1198308
1198308
إشراقات

ظاهرة التطرف لا تشكل بعدا خطيرا في مجتمعنا لامتيازه بالتماسك وعدم تقبله للظواهر السلبية المنحرفة

21 ديسمبر 2017
21 ديسمبر 2017

السلطنة عبر تاريخها اكتسبت الموقف الحيادي وامتثلت خلق التسامح واحتكمت إلى اللين والرفق -

د. سالم الخروصي:-

عرض: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد الدكتور سالم بن هلال الخروصي مستشار الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن السلطنة عبر تاريخها اكتسبت الموقف الحيادي وامتثلت خلق التسامح واحتكمت إلى اللين والرفق.

وقال إن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- يدعو شعبه إلى الالتزام بهذا المبدأ الأصيل ويشدد على رفض كل أشكال العنف والتطرف.

وأشار في بحثه « دور السلطنة في مواجهة التطرف.. وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنموذجا» الذي قدمه في ندوة نظمتها جامعة الدول العربية بالقاهرة بعنوان «التطرف وأثره السلبي على مستقبل التراث الثقافي العربي» الى أن قيمة التوفيق والتصالح كمبدأ ومنهج صارا قيمة أساسية من قيم ميزان العدل والقانون في البلاد.

وبيّن الخروصي أن ظاهرة التطرف لا تشكل بعدا خطيرا في مجتمعنا لأنه يمتاز بتماسكه وعدم تقبله للظواهر السلبية المنحرفة، كما أن تركيبة المجتمع الذي تقيم بين جنباته طوائف شتى ومذاهب متعددة يجمعها الرباط الوطني ويسود ما بينها التعاون، مما مكن العماني من قهر أحداث المجتمع وتحويلها إلى منحة لوعيه القيمي وتطبيقاته لمبادئ الدين الحنيف عمليا.

وذكر الخروصي أن منهج الفكر الديني العماني يدعو إلى الوحدة والتقريب بين المسلمين سواء في الفتوى أو المؤلفات.

كما أوضح مساهمة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في معالجة ظاهرة التطرف بتوعية المجتمع بخطورتها وإيجاد الحلول لها.. والى الجزء الأول من البحث.

مهّد الخروصي لبحثه بمقدمة جاء فيها: تعتبر السلطنة التي تقع في الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة والتي تعد وجهة سياحية واقتصادية مهمة في المحيط العالمي لارتباطها المباشر بالخليج العربي والمحيط الهندي وبحر عمان والمطلة على مضيق هرمز مدخل الخليج العربي كما تسيطر السلطنة على أقدم وأهم الطرق التجارية البحرية ولذا ليس مستغربا أن تكون مهنة التجارة هي من أكبر المهن لدى الشعب العماني والأوسع انتشارا ولقد أفرزت هذه المهنة علاقة وطيدة بين السلطنة ودول العالم وانطلقت السلطنة منذ القدم وحتى بعد دخولها في الإسلام في السنة العاشرة للهجرة تجوب العالم شرقا وغربا لتنشر قيم التسامح والتعايش من خلال أخلاق تجارها فدخل في الإسلام الكثير من الناس من شرق إفريقيا وماليزيا واندونيسيا وشمال إفريقيا السوداء وأوروبا وغيرها ولذلك وصفهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال: «يا معشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعا لم يطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساحتكم بخف ولا حافر ولا جشمتموه كما جشمه غيركم من العرب ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل فجمع الله على الخير شملكم...».

لقد اكتسبت السلطنة عبر تاريخها الموقف الحيادي وامتثلت خلق التسامح في كل موقف وحدث واحتكمت إلى اللين والرفق عبر تاريخها ولم يعرف عنها أن دخلت في معمعة أو أثارت نقعا أو اعتدت على جار أو صديق ملكت قلوب العالم ولها في كل بقعة من الأرض صديق.

وفي العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم يأتي تأكيد السلطنة على هذا المبدأ والسير على هذا النهج فيشدد جلالته على أن عمان بلد يرفض كل أشكال العنف والتطرف وينحى منحاه التاريخي في التسامح والتعايش ويدعو شعبه إلى الالتزام بهذا المبدأ الأصيل فيقول في إحدى خطبه: «إن التّزمُّت في الفهم الديني لا يؤدي إلا إلى تخلف المسلمين وشيوع العنف وعدم التسامح في مجتمعاتهم وهو في حقيقة الأمر بعيد عن فكر الإسلام الذي يرفض الغلو وينهى عن التشدد لأنه دين يسر ويحب اليسر في كل الأمور».

