abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ: فقير وشوره دمير

14 يناير 2018
14 يناير 2018

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

وما أكثرهم هذه الأيام، كثرتهم هنا ليست في الفقر وإنما في دمارة الآراء أو سوء التصرف كما يقال في العربية الفصحى، ودمارتهم ليست في التدبير الاقتصادي فقط وإنما تتعداها الى الجوانب الاجتماعية والسياسية والأخلاقية حتى. ستسألوني هنا لماذا هذه التفرقة ولماذا كل هذا التعصب والهمز واللمز على الفقير المسكين أوليس الغني أيضا دميرا في تصرفاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية؟ أو أن الفقير كما يقال في الدراج « ما له رب»؟.

لا أدري جذر هذا المثل ومن ضربه ولمن ضرب ومتى ضرب ولكنني أعرف أن الشعوب قاطبة أجمعت في أمثالها على نقد وذم الفقر والفقراء وليس العرب وحدهم من فعل ذلك، فالإسبان مثلا يقولون « نهار الفقير طويل» كناية على أن الفقير يسأم من يومه الذي يقضيه من غير صنعة أو عمل، أو كما يقول المثل الإفريقي « نعجة الفقير لا تسمن» للدلالة على أن الفقير ليس وحده من يعيش في بؤس وإنما حتى ما يملكه فهو غير قادر على إعالة نفسه أو غيره، ولعل العرب بخفة ضلهم أضافوا الى الفقير بعض الأمثال التي تحاول أن تسلي عنه همومه أو تتندر عليه كقولهم « إذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من الشباك» وغيرها الكثير من الأمثال.

الفقير الدمير الذي نتحدث عنه لم يسلم من المجتمع ونقده في الأمثال فقط وإنما طالته دراساته النفسية والسيكولوجية التي أجراها بعض العلماء النفسيين الذين قد يكونون من الأغنياء ممن ذهبوا في تلك الدراسات الى أن كثير من المشاكل السلوكية في المجتمع مردها الى الفقر والفقراء فلو تمدن المجتمع وصار جل سكانه من طبقة الأغنياء لاختفت كثير من تلك المشاكل السلوكية، ضاربين بذلك أمثلة من أطفال فقراء تفشت بينهم الجريمة والفقر فيما جيرانهم من الأغنياء قلت أو اختفت بينهم تلك الجرائم، وكأن الفقير هنا انطبق عليه بيت الشعر العربي يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه أبوابها فهو قد تكالبت عليه الحياة بهمومها وأحزانها فلم يسلم منها ولا من الغني الذي بات يتندر عليه ويتمثل به.

هذا المثل الشعبي وغيره من الأمثال وان كان في ظاهره متحاملا على الفقر والفقراء واصفا إياهم بسوء التدبير في الحياة إلا أنه في عمقه صائب بعض الشيء فما نراه في حياتنا اليومية من أناس يشتكون الفقر والعازة هم في الواقع الحقيقي ليسوا بفقراء ولا محتاجين، غير أن سوء تدبيرهم في الحياة جعلهم في مرتبة الفقر، فمثلا أعرف بعضا ممن حولي يشتكي من أن ما يستلمه بيمينه يشفطه الآخر بشماله ويبقى هو في فقره عالة على نفسه وغيره يسأل فلانا ويستجدي علانا حتى يحين موعد هلال الشهر المقبل ليتكرر ذات المشهد وذات المأساة والملهاة. ليس الأفراد الفقراء وحدهم من يفتقروا الى التدبير في حياتهم، حتى الحكومات.

الفقر كما يقال ليس عيبا ولكن العيب هو سوء التدبير فكم من فقير عاش كريما غنيا بنفسه بسبب حسن تدبيره وكم من غني عاش ذليلا فقيرا بسبب سوء تدبيره فالفارق هنا في التدبير ورجاحة العقل ووزن الأمور بموازينها الصحيحة فكم من غني «شوره دمير» لكن المجتمع لم يتحدث عنه بسبب ماله أو جاهه.