الرياضية

مقال: منتخــب عمان حاكـــــم زمانه ..

07 يناير 2018
07 يناير 2018

محمد العولقي -

من عايش الربيع العماني المنتفض والمتجدد .. ومن يعرف روح المنتخب العماني وطموحاته سيصل إلى الحقيقة التالية :

ليس غريبا ولا عجيبا أن يفوز منتخب سلطنة عمان ببطولة كأس الخليج الثالثة والعشرين .. لكن الغريب والمريب أن يفقدها.. وهو أكثر المنتخبات الخليجية حضورا وتألقا و إبداعا ..

للمنتخب العماني وسائله الخاصة للوصول إلى منصات التتويج .. ومعانقة الألقاب التي تشرئب لها أعناق المتطلعين للحركة والبركة .. ليس من بينها وسيلة الاستعانة بالعفاريت وجن سليمان ..

صار منتخب (عمان) منتخبا مرصعا بالنجوم الشابة .. تضاف لهم بهارات الخبرة كما هو الحال مع قائد الأوركسترا (أحمد كانو) .. منتخب يجمع في سلته بين أناقة (السهل الممتنع) و صرامة الانضباط في النواحي التكتيكية والفنية ..

وعندما أمسك المنتخب العماني بفيروز اللقب الخليجي .. وأخذ يقلبه بين يديه بحس شاعرية (امرئ القيس) .. فإنه امتلك شخصية البطل .. شخصية منحته رئة إضافية للتنفس في محيط الكبار ..وشحنة حماس متجددة ومتفجرة .. ولوحة إمتاع ومؤانسة تسر الناظرين ..

كتب العمانيون ملحمتهم الخليجية بتألق لاعبين كانوا نجوما فوق العادة .. وأبطالا وقت الجد مع مرتبة الشرف .. وعندما يتوفر الحد المعقول من الاهتمام والرعاية بالمنتخب العماني .. ويبرز التناغم والانسجام بين الإدارة و الاتحاد تجد اللاعب العماني في قمة التجلي والإبداع .. وهي حالة خاصة تفاعل معها الجمهور العماني الذي شاهدناه يغطي مدرجات (استاد جابر الدولي) بالكويت .. ويرسم لوحة من الإثارة والصخب الإيجابي والحياة الملونة ..

ومنتخب عمان الذي خرج من (قمقمه) كالمارد أكد حقيقة الفرق بين منتخب يصدر الحزن للشعوب وآخر يوزع شلالات الفرح على شعوب أخرى كانت مغرمة بالتجربة العمانية ..وهو وضع خاص يبرر سخاء الإنفاق .. ويضع الفواصل والحدود بين منتخب ملايين يسعد العباد والبلاد .. استدعى العمانيون خبرة سابقة مع شروط التفوق .. فكانت الحصيلة أن اللاعبين ارتدوا روح المسؤولية .. ثم أطلقوا طاقاتهم الشابة المكبوتة لتحرق كل المسافات والمساحات ..

اختار العمانيون معادلة بسيطة تعتمد على فلسفة ذوبان الكل في واحد ..والواحد في الكل .. فظهر الوقار التكتيكي على أسلوب المنتخب .. وبرزت (الرزانة) الفنية في تجليات اللاعبين .. وظهرت مهارة الإدارة في احتواء كل طارئ قد يعكر أجواء المنتخب السلطاني ..

بدأ التجانس والتناغم واضحا بين اللاعبين والإداريين والجهاز الفني .. بدليل هذا التركيز العميق الذي مكّن المنتخب العماني من تجاوز الطارئ النفسي بعد خسارة الافتتاح أمام منتخب الإمارات ..

كان رد فعل المنتخب العماني مفاجئا للجميع .. عدا الإدارة الفنية للمنتخب التي تعاطت مع المثل (الضربة التي تقصم ظهري تزيدني قوة) .. وترجمته على أرض الواقع فنا و إبداعا وتألقا أسمع كل من به صمم ..

سحب المنتخب العماني سجاد التألق من تحت أقدام جميع المنتخبات بحكم أنه زاوج باقتدار بين الحرص والشجاعة ..كما أنه تحلى بالثقة بالنفس فهزم شبح الخوف وتجاوز منحدر هزيمة الافتتاح .. التي لم تكن سوى هزيمة مفهوم .. لا هزيمة نهج وأسلوب ..

كان المنتخب العماني هو المنتخب الوحيد المقنع في الخلاصة العامة .. خطوط متوازنة ومتماسكة .. فنيات هائلة تتحكم في إيقاع اللعب وتحدد منسوبه في نهاية المطاف ..

في تصوري كمحلل يغوص في بحار الشاكلات .. فإن القوة الحقيقية للمنتخب العماني لم تكن في بنائه التكتيكي فقط .. ولكنها تكمن في هذا الالتقاء المدهش بين القوة البدنية والطاقة الذهنية .. هذا الالتقاء أو التزاوج خلق حالة من التوازن في مهارات وفرديات اللاعبين .. كما مكّن المدرب من توظيف قدرات اللاعبين عند التنفيذ.. بعبقرية يحسد عليها حقا ..

إنها فلسفة لعب مدرب قارئ جيد لإمكانات لاعبيه .. فلسفة مترابطة ومتناسقة تمتد في الملعب من تفعيل قنوات الهجوم.. من خلال سرعة الرواقين.. وحتى صرامة الدفاع والحارس في التعامل مع جموح الخصوم بثقة لا حدود لها ..

ولأن الإدارة تدرك أهمية التوازن النفسي والمعنوي للاعبين مع كل مباراة .. فقد اقتربت كثيرا من اللاعبين .. تناقش همومهم .. تشاركهم تطلعاتهم .. ثم ترسم لهم معالم القادم الأجمل دون الإخلال بمسافة الاحترام بينها وبين اللاعبين ..

على الصعيد الرقمي ..جمع المنتخب العماني بين النزعة الهجومية الذكية.. المتمثلة في الوصول إلى مرمى الخصوم أربع مرات.. في ظل مباريات حارقة أشبه بنظام الكؤوس ..وبين رفع حارس مرماه العملاق (فايز الرشيدي) شعار (ممنوع الاقتراب والتصوير أمام المرمى العماني) .. وأمر أن تهتز شباك (فايز الرشيدي) مرة واحدة في خمس مباريات .. ففي ذلك سر حارس مرمى يعرف تفاصيل شفرة البطولة ..

لا تنسوا حقيقة أخرى أكدها العمانيون بالصوت والصورة ..عندما يمتلك المنتخب مخزونا احتياطيا بمستوى من يلعب أساسيا.. حينها يكون للتغيير معنى .. وللتبديل مغنى ..

كما لا يمكن القفز على حقيقة معنوية أخرى تقول : إن المحرك الأول لقوى اللاعبين .. والشاحن الأهم لبطاريات اللاعبين هو الجمهور العماني الرائع .. الجمهور الحضاري الذي أكد لنا بالطول والعرض والارتفاع أنه جمهور وفيٌ ومخلصٌ .. عاشقٌ لمنتخبه حتى النخاع الشوكي ..

لا شك أن منتخب سلطنة عمان يناجي القمر على سطحه .. فقد اعتلى القمة على بساط الجدارة والاستحقاق .. وبات من حقه أن يتمتع بكرنفاله الأحمر .. وصار على عشاقه الاستئناس بقبس بطولته .. فقد أصبح مع سبق الإصرار والترصد (سلطان حاكم زمانه) ..