أفكار وآراء

مصير غامض لعملية السلام بعد قرار ترامب

23 ديسمبر 2017
23 ديسمبر 2017

بشير عبد الفتاح -

,, فتح القرار الذي اصدره ترامب حول القدس شهية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لمواصلة أنشطته الممنهجة لتهويد القدس وتغيير معالمها وفرض واقع مغاير بها من أجل بسط الهيمنة الإسرائيلية المطلقة عليها بلا منازع,,

في وسع المراقب لمجريات وتطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط رصد التداعيات المرتقبة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل والشروع في نقل سفارة الولايات المتحدة من الحي الدبلوماسي بتل أبيب إلى المدينة المقدسة،على عملية السلام المتعثرة والمستعصية بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمتجمدة منذ عدة سنوات، وتأثيراته المتوقعة على فرص استعادة الحقوق الفلسطينية المختطفة، في ضوء عدد من المعطيات ،لعل أبرزها:

أولا:ان القرار الصادم والمثير للرئيس ترامب بشأن القدس، لم يكن مفاجئا أو غير متوقع . فمن جهة، سبق للرجل أن ألمح إليه قبل إعلانه بأيام قلائل كما أخطر به عددا من الزعماء والقادة العرب قبيل سويعات من إعلانه على العالم . ومن جهة أخرى، ورغم أن الكونجرس الأمريكي قد أقر في عام 1995 قانوناً يصف القدس بأنها عاصمة إسرائيل ويقول إنها يجب ألا تقسم ، إلا أن الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين المتتابعين استخدموا سلطاتهم وحقهم الدستوري لتأجيل تنفيذ القرار والإبقاء على السفارة الأمريكية في تل أبيب ، بما يساعد على دعم المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن الوضع النهائي للقدس، جاء ترامب قبل قرابة عام مضى ليعلن صراحة نيته الخروج عن هذا المسار الذي انتهجه سابقوه من الرؤساء الأمريكيين.

ففي أثناء حملته الانتخابية الرئاسية التي سعى خلالها لاستجداء تأييد إسرائيل ودعم اللوبي الصهيوني وحصد الصوت اليهودي داخل الولايات المتحدة ، تعهد المرشح الرئاسي الجمهوري وقتئذ دونالد ترامب ،بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ،حالة فوزه بالرئاسة. وبعد فوزه مباشرة، قام بترشيح الدبلوماسي الأمريكي الصهيوني ديفيد فريدمان، الذي يعتبر مؤيداً لسياسة الاستيطان ، سفيراً جديداً للولايات المتحدة لدى إسرائيل. في المقابل ، وعقب تولي ترامب مهام منصبه في يناير الماضي ، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، خلال اجتماع لمناقشة تأجيل مشروع قانون يقترح ضم مستوطنة معالي أدوميم التي يسكنها نحو 40 ألف إسرائيلي بالقرب من القدس ووزراء كباراً وإلغاء القيود على بناء مستوطنات في القدس الشرقية وذلك بشكل مباشر بعد موافقة مجلس بلدية المدينة على تراخيص بناء مئات المنازل الجديدة في المنطقة. وأصدر نتانياهو بيانا في حينها ، قال فيه: «لم تعد هناك حاجة لتنسيق البناء في الأحياء اليهودية بالقدس الشرقية. بوسعنا البناء حيثما نشاء وبقدر ما نريد». وأضاف إنه يعتزم أيضاً السماح ببدء البناء في الضفة الغربية.

ثانيا:يدعي ترامب ونتانياهو أن من شأن قرار ترامب أن يعطي دفعة لعملية سلام الشرق الأوسط ، لكن أي عملية سلام؟! إنه السلام على الطريقة الإسرائيلية،التي تتبنى مبدأ «السلام مقابل السلام» وليس «الأرض مقابل السلام »،السلام الإسرائيلي الذي يفرضه الطرف الأكثر قوة وهيمنة والمدعوم من القوة العظمى، السلام الذي يتجاهل المرجعيات السياسية والقانونية التي تستند إلى مقررات الشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة ، ويسعى للارتكان إلى مرجعيات جديدة من بناة أفكار ترامب ونتانياهو والذين معهم ، بعيدا عن الأمم المتحدة ومقررات الشرعية الدولية التي تضمن حقوق الفلسطينيين وتوثق انتهاكات الإسرائيليين.