ويوجه جلالته الشباب إلى التبصر في الدين فيقول: «وإنه من المؤسف حقا أن هذا الجمود الذي أدى إلى ضعف الأمة الإسلامية بجمود الحركة العقلية والنشاط الفكري فيها قد أفرز في السنوات الأخيرة نوعا من التطرف مرجعه عدم معرفة الشباب المسلم بحقائق دينه معرفة صحيحة وافية، وكان من شأن ذلك أن استغله البعض في ارتكاب أعمال العنف وفي ترويج قضايا الخلاف التي لا تؤدي إثارتها إلا إلى الفرقة والضغينة.

ولذلك ولكيلا يختلف المسلمون ويتقدم غيرهم فإنهم مطالبون شرعا بتدارك هذا الوضع ومواكبة العصر بفكر إسلامي متجدد ومتطور قائم على اجتهاد عصري ملتزم بمبادئ الدين قادر على أن يقدم الحل الصحيح المناسب لمشاكل العصر التي تؤرق المجتمعات الإسلامية وأن يظهر للعالم أجمع حقيقة الإسلام وجوهر شريعته الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان».

ويشير في مقدمته الى أن مفهوم التسامح والتعايش يضع الإنسانية قبل القانون ويقدم قيمة الإنسان على قيمة المادة مهما عظمت ولذلك فإن قيمة التوفيق والتصالح كمبدأ ومنهج قد صارا قيمة أساسية من قيم ميزان العدل والقانون في البلاد وهو مفهوم انسحب بالتالي إلى آلية التفاوض في مختلف القضايا الإقليمية والدولية من خلال الخطاب السياسي والأداء الدبلوماسي العماني.

وأن ظاهرة التطرف لا تشكل بعدا خطيرا في مجتمعنا العماني ولم يلحظ لهذه الظاهرة أتساع نطاق وذلك لأن المجتمع العماني يمتاز بتماسكه وعدم تقبله للظواهر السلبية المنحرفة وكما جاء في النطق السامي: «إن التطرف مهما كانت مسمياته والتعصب مهما كانت أشكاله والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق».

كما أن تجربة الحضارة العمانية التي أثمرت معرفة بعادات وقيم وسلوك الحواضر والممالك والأمم والشعوب ساهم في تشكيل حضارتنا العمانية وجعلت العماني يجوب البحار ويمتطي الأخطار ويلمس بيده ويشاهد بعينه ويخالط بقلبه وعقله صنوف الحضارات وضروب الثقافات فأكسبته الحكمة والإدراك لكل ما يحيط به ليقبل السليم وينبذ الرديء ويصلح الخلل ويقوم الاعوجاج بسلوكه الراشد وعقله الحصيف.

كما أن تركيبة المجتمع العماني الذي تقيم بين جنباته طوائف شتى ومذاهب متعددة يجمعها الرباط الوطني ويسود ما بينها التعاون وكذلك منهج الفكر الديني العماني الذي يدعو إلى الوحدة والتقريب بين المسلمين سواء في الفتوى أو المؤلفات ويضاف إليها ثبات العماني على عقيدته واستماتته للدفاع عن مكتسبات وطنه وجنوحه إلى تحكيم العقل قبل العاطفة في النظر إلى أحداث عصره كل ذلك كان له الأثر الكبير في تشكيل لوحة المشهد العماني الداخلي والخارجي.

لقد تمكن العماني من قهر أحداث المجتمع وتحويلها إلى منحة بعد أن كانت محنة وخيرا بعد أن كانت شرا مستطيرا بسبب وعيه القيمي وتطبيقاته لمبادئ الدين الحنيف من واقعها النظري إلى ميدانها العملي ولذلك تقلصت الهوة وانحسر البون بين التصور الاعتقادي والتطور الاجتماعي واستطاع العماني بهذا العقل الواعي وتلك المرتكزات أن يجعل مجتمعه خاليا من التطرف والتشدد وساحتها بعيدة عن العنف والإرهاب.

لقد انعكس منهج السلطنة في التعامل مع قضايا الداخل والخارج على أداء الحكومة ولذلك سنتطرق في هذا البحث إلى دور وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في مواجهة التطرف.

