الاقتصادية

التمور ومرض السكري

21 ديسمبر 2017
21 ديسمبر 2017

إعداد: أ .د. عبد الباسط عودة إبراهيم -

مرض السكري من الأمراض الشائعة على مستوى العالم ويقدر عدد المصابين به حوالي 120 مليون شخص ويتوقع أن يصل العدد إلى 220 مليون شخص مصاب بحلول سنة 2020 ميلادية.

ومرض السكري هو مرض استقلابي (أيضي) مزمن Bolic Disease يتميز بزيادة مستوى السكر في الدم Hyperglycemia نتيجة لنقص نسبي أو كامل في هرمون الأنسولين Insulin في الدم أو لخلل في تأثير الأنسولين على الأنسجة، مما تنتج عنه مضاعفات مزمنة في أعضاء مختلفة من الجسم. الأنسولين هو هرمون يُفرز من خلايا بيتا في جزر لانجرهانز Islets of Langerhans Beta Cells في البنكرياس Pancreas ويتكون من سلسلتين من الأحماض الأمينية مرتبطتين بروابط كيميائية بعد أن تنفصل منه سلسلة سي C Peptide حتى يصبح فعالا ويمر في الكبد حيث يُدمر 50% من الأنسولين المفروز والأنسولين ضروري للجسم كي يتمكن من الاستفادة واستخدام السكر والطاقة في الطعام، وتشير المصادر الطبية الى أن مرض السكري يحدث نتيجة لعدم قدرة الجسم على تنظيم كمية السكر وبشكل خاص سكر(الكلوكوز) في الدم.

وينتج سكر الكلوكوز في الدم بواسطة الكبد عن طريق الأطعمة التي يتم تناولها، ويكون مستوى سكر الدم - في الأصحاء - منظما من قبل هرمون الأنسولين الذي ينتج بواسطة (غدة البنكرياس الموجودة قرب المعدة). وعند مرضى السكري لا يستطيع سكر الكلوكوز الموجود في الدم الانتقال إلى الخلايا ويبقى في الدم ويزداد تركيزه، وهذا لا يؤذي الخلايا التي تحتاج الكلوكوز فقط ولكن يضر أيضاً الأعصاب والأنسجة والتي تتعرض بشكل مستمر لمستوى الكلوكوز العالي. وقد يعود مرض السكري لأسباب وراثية وجينية وتساهم في ذلك السمنة والكسل وغيرها.

ويعد هرمون الأنسولين الذي تفرزه خلايا بيتا في جزر لانجرهانز في البنكرياس العامل الحيوي المباشر المسؤول عن مجمل عمليات الأيض والتمثيل للسكر في الجسم حيث يقوم هذا الهرمون بتنظيم مستوى سكر الدم ضمن حدوده الطبيعية 60-110 ملغم/‏‏‏ديسيلتر، وذلك من خلال آليتين اثنتين هما:

الأولى: المساهمة في إدخال سكر الكلوكوز من الدم إلى الخلايا، لتقوم بالاستفادة منه في عمليات التنفس الخلوي اللازمة وإنتاج الطاقة التي تستخدمها الخلايا للقيام بالعمليات الحيوية المختلفة.

الثانية: تحويل الفائض من سكر الدم إلى النشا الحيواني المعروف بالكلايكوجين، وتخزينه في الكبد والعضلات.

مؤشر السكري Glycemic Index

كان الاعتقاد في الماضي أن السكريات البسيطة ترفع كلوكوز الدم بعد تناولها أكثر مما تسببه الأغذية ذات الكربوهيدرات المركبة، إلا أن ظهور مؤشر السكري الذي طرحه (Jenkins et. al 1981) وأكدوا فيه بان توزيع الكربوهيدرات إلى بسيطة ومركبة قد لا يعكس التأثير الفسيولوجي للأغذية الكربوهيدراتية داخل الجسم. لذا فإن الأغذية تختلف بحسب مؤشر السكري ويعبر عنه ( بانه قدرة المادة الغذائية على تحفيز إفراز هرمون الأنسولين) وهو الرقم الذي يعطى لكل نوع من الغذاء المحتوي على الكربوهيدرات، ويتم تحديد هذا الرقم بمقدار متوسط الزيادة في مستويات الكلوكوز في الدم بعد تناول الإنسان لطعام معين. فالسكريات هي التي تحفز البنكرياس لزيادة إفراز الأنسولين ومؤشر السكري يقيس سرعة هضم وامتصاص السكر وسرعة انتقاله إلى الدم وبناءً عليه تم تقسيم الأغذية إلى ثلاثة أنواع:

- أغذية ذات مؤشر سكر مرتفع

- أغذية ذات مؤشر سكر متوسط

- أغذية ذات مؤشر سكر منخفض.