لذا، فتح القرار شهية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لمواصلة أنشطته الممنهجة لتهويد القدس وتغيير معالمها وفرض واقع مغاير بها من أجل بسط الهيمنة الإسرائيلية المطلقة عليها بلا منازع. فبعدما اعتبر قرار الرئيس الأمريكي ترامب بشأن القدس قرارا «تاريخيا» و«عادلا» ويضاهي وعد بلفور المشؤوم ، كما يشكل دافعا مهما لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط ، سعى نتانياهو إلى مطالبة العالم أجمع بأن يحذو حذو ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارات دوله إليها ، كما اشترط على الفلسطينيين الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل الدخول في أية مفاوضات جديدة مع الإسرائيليين في قادم الأيام . وإلى أبعد من ذلك كله،ذهب نتانياهو حينما أقر مشاريع لبناء آلاف المستوطنات الجديدة في القدس المحتلة ، أذ أعلنت حكومته يوم الجمعة الماضى، عزمها المصادقة على بناء 14 ألف وحدة استيطانية جديدة بمدينة القدس المحتلة . وذكرت القناة «الثانية عشر» العبرية، أن وزير البناء والإسكان بحكومة الاحتلال « يوآف جالانت» « أقر خطة تشمل بناء ألف وحدة استيطانية في مستوطنة «بسغات زئيف» و ثلاثة آلاف في مستوطنة «كتمون» و خمسة آلاف وحدة في سلسلة جبال «لوفن» داخل حدود القدس، بالإضافة إلى بناء خمسة آلاف وحدة استيطانية بمستوطنة «عطاروت». ووفقًا للقناة العبرية، فإن الخطة تحظى بموافقة غالبية أعضاء المجلس الوزاري المصغر بحكومة الاحتلال ما يسمح بتمريرها في القريب العاجل.

ثالثا، تمخض قرار ترامب المشؤوم عن إفراز أجواء غير مشجعة على استئناف عملية السلام بعدما دفع الفلسطينيين باتجاه التفكير الجدي في تجميد المفاوضات ووقف الاتصالات مع الأمريكيين والإسرائيليين . فلقد اندلعت تظاهرات واحتجاجات يومية عارمة في الأراضي الفلسطينية تنديدا بقرار ترامب،علاوة على تجدد الاشتباكات المسلحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل ورد جيش الاحتلال عليها من خلال القوة المفرطة عبر قصف قطاع غزة بالمقاتلات والصواريخ الإسرائيلية ، ما أسفر عن سقوط أربعة شهداء إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين من الجانب الفلسطيني حتى كتابة هذه السطور على الأقل.

وبالتوازي، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي انطلق في دبلوماسية مكوكية بين الحواضر العربية والإسلامية لحشد الدعم الدولي للموقف الفلسطيني في مواجهة قرار ترامب، أن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد قرارها اعتبار مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، لم تعد مؤهلة لرعاية عملية السلام. فيما أكد مجدي الخالدي ،مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،أن الأخير لن يلتقي نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الذي يزور المنطقة في النصف الثاني من شهر ديسمبر الجاري احتجاجا على قرار ترامب بشأن القدس وعقب التحول في سياسة واشنطن حيال القدس، وبعدما تخطت الولايات المتحدة الأمريكية «الخطوط الحمر بقرارها المتعلق بالقدس». هذا بينما توقع خبراء بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن يبدأ الرئيس عباس في تبني نهج أكثر تشددا في ما يتصل بعملية السلام ونهج أكثر ليونة حيال حماس.

وبدوره، قال مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية ،نبيل شعث: « إنه في حال أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ قراريه بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، فنحن لن يكون لدينا أدنى استعداد للقبول بأي عملية سلام ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية». وفند «شعث» ادعاء ترامب بأنه يريد إنجاز ما أسماه «صفقة القرن» بشأن تسوية القضية الفلسطينية سلميا، وزعمه بأنه وحده القادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسيكون راعياً ووسيطاً نزيهاً، حيث لفت «شعث» إلى أن ترامب هو ذاته الذى يتنازل، قبل أن يقدم على فعل أي شيء ،عن أهم حقوق الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن تنفيذ ترامب لخطوتي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ،إنما يعني إلغاء أي ادعاء بأنه وسيط أمين ونزيه، كما ينهي أية إمكانية للتعامل معه كراعٍ لعملية السلام مستقبلا. وناشد شعث جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، توصيل رسالة تحذيرية جادة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بأن مصالحها لدى هذه الدول العربية والإسلامية سوف تتأثر، بشكل بالغ، إذا ما استمرت في نهجها بانتهاك القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين ، وأن تدرك أن المسألة لن تقف عند حدود الاعتراضات أو الاحتجاجات فحسب، وإنما ستمتد لتشمل تغيرا حقيقيا في سياسة تلك الدول تجاه المصالح الأمريكية إذا ما مضت إدارة ترامب قدما على هذا الدرب. رابعا، برغم أجواء التشاؤم والتوتر التي أوجدها قرار ترامب بشأن القدس، لا يزال هناك بصيص من الأمل في بزوغ شمس السلام . حيث يمكن للفلسطينيين، مدعومين بغطاء وتحرك عربي وإسلامي، استثمار حالة الإجماع الدولي غير المسبوقة حول مبدأ حل الدولتين وإمكانية أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المرجوة،من أجل ممارسة ضغوط دولية على إسرائيل والولايات المتحدة لحملهما على القبول باستئناف مفاوضات السلام برعاية دولية أممية،ووفقا للمرجعيات القانونية والسياسية الدولية المتعارف عليها،بما يفضي، في نهاية المطاف وحسب جدول زمني محدد ومتفق عليه، إلى تحقيق السلام المنشود ، الذي يكفل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.