جهود الوزارة

يشير مستشار الوعظ والإرشاد الى أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تختص بنشر الوعي الديني كواجب أصيل في منظومة عملها وهذا الاختصاص جعل من أولوياتها الاهتمام باحترام حقوق الإنسان ونشر قيم المساواة ونشر مفاهيم العدل والعقل والأخلاق مما يتساوق ومفاهيم الشريعة الإسلامية بعيدا عن المزايدات التي تطرح هنا وهناك فالحق المطلق بيد الله وأما العدل -غير القانون- فهو مبحث إنساني قابل للخطأ والصواب والتوفيق من الله والأجر لمن أخلص النية وقصد الصلاح والإصلاح ومنظومة العدل والأخلاق هي من المشتركات الإنسانية التي دعت إليها الفطرة والأعراف والشرائع فبالعقل تستقيم الرؤى والتطلعات، وبالعدل يستقيم أمر التعامل الخاص فيما بيننا والعام مع العالم، وبالقيم الأخلاقية الشاملة والضامنة يستقيم بها ومعها هذا النمط الإنساني الشامل.

وذكر أن التطرف والإرهاب أثرا تأثيرا بالغا في نظرة المجتمع الإنساني إلى الإسلام وأدى ذلك إلى انقسام الناس إلى فريقين بين من ينظر إلى الإسلام كمشكلة عالمية ومن ينظر إليه بأنه دين سماوي بريء من سلوكيات أتباعه المتطرفين ولقد أسهم التقارب الإنساني في تضييق الهوة بين الشرق والغرب من خلال مقررات المؤتمر الفاتيكاني الثاني (1962 – 1565) والذي دعا إلى التواصل مع الإسلام واليهودية باعتبار الشراكة الإبراهيمية كما كان لدعوة هانزكينغ في مؤتمر شيكاغو (1991) إلى (الأخلاق العالمية) التي تحدد السلام بين الأديان صدى في أوساط الأديان والمجتمع العالمي وفي نظري أن هاتين الدعوتين أسهمتا في امتصاص صدمة العنف التي أحدثها «الإسلام فوبيا» وبالمقابل دعوة العالم الإسلامي لإبراز صورة الإسلام الصحيحة في المجتمع الغربي أكملت مشروع مسح الصورة القاتمة التي رسمها أدعياء التوتر والعنف من المسلمين.

ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية وهي تتابع تسلسل هذه الأحداث سلكت في سبيل معالجة التطرف وفق تلك المبادئ مسلكا فريدا اتصل بالداخل الإسلامي والخارج العالمي كما أنها وهي تعيش واقع المجتمع الإنساني وتلمس ما يعانيه وتشاطره أفراحه وأتراحه وهمومه وتطلعاته أبت إلا أن تساهم في معالجة هذه الظاهرة وتوعية المجتمع بخطورتها وإيجاد الحلول لها من خلال هذه الخطوات:

أولا: إصلاح الشأن الديني (الخطاب الديني): إن مهمة نشر الوعي الديني وهي أس أولوياتنا وأجل اختصاصاتنا دفعت بالوزارة إلى نهج الإصلاح الديني من خلال: «الخطاب الوسطي» إذ الخطاب المتشدد والذي يثير حفيظة المجتمع ويطرح القضايا المختلف فيها ويستخدم لغة العنف ويتعدى على الحرية الشخصية هو الذي يولد العنف والتطرف وهذا الخطاب لا يعالج إشكالا ولا يصلح مجتمعا ولا يدعو إلى حق ولا يرسم مستقبلا لفردٍ أو مجتمع، والدين الإسلامي بريء كل البراءة من هكذا خطاب فهو دين الوسطية « وكذلك جعلناكم أمة وسطا» وكلمته وسط « ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» ومسلكه وسط «ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا».

ووسطية الدين انجرت إلى الوسطية في الاعتقاد فلا إفراط « ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها» ولا تفريط «وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله». ووسطية في التشريع بين الثبات على الأهداف والغايات (الأصول والكليات) والمرونة في الوسائل والأساليب (الاجتهاد) في شؤونه الدنيوية والعلمية أو (الفروع).

ولذلك جاء في الحديث «ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا».

والوسطية في العبادات فقد جاء في الحديث: «أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني».

ووسطية في الأخلاق «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».

