أفكار وآراء

التخلي عن خطاب الكراهية .. ضرورة لحل الأزمات!!

13 يناير 2018
13 يناير 2018

مرتضى بن حسن بن علي -

[email protected] -

الكراهية في الخطاب العربي خطاب متجذر ويظهر بشكل سافر أثناء الأزمات كاشفا عن عمق الأزمة الثقافية وأزمة العقل العربي التي نعانيها حيث إن قيم التسامح التي ندعي بها لا تتجاوز طرف اللسان. وتلعب بعض فئات «السياسيين» و«المثقفين» و«علماء الدين» دورا مميزا عن طريق استعمال وسائل الإعلام والاتصال الجماعية المختلفة وبعض المساجد التي أصبحت متهمة من الكثيرين بلعب دور تحريضي بشكل لافت وضاغط وأدى هذا الدور إلى ظهور اِسْتِقْطابَات سياسية وطائفية ومذهبية وقبلية قاتلة داخل المجتمعات ومزقت أنسجتها الاجتماعية يصعب معالجتها بسهولة.

ولقد شهدت مرحلة الخمسينات والستينات والسبعينات وما تلتها وما زالت ذلك الخطاب عند حدوث أي خلافات سياسية بين دولتين أو زعيمين ورأينا ذلك من خلال فصول المواجهات اللفظية الساخنة في الاجتماعات والندوات والحوارات العربية وما رافقتها من المواقف المنفلتة الغاضبة. ورغم أننا من أكثر شعوب العالم استعمالا للأمثلة المختلفة مدعومة بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تدعو إلى الحكمة والاتزان مثل: «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا» و«التسامح زينة الفضائل»و«أعقل الناس أعذرهم للناس»ولأن أندم على العفو خير من أن أندم على العقوبة والخلاف لا يفسد للود قضية وغيرها.

ولكن في الواقع ربما لا نتحمّل أي رأي مختلف ونفسد كل القضايا بالصراع والتجني واستعمال كافة الأسلحة السيئة بما فيها فتاوى التكفير والتحريض على القتل وسفك الدماء حيث يتحول الحوار إلى حوار بالمدفعية والطائرات والقنابل والأحزمة الناسفة والصواريخ وكافة الأسلحة القاتلة.

واقعيا أصبح من شبه المستحيل، تقريبا،أن نتقبل حلولا توافقية من أجل وحدة الأوطان أو الاحتفاظ بحبل الود مع الآخرين. وعندما نتصالح لا نذهب إلى أصول المشاكل التي فجرت الصراع، أو تشخيصها وإيجاد الحلول لها،بل نحاول اتباع بعضا من العادات التي عفى عليها الزمن مثل اتباع سياسات «حب الخشوم» و«تبويس اللحى» وترديد عبارات محددة، التي ربما كانت ناجحة سابقا في المجتمعات البدوية لحل مشاكل قبلية أو أسرية أو في معالجة قضايا الزواج والطلاق، غير أنها لا تصلح في عالمنا المُعقّد المُركّب المعاصر. كل ذلك يدل على عمق أزمتنا الثقافية وكم هي غير منجزة وأننا نعيش الماضي بأفكارنا وتقاليدنا وأعرافنا وعقولنا ونعيش الحاضر بأجسادنا.

والمسألة ليست هينة. ففكرنا السياسي التاريخي هو من أفقر الجوانب في تراثنا الفكري. كما أن النظم والمؤسسات السياسية في تاريخينا العربي تجعل من غير المبالغة القول إن هذا التاريخ مصاب بفقر دم سياسي. وهذا ما جعل حاضرنا يحمل معه أعراض داء «الأنيميا» السياسية مؤديا إلى «الشيزوفرينيا» السياسية. أي الانفصام بين الخطاب السياسي وبين السلوك السياسي. أما آن لنا أن نضع هذه «الشيزوفرينيا» تحت المجهر المختبري وفِي قاعات البحث، للفحص والتحليل بدلا من تركها في الساحات العامة تعبث بكل ما تبنيه أو تحاوله؟؟

