المنوعات

كتاب جديد يؤكد متانة العلاقة بين السرد والوعي

22 يناير 2018
22 يناير 2018

القاهرة «العمانية»: يؤكد د.مصطفى عطية في كتابه «الوعي والسرد» الصادر عن دار النسيم للطبع والنشر بالقاهرة، أن لا سبيل لإنشاء سرد أو الغوص فيه أو تلقّيه إلا بالوعي. ويتطرق الناقد إلى السرد لدى عدد من الروائيين مثل نجيب محفوظ، وإبراهيم أصلان، وفؤاد قنديل ومحمد حافظ رجب.

موضحًا أن مفهوم الوعي يختلف من مجال لآخر، فهناك الوعي الأخلاقي، والاجتماعي، والسياسي، والديني، إلا أن هناك مفهومًا مشتركا للوعي، يتمثل في ممارسة نشاط معين بجانب إدراك تلك الممارسة، فأيّ فعل يقوم به الإنسان إنما يصدر عن وعي منه، سواء كان قولًا أو عملًا أو فكرًا أو تخيّلًا أو نشاطًا يدويًا.

ويؤكد عطية استحالة معرفة أيّ شيء من دون الوعي، لذلك يمكن وصف الوعي بأنه الحدس الحاصل للفكر بخصوص حالاته وأفعاله، وبالتالي فإن تحديد الوعي بمجال معين، إنما يتناول المعرفة بهذا المجال، وفهم أبعاده، والمهارة في أدائه، فنقول مثلًا:

«الوعي الاجتماعي»، أي فهم أهمية العلاقات الاجتماعية ودورها لشخصية الفرد وبناء المجتمع، وسبل تنميتها، وتعميقها، وترشيدها إن زادت أو انحرفت، وهذا كله يتوقف على وعي الفرد ذاته وعلى ذكائه، وهو يتفاوت من شخص لآخر، في ضوء مهارات كل منهم وحاجاته.

ويلفت الناقد إلى أن «اللاوعي» يندرج تحت الوعي، هذا إن لم يكن جزءًا أساسيًا منه، فهو المقابل له في العمق النفسي، مستشهدًا بوصف فرويد للنفس البشرية بأنها مثل جبل الجليد، ما يختفي منه أكثر بكثير مما يبدو، ويعني بذلك «الهو» أو ما يسمى «مبدأ اللذة» (نزعة الليبيدو)، الذي يحوي الغرائز والانفعالات المكبوتة التي تعتمل داخل النفس وتظهر في فلتات اللسان والقلم والحركات، و«الأنا» التي يواجه بها الإنسان مجتمعه، بأخلاق ونظام يحاول من خلالها التوافق مع مجتمعه.

والوعي واللاوعي وفقًا للناقد، كلاهما يتدخل في الفعل البشري، وإذا كان الإنسان واعيًا بكثير من القرارات والأعمال والأقوال التي تصدر عنه، فإنه لا يستطيع أن ينكر زلات اللاوعي التي تنضح من شخصه وتظهر في فعله. ويؤكد عطية أن علاقة الوعي بالسرد تأتي محددة في ثلاثة جوانب تلتقي في مادة السرد: الذات الساردة، والمسرود ذاته، والذات المتلقية.

ويقول إن الوعي يكون محركًا بين هذه الجوانب، فهناك وعي لدى السارد، ووعي في النص السردي، ووعي لدى المتلقي، وكلما استطاع المتلقي أن يتلقى النص السردي، ويفكّ شفراته، ويقف على الكثير من رسائله ورموزه، فهذا دليل على أن النص السردي واضح في طرحه، جميل في تشكيله، عميق في مضمونه، مع الأخذ في الحسبان أن هناك تفاوتًا بين النصوص المختلفة؛ فهناك نصوص تفتقد العمق، وتنقصها الجماليات، مما يجعلها بسيطة الطرح، سطحية المضمون، وينأى عنها المتلقي سريعًا لأنه استوعب رسالتها بيسر.

ويشير إلى أن فهم المتلقي لرسالة النص وشفراته، دليلٌ على مدى تمكّن السارد «المنشئ في تكوين نصّه، الناتج عن وعيه بالحكي، وإدراكه لكيفية تقديمه للقارئ بشكل جمالي وجذاب، وبالتالي تكون المعادلة بين الوعي والسرد قائمة على وعي السارد وتمكنه من تقنيات سرده، وتحقيق هذا في النص بشكل عالٍ، يجعل المتلقي سابحًا متمتعًا هاضمًا رسالة النص، مشاركًا بفاعلية ووعي في إنتاج دلالات جديدة تغذي نفسه، وتضيف لمجتمعه تنويرًا وجمالًا.

ويؤكد أنه بقدْرِ تمكن الذات الساردة من عالم القصة، وامتلاكها الأدوات السردية في التعبير والبناء، والتقاطها موضوعات جديدة، وخوضها أحداثًا مختلفة، تكون الجدة والطرافة في السرد نفسه، وهو السبب الأساسي في تميز النص السردي.

وكذلك، بقدْر تمكّن السارد من موضوعه، وهضمه للأشياء والعالم المعبَّر عنه، ترتفع جودة العمل السردي، فـالصلة الفنية بين الأشياء والأفكار تتميز بطابعها المباشر، فهي مقارنة وتشبيه وتداعٍ، أو هي تقريب حرّ لا يتطلب براهين.

ويرى أن من المهم الأخذ في الاعتبار، أن مسألة تعدد الرواة، والسرد من زوايا متعددة، إنما هي مسألة فنية، تهدف إلى الإيهام بالواقع، وهي شكل من أشكال الديمقراطية في التعبير، وفي حالة غياب هذا الموقع الفني الذي يتوخّاه السارد يكون الخطاب في مجمله موجزًا، مقتصرًا على ما يرومه المنشئ فقط.

أما في حالة تقديمه عبر بنية التبئير وبشكل فني، فهذا دلالة على أن المسألة لا تعدو أن تكون وجهة نظر خاصة بالراوي في السرد، مؤطرة ومحددة بواقع هذه الشخصية ومحدداتها الاجتماعية والثقافية، فهي لا تتحدث في المطلق، وإنما تظل مروياتها خاضعة لرؤاها الذاتية المشبعة بوعيها الخاص.