أفكار وآراء

القمة العربية ..وضرورة الخروج من الوضع الراهن !!

09 يناير 2018
09 يناير 2018

عوض بن سعيد باقوير -

في ظل الأزمات العربية والخلافات المتواصلة بين عدد من الدول العربية وفي ظل الضبابية التي تمر بها الأزمة الخليجية وفي ظل التهديد المتواصل للأمن القومي العربي في اكثر من منطقه خاصة استمرار الحروب في اليمن وسوريا وليبيا ، والذي أدى الى انقسام عربي غير مسبوق تظهر أهمية التفكير في قمة عربية لمناقشة الوضع العربي الراهن للخروج باستراتيجية عربية لصالح مستقبل الأمة والحفاظ على مقدراتها و أجيالها الحالية والقادمة .

الأمن القومي العربي

المشهد السياسي العربي يعد في أسوأ حالاته منذ عهد الاستقلال وقيام الدول الوطنية حيث يعيش العرب أوضاعا معقدة ، حيث المشاكل على صعيد العلاقات البينية او على صعيد ارتفاع نسب الفقر ، وتدني مستوى التعليم ووجود الملايين من الشباب العربي الذي يبحث عن فرص العمل، وإنفاق مليارات الدولارات كل عام في شراء الأسلحة من الغرب والشرق ، وتصدع المنظومة العربية خاصة جامعة الدول العربية . كما ان انتشار ظاهرة الكراهية والطائفية والتي غذتها بعض وسائل الإعلام العربية للأسف على مدى سنوات قد انتجت مناخا سلبيا ، يساهم في تعميق الخلافات والتشرذم الذي تعيشه الأمة العربية من المحيط الى الخليج ، ومن هنا فإن المشهد العربي كما تمت الإشارة إليه يدعو للرثاء على الأصعدة السياسية والاقتصادية وتنامي الحروب الأهلية فضلا عن العجز العربي في إيجاد حل للحرب المدمرة في اليمن الشقيق والتي خلفت خسائر في صفوف المدنيين والبنية الأساسية لليمن ، وإهدار مقدرات شعبه وذلك بسبب تصلب مواقف الفرقاء في اليمن وكثير من الأطراف المعنية بما يجري فيه . الأزمة السورية والحرب التي اشتعلت فيها ودمرت مدن ومقدرات هذا البلد العربي الشقيق كانت نتاج حسابات سياسية خاطئة من جانب الفرقاء في سوريا ، مما شجع على دخول الدول الخارجية ، وهو ما جعل سوريا بمثابة مناطق تتصارع فيها الأطراف رغم الجهود السياسية التي تتواصل لإنهاء هذه الحرب على اكثر من صعيد ، ومن هنا فإن الأمر ينطبق أيضا على ليبيا حيث التناحر بين الفرقاء والشعب الليبي يعيش أوضاعا أمنية واقتصادية صعبة.

كما ان الأزمة الخليجية قد أحدثت ولأول مرة منذ قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981 شرخا ما بين الشعوب ، قبل الأنظمة، وساهمت بعض وسائل الإعلام في تأجيج هذا الخلاف الذي أوجد احتقانا سياسيا بين الأشقاء ، كما ان العلاقات العربية-العربية تعيش أوضاعا معقدة فكل دولة عربية لديها خلاف او مشكلة ما مع دولة عربية أخرى ، مع استثناءات محدودة جدا . ومن هنا فإن النموذج العماني، يبقى في الواقع هو افضل النماذج العربية في هذه المرحلة مما يعني ان القمة العربية أصبحت ضرورة قومية لانتشال العرب من وضعهم الصعب حيث ان مستقبلهم ومستقبل أجيالهم في خطر وربما اذا استمرت أوضاعهم الحالية قد يطمع اعداؤهم في تطبيق خططهم الاستراتيجية وهي تقسيم دولهم ليصبحوا اشبه بالكانتونات المتصارعة . وعلى أية حال فإن القمة العربية العادية القادمة ستعقد في شهر مارس القادم .

نجاح النموذج الآسيوي

لعل النموذج الآسيوي خاصة تجمع الآسيان هو من النماذج الناجحة على صعيد التجمعات الاقليمية، فقد ظهرت الدول الوطنية واختطت لنفسها توجها سلميا يعتمد على توطين التقنية وتحسين الاقتصاد والصناعة، وإيجاد مجتمعات منسجمة رغم التعدد العرقي في هذه الدول . وخلال اقل من نصف قرن أصبحت دول الآسيان عنوانا للدول الصناعية الناجحة واختفت الحروب في هذه الدول واصبح الحوار والبعد عن الصراعات السياسية بعيدا عنها ، حيث تم التركيز على العنصر الاقتصادي ، مما جعل هذه الدول تعيش فترة من السلم الاجتماعي والتطلع الى مزيد من التنمية المستدامة وتحقيق مستويات عالية من الرفاه الاجتماعي.

