أفكار وآراء

الموازنة العامة للسلطنة لعام 2018

06 يناير 2018
06 يناير 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

صدر المرسوم السلطاني السامي رقم (1/‏‏‏2018) في الأول من يناير من العام الحالي بالتصديق على بنود الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2018م. وفور صدور هذا المرسوم أصدرت وزارة المالية وبالتنسيق مع الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط البيان المتعلق بملامح وتقديرات الموازنة الجديدة دون أن تعقد المؤتمر الصحفي المعتاد في مثل هذا الشأن، خاصة وأن المؤتمر السنوي كان يركّز على الكثير من البنود التي تحتاج إلى التفسير والتأويل، ويعطي فرصة للإعلاميين والصحفيين أن ينقلوا ملخص البيانات المالية إلى الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ناهيك عن تناولها في وسائل التواصل الاجتماعي، مع الوقوف على العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطنين والمؤسسات وعلاقتها ببعض الجهات المعنية ومنها وزارة المالية.

موازنة هذا العام تأتي في ظروف يستمر فيها بعض تحسّن لأسعار النفط العالمية والتي تتجاوز اليوم 65 دولارا للبرميل، في الوقت الذي تأمل فيه الدول المنتجة والمصدرة للنفط بأن تبقى هذه الاسعار في تحسن مستمر لتتمكن الدول من مواجهة الاعباء المالية السنوية. الارقام الصادرة عن وزارة المالية لهذه الموازنة تشير إلى أن جملة الإيرادات المقدرة للسلطنة للسنة المالية الحالية 2018 سوف تبلغ 9.5 مليار ريال عماني بزيادة بسيطة قدرها 3% عن الإيرادات الفعلية المتوقعة لعام 2017م، فيما يقدّر إجمالي الإنفاق العام للسلطنة للعام الحالي 12.5 مليار ريال عماني بارتفاع قدره 800 مليون ريال عُماني عن الإنفاق المقدر لعام 2017م وبنسبة زيادة قدرها 7%. أما العجز المتوقع فيبلغ 3 مليارات ريال عماني وبنسبة 10% من الناتج المحلي الاجمالي.

ووفقا لتلك البيانات فمن المقدّر أن تبلغ إيرادات النفط والغاز في موازنة العام الحالي 6.78 مليار ريال عماني تمثل ما نسبته 70% من الايرادات الكلية، في الوقت الذي تلتزم فيه السلطنة بتخفيض إنتاجها النفطي بالتضامن مع قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لتحسين أسعار النفط العالمية، فيما من المقدر أن تبلغ الإيرادات غير النفطية بنحو 2.72 مليار ريال عماني تمثل ما نسبته 30% من إجمالي الايرادات، الأمر الذي يتطلب تعزيز شراكة الحكومة مع المؤسسات والشركات التابعة للقطاع الخاص وتسهيل مهام وأمور هذه المؤسسات لجذب المزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية، وبالتالي تأسيس المزيد من المشاريع المنتجة لتمكين العمانيين من الانخراط في هذه الأعمال، وزيادة الايرادات السنوية للقطاعات غير النفطية أيضا.

وكالمعتاد فإن هدف الموازنة العامة للسلطنة هو المحافظة على المستويات المعيشية للمواطنين من خلال الاستمرار في تقديم الخدمات الضرورية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والخدمات والبنية الأساسية والمحافظة على الإنجازات التي حققتها السلطنة في تلك المجالات، بجانب رفع معدلات التنمية البشرية لأهميتها الكبيرة، وتمكين العمانيين من الحصول على هذه الخدمات الضرورية دون أية عقبات. وفي هذا الإطار فقد تم تخصيص 3.88 مليار ريال عماني لهذه القطاعات في الموازنة الحالية مشكلة ما نسبته 31.04% من إجمالي الإنفاق العام. أما المصروفات الجارية للوزارات والوحدات الحكومية فمن المقدّر أن تبلغ 4.35 مليار ريال عماني مشكلة ما نسبته 34.8% من إجمالي الإنفاق. ويشتمل هذا البند على مخصصات رواتب ومستحقات الموظفين بمبلغ 3.3 مليار ريال عماني مشكلة ما نسبته 26.4% من إجمالي الإنفاق العام للعام الحال، أي أن حوالي أكثر من ربع الإنفاق العام يذهب سنويا الى بند الرواتب ومستحقات الموظفين ويمثل ما نسبته 75% من من إجمالي المصروفات الجارية للوزارات والوحدات الحكومية. وبالنسبة للمصروفات الاستثمارية فإن العمل يجري على استكمال تنفيذ عدد من المشاريع الاستراتيجية منها التشغيل الفعلي لمطار مسقط الدولي خلال العام الحالي، والذي يعتبر من المشاريع الحيوية الاستراتيجية التي ستحدث نقلة نوعية في القطاع السياحي واللوجستي في السلطنة، بالإضافة إلى الانتهاء من المرحلة الأولى لمشروع طريق الباطنة الساحلي متضمنا التعويضات للمواطنين المتأثرين بالطريق، واستكمال عدد من الطرق السريعة في مختلف أنحاء السلطنة من أجل أن تساهم هذه المشاريع في تحقيق الاستراتيجية اللوجستية 2040 الهادفة لرفع مساهمة القطاع اللوجستي في الناتج المحلي. كما تم تخصيص المصروفات الاستثمارية لاستكمال تنفيذ بعض مشاريع البنية الأساسية ومشاريع شبكات المياه، والتوسع في برنامج الشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ بعض مشاريع القطاع الصحي، كإقامة بعض المستشفيات في عدد من الولايات العمانية، واستكمال تنفيذ برنامج البعثات الخارجية والداخلية للطلبة العمانيين، وتجهيز عدد من مدارس التعليم العام الجديدة.