ومن نهج الإصلاح الديني «الخطاب الموجه» فالخطاب الموجه كما يؤكده الدكتور الخروصي هو الذي يحدد مسار الحاجة المجتمعية للجرعات الدينية وفق معطيات الحاضر وطموح المستقبل، والذي يعالج الظواهر السلبية في المجتمع حتى زوالها، والذي يعتمد على مكنون المجتمع من إرث حضاري وسلوك مجتمعي كما يعتمد على رؤية الجهات المختلفة المعنية بواقع المجتمع من خلال استقراء جمعها وملاحظاتها وفق منظومة التمعك والمبنية على (المسح) للمجتمع لمعرفة مكوناته (التحليل) للوضع الاجتماعي (الوعي) بما يحيط بذلك المجتمع من خلال القراءة والمشافهة لاختيار ما يناسب المجتمع من خطاب ديني (القرب) من جمهور المجتمع بضوابط كـ«أنسب الأوقات: التي تمكن الداعية من أداء رسالته على الوجه المطلوب. واختيار «أفضل العبارات» التي يستخدمها لتشد انتباههم، و«أطيب التجمعات» التي يجد فيها أذناً صاغية، و«أصفى المناسبات» التي تملكه قلوبهم ولا ينشغلون عنه.

ثم تأتي مرحلة (المساهمة) في صياغة الخطاب الديني واقتراح العناوين للمرحلة المقبلة وفق الحاجة تليها مرحلة (الارتباط) بإدارات الشأن الديني التابع لها وفق السلسلة الهرمية للمؤسسة لتوصيل ذلك النتاج إليها وكما عرفنا كيفية الحصول على هذا الخطاب الموجه ينبغي أن نعرف المنهج ليكون الخطاب موجها من خلال تجريد الخطاب من الفردية والنزاعات والعصبية والأهواء والمصالح وكل ما يفسد الخطاب الإسلامي في الخطب والمحاضرات والدروس وغيرها.

وتوحيد مؤسسات الخطاب وتحديد شخصياتها واختبار الأكفاء منها ومتابعتها سواء في القطاع العام أو الخاص وهي مسؤولية الحكومات والمؤسسات المعتمدة لذلك.

ووضع استراتيجية سنوية لمادة الخطاب ينهج فيها حسب الأولويات في قضايا المجتمع المختلفة فكريا ودينيا واقتصاديا واجتماعيا وغيرها.

والتوعية بأهمية الخطاب الرزين والصحيح، والدعوة إلى عدم تبني الفكر المنحرف والتنبيه إلى أخطاء الخطاب غير المسؤول.

وتطرق الخروصي الى النتائج المرجوة من الخطاب الموجه والتي تكمن في توحيد المجتمع وجمعه على كلمة سواء. وتنقية الفكر وتصحيح المفاهيم المغلوط فيها. وشيوع ثقافة التسامح والتعايش السلمي في المجتمع الواحد.

وإلمام المجتمع بفئاته وثقافاته بموضوع الحدث ومادة الخطاب اليومي أو الأسبوعي أو غير ذلك وتعايشهم مع الحدث للوصول إلى توعية مجتمعية صحيحة وسليمة ومدروسة لتصحيح فكر أو شيوع ثقافة أو تجديد وعظ أو تناول مناسبة إلى غير ذلك.

ومن النهج الديني كذلك «الخطاب الواعي» ويعتمد على عقلية تخاطبية تناسب الزمان والمكان، فرسالة الإسلام من خصائصها الشمول والعموم ولا يمكن أن تكون هذه المميزات باقية إلا إذا كانت العقلية التخاطبية فيها مرنة تخاطب كل قوم بما يناسب واقعهم وينسجم مع ظروفهم ويتلاءم مع تطلعاتهم ولذلك فرق الكثير من الدعاة بين الخطاب المحلي، والإقليمي وبين الخطاب العالمي فالخطاب المحلي يحاكي واقع المجتمع في جوانبه الاجتماعية والدينية والثقافية بما يفرزه الخطاب الموجه والإقليمي بما يتشارك مع المحلي في النصاب الاجتماعي والديني، أما الخطاب العالمي لابد أن يرتكز على طموحات الثقافة الإسلامية والفكر الديني لأنه المرآة التي تعكس صورة الإسلام إلى الإنسانية وأول ما يتم التفكير فيه لنقله إلى العالم هو الخطاب القيمي التسامحي والتعايشي بمفرداته الثلاث (العقل والعدل والأخلاق) وبالأسلوب السهل والمنهج الوسط البعيد عن الإغراق الفقهي والتصلب العقدي مع البقاء على الثبات مقابل المرونة وهذه الميزات لا تتأتى لأي داعية بل لابد أن يكون ذا ثقافة علمية واسعة ولغة مفهومة وعقلية اجتهادية فثالوث حقيبة الداعية إلى العالم (الموضوع والأسلوب والشخصية التخاطبية) وهذا يحتاج إلى العقل المجتهد ليمعن في القضايا العالمية الحساسة والمتكررة كالقضايا الحقوقية وقضايا المرأة والقضايا العلمية هذه الأخيرة التي قطع العالم فيها شوطا كبيرا.