وهناك العديد من العوامل التي تتحكم في زيادة أو نقص مؤشر السكر للأغذية، فمثلاً كلما زادت كمية الألياف في الطعام قل مؤشر السكر له، والعكس صحيح أي كلما قلت الألياف زاد مؤشر السكري ، فمؤشر السكر للخبز الأبيض 70%، بينما مؤشر السكر لخبز القمح 50%، كما تعتبر إضافة بعض أنواع البقوليات (كالفاصولياء الحمراء) خافضة لمؤشر السكر، وتشير بعض الدراسات إلى أن إضافة زيت الزيتون أو الليمون أو الخل بكميات معتدلة مع الوجبات المحتوية على أطعمة ذات مؤشر سكر مرتفع لها تأثير جيد في خفض مؤشر السكر للوجبة بأكملها.

ومن أهم الأطعمة ذات مؤشر السكر المرتفع : حبوب الإفطار والدونات /‏‏‏بسكويت الويفر /‏‏‏الخبز الأبيض والكروسان. وتعتبر المعكرونة من الأطعمة ذات المؤشر المنخفض إلى المتوسط خصوصاً إذا تم تحضيرها بإضافة كمية قليلة من الزيت. إلا أنه يجب الانتباه إلى أن تناول الأطعمة ذات المؤشر المنخفض إلى المتوسط بكميات كبيرة ولفترات طويلة قد تؤدي إلى نفس المشاكل الصحية التي يمكن أن تنتج عن تناول الأطعمة ذات مؤشر السكر المرتفع، إذ إن البعض يتوجه إلى تناول الأطعمة ذات المؤشر المنخفض بكثرة ظناً منهم أن هذه الأطعمة لن ترفع سكر الدم وبالتالي لن يكون لها ضرر مباشر على صحتهم. من هنا جاءت ضرورة إدخال الكمية المتناولة في حساب مؤشر السكر لكل غذاء ونتج عنه ما يسمى معدل تحمل السكر “Glycemic Load”والذي اصبح المعيار للأطعمة بدلاً من مؤشر السكر. إن بعض الدراسات بينت أنه مع أن هناك بعض الأغذية متساوية الكربوهيدرات إلا أن مؤشر السكري لتلك الأغذية وصل الاختلاف فيه إلى خمسة أضعاف أي هناك عوامل أخرى تؤثر على مؤشر السكري والتي تعود إلى الكربوهيدرات المركبة مثل نسبة الاميلوز إلى نسبه الاميلوبكتين أو وجود المركبات المكونة من الببتيدات مع الأميلوز ا ووجود الألياف وغيرها.. وينصح مرضى السكري بالحد من تناول الفواكه بحيث لا يزيد ذلك عن حبتين يوميا، وهو ما يعادل تقريبا خمس إلى سبع تمرات، وجعلها متفرقة أفضل من تناولها مرة واحدة لمنع الارتفاع الحاد في مستوى السكر بالدم.

سكريات التمور

السكريات بشكل عام تكون ذائبة وغير ذائبة، وهي بلورية أو متميعة والسكريات حلوة او مرة وتكون أحادية او ثنائية او متعددة ومنها سريعة الامتصاص ومتوسطة الامتصاص وصعبة الامتصاص والسكريات في التمور تعتبر المكون الرئيسي للثمار وهي ذائبة وسريعة الامتصاص والهضم، وحلوة المذاق مثل سكر الكلوكوز والفركتوز والسكروز ولكنها تحتوي على سكريات عديمة الطعم (السليلوز والهمي سليلوز) وهي غير ذائبة وتحتوي التمور على البكتين الذي يكون غير ذائب في مراحل نمو الثمرة الأولى وذائبا في مرحلة النضج وهو يزيد من حلاوة الثمار، وكان الناس قديماً يستعملون التمور كمصدر للسكر وليس مجرد فاكهة، حيث يقوم البعض بغلي التمر مع الشاي لعمل السكر أو مع اللبن لما يحتويه من سعرات حرارية عالية، فالثمار التي تكون نسبة الرطوبة فيها 20% تعطي 3000 كيلو سعرة حرارية /‏‏‏كغ من لحم الثمار، وهذا يعود إلى محتواها العالي من السكريات التي تكون خليطا من السكروز والكلوكوز والفركتوز، والنوعان الأخيران ينتجان من تحلل السكروز، وهذا يعتمد على نشاط أنزيم الإنفرتيز، ولا يختلف تركيز السكريات الكلية في مرحلة التمر لمعظم الأصناف المعروفة عالمياً بالنسبة للوزن الجاف.

