sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: الببغاء الذي كنت !

17 يناير 2018
17 يناير 2018

شريفة بنت علي التوبية -

لماذا يكلف الطلاب بحفظ كتب لا يحفظها مؤلفها؟! ذلك ما قاله الفقيه والأديب علي طنطاوي رحمه الله، وذلك ما كنت أردده بيني وبين نفسي حينما أجدني ملزمة بحفظ كتاب مدرسي، حيث كان لزاماً علينا حفظ المنهج كاملاً كشرط من شروط النجاح وشرط من شروط الحصول على الدرجة الكاملة، وكان ذلك أدعى بنا نحن الصغيرات للتنافس على حفظ النصوص وحفظ القواعد والحوادث التاريخية والنظريات وجدول الضرب ومسائل الرياضيات، فكل شيء كان قابلا للحفظ في الكتاب المدرسي، حتى وصل بنا التنافس على حفظ الفاصلة والنقطة كي نثبت أينا (الأشطر)، كنا نردد تلك السطور بصفحاتها أمام المعلمة التي تبارك من يحفظ أكثر، أعترف أن سنوات المدرسة أفقدتني نصف المتعة ونصف المحبة ونصف الخيال، وأفقدتني لذة الشعور الذي أعيشه الآن، وأنا أقرأ الكتب، فتلك الطريقة حولتني إلى ببغاء يردد ما يحفظ، وهدمت جسر العلاقة بيني وبين كتابي المدرسي الذي لم يكن يمثل لي سوى ورقة اختبار ودرجة نجاح، وذلك ما أرفضه وأقاومه الآن مع أبنائي كلما جلست معهم على طاولة المذاكرة. الآن وأنا أعيش هذه الفترة الصعبة من عمر عروبتنا وديننا أدرك أن ذلك كان سبباً لما نحن فيه من انحدار وجمود، فلأننا اعتدنا ترديد ما يُملى علينا، أصبحنا نصدق تلك الأفكار والحكايات التي تحاك وتصاغ باسم الدين واسم السياسة واسم الإعلام الحر، نغمض عين العقل حتى لا تتجاوز المحرم والمحظور، وتقف بعقولنا عند حدود ما قالوه، فحدود العقل أن تؤمن بما يقال ويكتب، حتى أصيبت عقولنا بالضمور ونقص النمو، وفي ذلك مباركة أخرى لدى البعض. إن العقل العربي ليس عاجزاً عن التفكير لكنه معطل ومقيد، لذلك لا ينتج فكرة، وثورات الربيع العربي التي راهن البعض عليها والتي أطاحت وغيرت كما يظنون، أرى أنها عجزت عن أن تغير شيئا في واقع لن يتغير إن لم تتغير الفكرة، ويتم فك الحصار عن عقولنا المسجونة في معتقد ديني أو اجتماعي، والمجتمعات لن تتغير بتغيير أشخاص بل بتغيير أفكار وثقافات ومعتقدات بالية، فنحن بحاجة لأمة تقرأ وتحارب الفكرة بالفكرة، بحاجة إلى التخلص من كل المعتقدات الخاطئة التي تحول بيننا وبين البحث عن إجابة لسؤال محرم وتقف بنا في نقطة البداية، بحاجة إلى مدرسة لا يحفظ الطالب فيها كتابه المدرسي بل يحبه ويفهمه، بحاجة إلى فكرة نصنع بها إنسانا حقيقيا في زمن مات به الإنسان.