صحافة

الاستقلال : هل أصبحت المصالحة أسوأ من الانقسام؟

29 ديسمبر 2017
29 ديسمبر 2017

في زاوية أقلام وآراء كتب الدكتور وليد القططي مقالا بعنوان: هل أصبحت المصالحة أسوأ من الانقسام؟، جاء فيه:

عرفنا أن النصر قد يكون أسوأ من الهزيمة إذا أصاب المنتصرين بالغطرسة والعجرفة، وأن الغنى ربما يكون أسوأ من الفقر إذا انتاب الأغنياء شعور الكبر والبطر، وأن الصحة يمكن أن تكون أسوأ من المرض إذا قادت الأصحاء إلى الزهو والعتو، وأن القوة من المحتمل أن تكون أسوأ من الضعف إذا ابتلىَ الأقوياء بالكبرياء والخيلاء، وأن العلم لعله يكون أسوأ من الجهل إذا أردى العلماء في مهاوي الكفر والضلال. والأمر الجديد وهو من النادر الغريب والعجب العجيب الذي لم نكن نعرفه من قبل أن المصالحة قد تكون أسوأ من الانقسام إذا لم تؤد إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها، وأن الفرقة قد تصبح أردأ من الوحدة إذا لم تأخذ الشعب إلى بر الأمان.

المصالحة قد تكون أسوأ من الانقسام عندما يكون الناس في زمن المصالحة أكثر تعاسة من زمن الانقسام، وحياتهم أكثر قتامة من زمن الخصام، وحاضرهم أكثر بؤسا من ماضيهم، ومستقبلهم أكثر شؤما من حاضرهم. وعندما يدرك الناس في غزة أن الفرج ليس بقريب، والاستبشار بالخير أمرٌ غريب، والكرب قد يستمر لأمد بعيد، وانتهاء الانقسام غير أكيد، والشك في ذلك أقرب إليهم من حبل الوريد. ولا يبدو في الأفق شعاع أمل جديد يعيد الضوء إلى ليل الشعب المظلم، ويرد الإشراق إلى لون حياتهم المعتم، ويرسم صورة فرح على لوحة مستقبلهم المبهم. المصالحة قد تكون أسوأ من الانقسام عندما يزداد كل شيء بشع وقبيح، ويقل كل شيء حسن ومليح، فالفقر يتمدد وعدد الفقراء يزيد، والبؤس يتعمق وعدد البؤساء يكثر، والتعس يشتد وسواد التعساء يتضاعف، والعنوسة تتفشى وأفواج العنس من الذكور والإناث تتراكم، والبطالة تشيع وجمهور العاطلين عن العمل يتعاظم، وخصومات الرواتب تترسخ وجموع الموظفين المعاقبين تتوالى، والكساد الاقتصادي يستفحل فتتسابق المحلات التجارية إلى الإغلاق، وتتنافس المشاريع الاقتصادية على الإفلاس، وتتسارع القطاعات الإنتاجية في الانهيار ... والمعبر تقل أيام افتتاحه، والكهرباء تنخفض ساعات تشغيلها ...

المصالحة قد تكون أسوأ من الانقسام عندما تتحول إدارة الانقسام في الزمن الغابر إلى إدارة المصالحة في الزمن الحاضر، وعندما تتغير من محاولة إنهاء الانقسام على أساس تقاسم السلطة والمحاصصة الحزبية بين طرفين إلى أساس جديد أكثر سوءا يستند إلى احتكار السلطة وإقصاء الآخر من طرف واحد، وعندما تصبح المصالحة غطاء لاستمرار فرض العقوبات على شعب فلسطين المحاصر والصامد والمقاوم في غزة بذريعة عدم اكتمال التمكين اللعين، وعندما يوظف مفهوم التمكين ستارا لانعدام الإرادة السياسية في إتمام المصالحة، ومخرجا لفئة المستفيدين من استمرار الانقسام ومراكز القوى المرتبطين بنهج التنسيق الأمني، وعندما تستخدم المصالحة مدخلا للمطالبة لنزع سلاح المقاومة واتباع طريق المساومة تحت مبررات واهية وذرائع زائفة تبدأ بخدعة توحيد السلاح تحت شرعية السلطة وتنتهي بوهم مركزية امتلاك قرار الحرب والسلام.