لقد سيّسنا كل شيء في حياتنا. سيّسنا الدين والمذاهب، والثقافة والتعليم والاقتصاد والفكر، ومعظم الأشياء الأخرى. أصبح كل شيء مسيّسًا إلا السياسة. السياسة من حيث كونها أصول وأداء وكائن طبيعي معترف به إضافة إلى كونها علم وفن إدارة الموارد المختلفة للمجتمعات، السياسية والاقتصادية والعلمية والتراثية والجغرافية والتاريخية والإنسانية، وبما يحقق لهذه المجتمعات صحتها ورفاهيتها داخل أوطانها وحماية أمنها ومصالحها وسلامتها خارج حدودها السياسة الطبيعية لم تجد قنواتها المشروعة في مجتمعاتنا منذ قرون عديدة، فتحولت احتقانا في شرايينه نحو مجالات أخرى وعبّرت عن نفسها بالأسقاط والتعويض. وهذا ما يُفّسر الكثير من الخلافات المذهبية والفقهية والقبلية في الماضي والحاضر والصراعات الدموية التي أنتجتها وما زالت تعيد إنتاجها.

كان خطاب الكراهية واضحا أثناء الحرب العراقية-الإيرانية وأثناء أزمة احتلال الكويت والحرب التي تلتها وبعد ذلك أثناء الحصار المُدمّر على العراق وما أعقبه من غزو مكشوف أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في العراق. وبعد أحداث «الربيع العربي» ولا سيما بعد أحداث سوريا وتاليا اليمن وليبيا وغيرها، حيث تحوّل الخطاب إلى ظاهرة ثقافية، سياسية معقدة ومركبة، ولقد شهدت المجتمعات العربية نمو هذه الظاهرة وبأشكال صادمة بالتزامن مع التحولات السياسية العربية الراهنة، مستثمرة الانتشار الواسع لوسائل الإعلام الحديث والتواصل الاجتماعي ومتأثرةً بالأزمات الاقتصادية وحالة الجهل والمواريث التاريخية، وانسداد آفاق المستقبل، الأمر الذي أوجد حالات متعددة من الاِسْتِقْطابَات الحادة. وفِي أثناء الخلافات يصل خطاب الكراهية إلى مستويات خطرة من مستويات التعصب والكراهية والتحريض المتبادل، وهو أمر امتد إلى كل الخلافات الراهنة دون استثناء للأسف الشديد.. لقد كشفت شبكات التواصل الاجتماعي حجم الانكشاف الاجتماعي والثقافي إلى جانب الانكشاف السياسي الذي زاد من تعقيد ظاهرة خطاب الكراهية، وكشف عن جوانب متعددة لهذا الخطاب منها إعادة إنتاج الهويات الضيقة والمرجعيات الأولية بعد أن كنّا نردد ليل نهار ولعقود شعارات عن «المصير الواحد «و» الهدف الواحد «و» الأمن الواحد» و«خليجنا واحد».

لقد كشفت أفعال الناشطين على شبكات الإعلام الاجتماعي والإعلاميين والصحفيين المحترفين وبعض علماء الدين وكذلك «المثقفين العرب والخليجيين» الذين ساهموا بدورهم لترويج خطاب الكراهية، عن مدى بعدنا عن كل الشعارات التي نرفعها. لقد تنامت بسرعة غريبة ظاهرة الكراهية ولا تزال ودخلت في سياق الحملات المنظمة محرضة على الفتن ونشر الكراهية وأخذت خط الشخصنة والتعرض للأعراض والمذاهب وصولا إلى شيطنة المجتمعات بكاملها.

ورغم أن خطاب الكراهية في الأعلام العربي ليس بالخطاب الطارئ إلا انه بدأ أكثر وضوحا وضغطا في مرحلة الثورات والاحتجاجات الشعبية والاختلافات السياسية بدءا من الخمسينات ومرورا بكل الأزمات العربية وحتى الآن. لم ينجح الإعلام العربي في امتهان الحياد والموضوعية بل أصبح هو الأخر جزءا من الصراع والتحريض كما أظهر ذلك أن كل قيم التسامح التي كانت بعض الفئات المحسوبة على الدين تدعيها، لا وجود لها واقعاً في ثقافتنا الراهنة.

وكخطوة أولى لنزع فتيل ذلك، علينا البدء بنزع خطاب الكراهية المتصاعد ولو تدريجيا ونعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي دون تهوين أو تهويل، وإلى أصولها السياسية، وإلى كونها صراعا بين المصالح المتناقضة وإلى إيجاد وسطاء مقبولين ومعقولين، وعكس ذلك سوف نسير بخطانا إلى خسائر محققة للجميع.