ولتعزيز إنتاج السلطنة من النفط والغاز فقد قدرت المصروفات الاستثمارية لهذه القطاعات في موازنة العام الحالي 2.1 مليار ريال عماني بزيادة 15% عن تقديرات موازنة عام 2017، مشكلة ما نسبته 16.8% من الانفاق العام للسلطنة بهدف المحافظة على معدل الإنتاج المستقبلي وزيادة الاحتياطي. أما مبالغ مصروفات الدعم فتبلغ 725 مليون ريال عماني بزيادة 330 مليون ريال عماني عن المبلغ المعتمد في موازنة عام 2017م وبنسبة زيادة 84% نتيجة لزيادة مخصصات دعم الكهرباء لمواجهة النمو في الاستهلاك، كما يتضمن هذا البند مخصصات دعم غاز الطبخ والقروض الإسكانية والتنموية والدعم التشغيلي للشركات الحكومية. وبالتالي فإن قيمة هذا الدعم تمثّل ما نسبته 5.8% من إجمالي الإنفاق العام للسلطنة خلال العام الحالي. أما بالنسبة للمصروفات الأخرى، فإنها تشمل مصروفات خدمة الدين العام، والمصروفات الإنمائية للشركات الحكومية، ومساهمة الحكومة في رؤوس أموال الشركات والمؤسسات المحلية والخارجي، وقد بلغت 685 مليون ريال عُماني بزيادة قدرها 140 مليون ريال عُماني عن تقديرات موازنة 2017م نتيجة ارتفاع خدمة الدين العام بمبلغ 215 مليون ريال عُماني، وكذلك ارتفاع المصروفات الإنمائية للشركات الحكومية بمبلغ 25 مليون ريال عُماني مقابل انخفاض مساهمة الحكومة في رؤوس أموال الشركات والمؤسسات المحلية والخارجية بمبلغ 100 مليون ريال عُماني. ويمثّل هذا البند ما نسبته 5.48% من إجمالي الإنفاق. وبالتالي فإن العجز المقدّر في الموازنة الحالية يبلغ 3 مليارات ريال عُماني، وسيتم تمويله من خلال الاقتراض الخارجي والمحلي بمبلغ 2.5 مليار ريال عماني وبنسبة 84%، فيما سيتم سحب مبلغ 500 مليون ريال عُماني من الاحتياطيات وذلك تنفيذاً للتوجهات العامة بالمحافظة على احتياطيات الصناديق السيادية وتقليل السحب منها قدر الإمكان والاعتماد على الاقتراض لاسيما الخارجي لتمويل العجز.

إن الموازنة المالية للعام الحالي تهدف إلى تعزيز دور ومساهمة القطاع الخاص والذي يعتبر واحدا من أهم مرتكزات خطة التنمية الخمسية التاسعة، وتعزيز دوره في مجمل الأنشطة الاقتصادية عبر العمل على تحسين بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار، وذلك عن طريق إزالة المعوقات التي تؤثر في سهولة ممارسة الأعمال. ولقد سبق للحكومة أن اتخذت عددًا من الخطوات الفعالة لتحسين بيئة الأعمال، من خلال تطوير الإطار التشريعي، والعمل على إصدار بعض القوانين التي تهم هذا الشأن لرفع القدرة التنافسية للسلطنة، وتطوير مشاريع الحكومة الإلكترونية بهدف رفع مستوى الأداء للأجهزة الحكومية، بالاضافة إلى تجويد وتبسيط الخدمات المقدمة مع إشراك القطاع الخاص في تمويلها وتنفيذها. وهذه المشاريع هدفها تمكين القطاع الخاص من لعب دور محوري في تنفيذ الخطط التنموية، وتعزيز التنويع الاقتصادي من خلال برنامج “تنفيذ” لتحفيز القطاعات الخمسة الواعدة التي تشمل الصناعات التحويلية والنقل والخدمات اللوجستية والسياحة والثروة السمكية والتعدين وتمويل تلك المشاريع من خلال أساليب تمويلية مبتكرة وبالمشاركة مع القطاع الخاص، بجانب تفعيل برنامج التخصيص باعتباره احدى الأدوات الأساسية التي ترمي إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص في امتلاك وتمويل وإدارة الأنشطة الاقتصادية.