سكر الكلوكوز

يوجد هذا السكر في النبات والحيوان بكميات كبيرة، حيث يوجد في جميع أنواع الفاكهة وبشكل خاص عصير العنب ويسمى سكر العنب وكذلك الحبوب والبذور والأوراق والأزهار ويوجد في العسل وهو احد المكونات الرئيسية للمولاس وينتج من تحلل نشا البطاطا بوجود الحامض والكلوكوز يدخل في تركيب النشا والسليلوز والهمي سليلوز والكلايكوجين والدكسترين والسكروز المالتوز والرافينوز ويختزل الى كحول سداسي الهيدروكسيل يسمى سوربتول، الكلوكوز هو سكر الدم واحد اهم مصادر طاقة الجسم والمنتج الرئيسي لعملية التركيب الضوئي ويدخل في العديد من الصناعات الغذائية والدوائية.

سكر الفركتوز

يسمى سكر الفاكهة ويوجد بشكل مشترك مع الكلوكوز وبنسب متساوية ويمثل 80% من عسل النحل ويدخل في تركيب سكر القصب ويوجد في الأجزاء الخضراء من النبات وفي رحيق الأزهار ونسبة الفركتوز الى الكلوكوز تكون متساوية في التمور.

سكر السكروز

من السكريات الثنائية ويتألف من جزيأين من السكريات الأحادية لذا يتحلل جزيء السكروز مائيا ليعطي كلوكوز وفركتوز وان جزيء واحد من كل منهما يتحد مع الآخر بذرة اوكسيجين ليكونا جزيء السكروز.

نوع السكر الموجود في التمر هو السكر الأحادي المكون من الكلوكوز والفركتوز. والمعروف أن سكر الكلوكوز هو الأسرع امتصاصا، أما الفركتوز فهو الأحلى ويعطي شعورا بالشبع. إن سرعة امتصاص السكر الأحادي الكلوكوز هي أسرع من السكر الأحادي الفركتوز، وتساوت سرعة الامتصاص بين السكريات الأحادية المتحولة من الثنائية والسكريات الأحادية ابتداءً وعلى هذا فلا تؤثر عملية تكسر السكريات الثنائية hydrolysis على سرعة امتصاص هذه السكريات وينبغي استخدام “مؤشر السكري” بديلاً عن نسب السكريات في التمور خاصة لمن لديهم ارتفاع السكر.

تتفاوت نسبة السكريات الكلية في ثمار النخيل وخاصة في مرحلة النضج الأخيرة (مرحلة التمر) حيث تتراوح بين 67-85% في لحم الثمرة الطازج بينما تكون نسبة السكريات الكلية في مرحلة الرطب اقل وتتراوح بين 35-55% نظرا لاحتواء التمور على نسبة عالية من الرطوبة في هذه المرحلة مقارنة بمرحلة التمر. واختلاف نسبة السكريات في التمور يختلف اعتمادا على الصنف ومرحلة النضج والظروف البيئية، ولا يوجد اختلاف في كمية السعرات الحرارية بين أنواع سكريات التمور المختلفة ولكن سكر الفركتوز يتميز بأنه أحلى من السكروز والكلوكوز بحوالي مرة ونصف ودرجة حلاوته 173 بينما تبلغ درجة حلاوة السكروز 100 ودرجة حلاوة الكلوكوز 75 وتكون كمية الكلوكوز متساوية مع الفركتوز. مع أن السكريات في التمور ترفع مؤشر السكري إلا ان غناها بالألياف يخفف من هذا الارتفاع ويمتاز سكر الفركتوز في التمور ببطء التحلل في الدم عند تناوله وهذه تعتبر ميزة له.

