randa2
randa2
أعمدة

عطر : غزاة بلا نار وبارود

27 ديسمبر 2017
27 ديسمبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

“العبرة في الخاتمة” قول سمعناه وظننا أنه قانون لا يمكن خرقه أو تخطيه فلننتظر نهايات الأشياء، لأن الخاتمة ستكون كما نتمنى، هذا القول يحمل في طياته اتكالية على مفهوم المصادفة، واستسلام لفكرة: أن التغيير لا نصنعه نحن، بل هو آتٍ حتما، ولكن المسألة مسألة وقت، وهذا نوع آخر من التساهل مع مفهوم الحياة ودينامكيتها، التي لا يمكن أن نتركها فقط للمصادفة.

ربما أجمل ما يحدث لنا هو الأشياء التي لا ننتظرها مثل قصص الحب والثراء، تلك الأشياء المبهجة التي تعتبر رزقا إلهيا يقسم فيها المال والمشاعر بين البشر، فنجد عاشقا سعيدا بعشقه وثريا يتمتع بماله، أشياء تُبهج الإنسان بجزئية حياته الخاصة، ولكنها لا تصنع منه إنسانا متوازنا في العالم الأوسع، حيث لا يمكنه أن يقبل بنظرية: “جاري بخير إذا أنا بخير” فأنا وجاري اثنان لا واحد، وما أعانيه أنا حتما يختلف عن ما يعانيه جاري في يومياته، ولكن أنا وهو نعيش في مجتمع واحد، لذا نتقاسم همومه وقضاياه، هذا المجتمع الأصغر تكامله يصنع الوطن الأكبر.

الوطن هو القلب الذي يجمعنا ويضمنا تحت رايته، ويصنع منا جنسية وهوية قومية بين الدول. الوطن أرض واللغة وحضارة وفكر، اللغة خاصية تتقاسمها الشعوب، فتصبح أمة، ما معنى كلمة أمة؟ بحسب تعريف المعجم اللغوي هي: جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ تَجْمَعُهُمْ رَوَابِطُ تَارِيخِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ، قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَا هُوَ لُغَوِيٌّ أوْ دِينِيٌّ أوِ اقْتِصَادِيٌّ، وَلَهُمْ أهْدَافٌ مُشْتَرَكَةٌ فِي العَقِيدَةِ أَوِ السِّيَاسَةِ أَوِ الاقْتِصَادِ الأُمَّةُ العَرَبِيَّةُ الأُمَّةُ الإسْلاَمِيَّةُ”

حين تكون هناك معركة توضع الخرائط الجغرافية، ويبدأ القادة العسكريون بدراسة طرق الهجوم، فيحددون نقاط القوة عند العدو، ومن ثم ينتقلون الى البحث في نقاط الضعف التي هي مدخلهم لإضعاف قوته، فتُرسم الخطط العسكرية واللوجستية، للانتقال من موقع الى موقع ونسف وتدمير نقاط القوة ويضعون أكثر من خطة، مستخدمين كل ما أوتوا من حنكة وذكاء عسكري وتوجيه سياسي في سبيل النصر، وهذا للعلم بات نوعا بدائيا من الحروب.

أمام أمة تملك لغة وتاريخا وحضارة وعقيدة قوية، تقوم على الجهاد في سبيل الله، غزونا بلا نار أو بارود ولا جيوش، معتمدين أننا أمة تعاني فوبيا الدين والجنس، تعيش على الإرث القبلي والتباهي بالأنساب والتماييز، أمة غارقة في المشاحنات، أنها أرض خصبة للغزو المتقدم الذي توصلت إليه عقولهم الذكية.

شهدنا هجوما من نوع جديد، وضعت له خطة بسيطة تقوم على ضرب “العقيدة الإسلامية” والترويج للإسلام الإرهابي والخوف من الإسلامفوبيا، وبموازاة ذلك القضاء على اللغة العربية وتدميرها عبر العولمة، وتسريب فكرة ان من لا يتحدث لغة أجنية هو “الأُميّ “ فبدأت تلك الأسر التي تحدثت عنها في بداية مقالي، تزرع في وعي أبنائها المبكر ثقافة اللغة الأجنبية، وراح الأطفال الصغار يتحدثون الأجنبية لا العربية، وبتنا نرى تفاخر الأمهات والآباء المدجنين من قبل العولمة بذلك، وباتوا يعلنون البراء من اللغة والتقاليد، وهذا ما يَعد بجيل يخجل من العربية ولا يأبه بالتراث ولا بالثقافة، وطبعا لن يهتم بالقرآن الكريم، فلغته صعبة على من يجيد العربية، فكيف بهؤلاء الذي تمت برمجتهم خارج منظومة الأمة، ليكونوا هجينا لا هوية له؟

إنها مهزلة الاستعمار الجديد، وحين نتحدث إلى المعنيين عن هذا الفخ الإلغائي، يقولون لنا الأمور بخواتيمها، ونحن نضيع ولا نجد من يتبنى موقفا منقذا لوجودنا.

سلام على التاريخ والحضارة، سلام على اللغة، فلنعترف أننا أمة تحتضر ثقافيا وتصاب بعقم الوعي.