتمكين السلطنة من الولوج في الاقتصاد المستقبلي، والتعرف على الأوجه التي يتعين التركيز عليها في رفع الكفاءات والمهارات التي تعتبر مهمة في التخطيط المستقبلي. وقد أبدت القيادات المشاركة من المسؤولين في القطاع الحكومي والمالي والمصرفي اهتماما كبيرا في إيجاد سبل لتطوير عمل مؤسساتها ورفع مستوى الكفاءة وتسهيل الأعمال لإنجازها بصورة أكبر وخدمة أهداف المجتمع، خاصة وأن هذه الحلقات أبدت ضرورة دفع التغيير من خلال الابتكار، مما يؤدي إلى النمو الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة للعمانيين وحماية النظام المالي في القطاع العام والخاص. لقد أسهمت الندوة في رفع مستوى التوعية والمعرفة بالفرص التي تقدمها تقنية سلسلة الكتل الرقمية بحيث نالت اهتماما كبيرا من القطاع الحكومي والمصرفي وقطاع المال، الأمر الذي يساعد على عملية الاستمرار في التطوير الاقتصادي، وتعريف المؤسسات الحكومية على استخدامات تقنية سلسلة الكتل الرقمية في علمية إنجاز الأعمال، وفتح آفاق جديدة متعلقة بهذه التقنية ولاستفادة منها في النظم المختلفة.

ورغم هذه الإيجابيات إلا أنها ربما تشكل معضلة لبعض الشعوب بسبب استخدامها لجيل جديد من الروبوتات التي تسبب في تفاقم البطالة، في الوقت الذي يأمل العالم بألا يتم استغلالها مثلما تم مع شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” التي استغلت بشكل سلبي من طرف الحكومات حول العالم بهدف أغراض سياسية ومراقبة مواطنيها. لذلك كان لا بد من ابتكار طريقة حديثة يمكن من خلالها إيجاد مزيد من الفسحة للناس والمساهمة في دمقرطة الاقتصاد العالمي عن طريق إشراك جميع سكان الكرة الأرضية في هذا النشاط.

إن هذه التقنية أصبحت اليوم ضرورة لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تعيش اليوم مرحلة من التغيير السريع نتيجة توجهات الحكومات في عملية التنويع الاقتصادي بعيدا عن الاعتماد على النفط، الأمر الذي يتطلب منها مواكبة جميع التحديات والإسراع في إنشاء المدن الذكية لدعم البرامج الوطنية في هذا الشأن، وأن تكون على استعداد لمواجهة التهديدات التي تتراوح ما بين القرصنة والجريمة الإلكترونية من خلال العمل واستخدام تقنيات بلوك تشين لتحقيق أهداف الاقتصاد الرقمي، بجانب تسريع العمليات الإنتاجية ومكافحة الفساد.