ويتضح ان صنفي الخلاص والسكري هما الأقل في “مؤشر سكري” ولكن نبتة سيف والبرحي والصقعي والسلج هي الأعلى وتشير الدراسات الى ان التوت والتمور تحتوي على أعلى “مؤشر سكري” من الفواكه، وأقلها الكريب فروت (الكريفون).

وعند النظر إلى مؤشر منسوب سكر الدم للتمر، أو ما يعرف بـ Glycemic Index( GI)، وهو مؤشر يظهر مدى قدرة المادة الغذائية على رفع مستوى سكر الدم بعد ساعتين من تناولها، ويستخدم من قبل مرضى داء السكر لمساعدتهم في اختيار الأطعمة المناسبة لهم؛ يتبين لنا بشكل أوضح قدرة التمر على رفع مستوى سكر الدم بشكل سريع، وهو ما ينبني عليه حماية الجسم من أضرار انخفاض سكر الدم لدى الأشخاص الطبيعيين. وتشير جداول منسوب السكر إلى أن التمر هو الغذاء الأكثر قدرة على رفع سكر الدم على الإطلاق من بين جميع أنواع الفواكه والأطعمة الحلوة الطبيعية غير المصنعة، كما تجدر الإشارة إلى أنه يحتمل وجود مركبات أو عناصر أخرى في التمر، عدا السكر، تسهم في التأثير على عملية الجوع والحد من مسارات الأيض الخاصة بها، إذ يعد التمر مصدراً غنياً جداً بالبوتاسيوم، إضافة إلى احتوائه كميات جيدة من الفيتامينات الذائبة في الماء وخاصة النياسين (ب3)

فإن الربط المباشر الوارد في الحديث الشريف بين تناول التمر وحصول الشبع، وهو نقيض الجوع وخلافه، يمثل دلالة علمية واضحة وإشارة بيِّنة على سبق نبوي في تقرير حقيقة علمية مفادها: أن التمر وما يحتوي من مكونات ممثلة بالسكر يمثل غذاء درء خطر الجوع وما ينبني عليه من نقص لسكر الدم وما يتبعه من تغيرات سلبية ضارة على صحة الجسم .

يجب على مريض السكري الابتعاد عن الأغذية الغنية بالكوليسترول والدسم بحيث يكون الطعام خفيفا قليل الدهن سهل الهضم مع وجوب احتوائه على الكثير من الألياف وعليه تجنب عصائر الفاكهة ومركزاتها لأنها تحتوي على الكثير من السكر ولا تزود الجسم بألياف الحمية لذا يجب عليه اختيار الفاكهة الكاملة لأنها تحتوي على الألياف وعند اختيار عصائر الفاكهة يجب عليه الابتعاد عن المحلاة كما يمكنه أكل الكثير من الفواكه العصيرية مثل البرتقال والليمون الحلو والكريفون (الكريب فروت ) ويفضل أن يبتعد عن المانجو والعنب والموز لاحتوائها على نسب عالية من السكر ومن الفاكهة المفيدة بشكل خاص لمرضى السكري التفاح والكريفون.

التمور

يجب على مرضى السكري “الاعتدال” في تناول التمور ويفضل تناول (5-7 حبات) كما هو الحال لبقية الأغذية. ينصح الأطباء مرضى السكري بالحد من تناول الفواكه بحيث لا يزيد ذلك عن حبتين يوميا وهو ما يعادل تقريبا 5 إلى 7 تمرات ويفضل تناولها متفرقة أفضل من تناولها مرة واحدة لمنع الارتفاع الحاد في مستوى السكر بالدم. حـذر الأطباء من الإكثار من تناول التمر لمرضى السكر، لأنه يرفع نسبة السكر لديهم، كما حذر الأطباء مرضى الكلى من تناول التمور بكثرة، لأنه يرفع نسبة البوتاسيوم لديهم..وأوصانا الرسول “ صلى الله عليه وسلم” بأكل التمر بعدد (فردي واحدة أو ثلاث أو خمس. أو سبع.) على سبيل المثال وقد اكتشف باحث أمريكي مؤخراً فائدة تناول التمر بأعداد فردية، إذ تبيّن له أن في حالة تناول التمور بأعداد فردية تتحوّل السكريات إلى كاربوهيدرات تكسب الجسم الطاقة المطلوبة، أما إذا تم تناولها بأعداد زوجية، فإن السكريات تتحوّل إلى سكاكر وبوتاسيوم وتكون أكثر ضررا للجسم.