ان العرب لديهم امكانات بشرية واقتصادية وموارد طبيعية كبيرة ، ولكن الاقليم العربي فشل بامتياز خلال نصف قرن ، حيث الحروب والمشاكل والفساد والبيروقراطية ، وبالتالي كانت النتائج متوقعة ، ولم يستطع النظام العربي ان يخلق تجمعا اقتصاديا على غرار دول الآسيان بل اصبحت المنطقة العربية وسكانها الذي يقترب من 400 مليون نسمه سوقا استهلاكية بمئات المليارات للبضائع الآسيوية خاصة من الصين واليابان وتايوان وبقية دول جنوب شرق آسيا. ومن هنا فإن الوضع العربي يحتاج الى هزة كبيرة من خلال إعادة التفكير في السلوك العربي والمنهجية التي تحكم هذا السلوك ومناقشة هذا الوضع المتردي من خلال ندوات فكرية يشارك فيها المفكرون والمثقفون العرب بشكل شفاف وصادق.

ان الوضع العربي اصبح في غاية السوء ولابد من تدارك الاوضاع حيث استنزاف الثروات العربيه بفعل الحروب والصراعات وبفعل الانانية السياسية وسياسة الهيمنة من الطبقة السياسيه على مقدرات الشعوب ، وغياب الرقابة البرلمانية الحقيقية ، والدور المحدود لمنظمات المجتمع المدني ، وايضا استخدام الإعلام لخدمة سياسات الأنظمة ، ومن هنا فإن المحصلة النهائية لهذه المنهجية لابد ان تتماشى مع الأوضاع العربية المتراجعة.

صحيح لايمكن تطبيق النموذج الآسيوي بشكل كامل ، لكن المطلوب هو دراسة مراحل تطوره والمناخ السياسي والاجتماعي الذي أدى الى هذا النجاح الباهر لهذا التجمع الآسيوي، والاستفادة من هذه التجربة بما يتماشى والأوضاع العربية ، وايضا بما يتماشى مع آليات المجتمع العربي ، خاصة وان العرب يمتلكون إمكانات وطاقات شابة حيث ان هناك نسبة كبيرة من الشعب العربي فيه طاقات شابة ويعول عليها من خلال التعليم والتدريب ان تكون هي القاطرة التي تحرك المشهد العربي ، نحو بوصلة التغيير الإيجابي حتى يصبح للأمة العربية مكانها الطبيعي تحت الشمس .

التعليم وتغيير المنهجية

كل التجارب التنموية في العالم سواء في آسيا وحتي في الغرب كان سببها المباشر هو الاهتمام بالتعليم وجودة التعليم ، وبدون هذا القطاع لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية تنتشل الاوطان من اوضاعها الصعبة ، ومن هنا فإن مراجعة شاملة و أمينة للتعليم في العالم العربي هو الآلية الصحيحة لإحداث التغيير في المنهجية والفكر العربي ، كما ان السلوك القيادي العربي لابد من تغييره ، حتى يمكن تجديد الطاقات العربية والاستعانة بالشباب واستفادة الأوطان من فكر متجدد ، يسهم فيه الشباب بقدر كبير، بحكم اهتماماتهم وتفاعلهم مع التقنيات والتطورات الحديثة.

القيادات الشابة التي ظهرت في عدد من الدول الغربية تثير الانبهار حيث يحكم دول كفرنسا وكندا والنرويج وغيرها من الدول في آسيا قيادات شابة مع حكومات صغيرة من حيث عدد الوزراء ، وهذا نموذج ممتاز في ادارة الدول ، في حين ان الدول العربية هي عكس هذا الاتجاه ، وهذه إحدى المشكلات العربية في مجال المنهجية والسلوك السياسي ، مما يجعل المنطقة العربية بيئة طاردة للكوادر المبدعة ، ولعدد من الذين اصبحوا علماء وشخصيات مرموقة في المجتمع الغربي .

وتشير الارقام الى ان الغرب احتضن خلال الخمسين سنة الماضية عشرات الآلاف من الشباب العربي الذين اصبحوا علماء في مختلف المجالات العلمية والاكاديمية والتكنولوجية وحتى على صعيد العمل السياسي والاقتصادي ، حيث برز عدد من العلماء العرب الذين كان لهم دور في مجال الفضاء والطب وغيرها من المجالات الحيوية ، التي ساهمت في النهضة الغربية .

ومن هنا فإن التعليم يبقى هو حجر الاساس ولعل التعليم في القرن الماضي كان ذا طابع متطور أفضى الى ظهور العلماء والمفكرين والمبدعين العرب ، الذين كان لهم دور وطني وفكري مهم ، خاصة خلال وجود الاستعمار وظهور الدول الوطنية المستقلة .

حساسية المرحلة

وعلى ضوء هذه الظروف المعقدة بالنسبة للعرب ، فإن مناقشة تلك الظروف والخروج باستراتيجية موحدة تخرج الأمة من وضعها الصعب والخطير ، اذا لم يتم التنبه للخطر المحدق بالأمن القومي العربي في اكثر من منطقة ، فإن التفكير في عقد قمة عربية استثنائية ، أو التعجيل بعقد القمة العربية الدورية المقررة في شهر مارس القادم ، يعتبر مهما و خطوة مهمة ، للخروج من هذه الأزمات التي ترزح تحتها الأمة العربية ، أوطانا وشعوبا ، ومن المهم ان تعي القيادات العربية حساسية المرحلة وضرورة الخروج من هذه المازق والتحديات التي أوصلت العالم العربي الى هذه المرحلة السيئة والتي تحتاج الى عملية إنقاذ حقيقية .