ومن الخطوات التي عملت الوزارة عليها «الحوار المستمر» ويقصد بالحوار إطلاق برامج مختلفة تعنى بالشباب ويتم خلالها الحوار معهم حول القضايا التي يهتمون بها ويتطلعون إليها وفي ثنايا الحوار يتم إصلاح الخلل وغرس القيم وإزالة اللبس عن المفاهيم المغلوطة وتحفيزهم على الإبداع وتذكيرهم بالتراث الاجتماعي والثقافي وتذليل الصعاب التي تواجههم لخير مستقبلهم. إن الحوار أسلوب رائد في تصحيح المفاهيم المغلوطة والتي انتشرت في المجتمع بسبب القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والتي يعود سببها إلى الخلفية التراثية التي تؤجج وتستحضر بين الفينة والأخرى مما ينتج عنها الرجعية الجاهلة التي تفشت بين شبابنا المغرر بهم فيأتي الحوار لغسيل تلك الأدمغة وإعادة بعثها لتمارس حياتها الفطرية بين المجتمع كما أن الحوار سبيل لدراسة مطالب الشباب والمجتمع لتحقيق وتلبية الممكن منه دفعا لفساد المجتمع وإخمادا لأوار الفتن وتحقيقا للعدالة وإحقاقا للحق الذي بإقامته تهدأ النفوس ويرضى المجتمع وتستقيم الحياة والعيش معها، أما عن الأساليب فهي مختلفة بحسب طبيعة البلاد وظروف المجتمع والكيفية التي تلائم.

لا يقتصر الحوار مع المجتمع وشبابه فقط بل الحوار ينبغي أن يتوسع ليشمل مع القائمين على الشأن الديني لمراجعة الجهود وإصلاح الخلل وإعطاء الجرعات التوجيهية ومناقشة الإشكالات وإطلاعهم على الجديد في الجانب العلمي والعملي والخروج بمقترحات تبني صرح الوعظ والإرشاد.

كما عملت على إطلاق برامج وطنية لتعزيز القيم الأخلاقية؛ فالقيم الأخلاقية هي أسس حضارتنا الإسلامية وسبب انتشار هذا الدين في ربوع الكرة الأرضية وهو الإرث الحضاري الذي تتناقله الأجيال ويحرص الأجداد أن يورثوه للأبناء والأحفاد وأي انحراف عن مسار القيم الأخلاقية يعني خروجا عن المألوف والفطرة ولذلك فإن مجمع الرسالات السماوية هي القيم الأخلاقية التي تعارف الناس عليها ولم يختلف عليها إثنان وهي جماع البشر جميعا.

إن ما أفرزته الأحداث بعد عام 2011م وظهور الفكر المتطرف يستدعي إطلاق برامج وطنية تعنى بتعزيز القيم الأخلاقية وتستهدف شباب المجتمع لتذكيرهم بها وضرب المثال من واقع البيئة والتاريخ وتجارب الأمم والشعوب ليتمثلها في سلوكه وينهجها في تعاملاته اليومية وجوانب الحياة المختلفة.

إن غاية هذه البرامج حماية المجتمع من الأفكار الدخيلة والهدامة ولمواصلة الرسالة الإسلامية دورها في منظومة نشر الوعي المجتمعي ولتعميم الثقافة القيمية من منطلقاتها الدينية والأخلاقية.

أما عن وسائلها فمنها تفعيل المفاهيم الأخلاقية في الدين والتعليم والإعلام والاهتمام بالشباب وقيمه وربطها بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية وإبرازها في وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة واستغلال الملتقيات المختلفة للتوعية بها وإقامة الندوات والملتقيات العملية وغيرها.

إن القيم الأخلاقية ينبغي بثها بين الأفراد والمؤسسات على حد سواء فلا يقتصر دور هذه البرامج على المجتمع المحلي بل كذلك يمتد دوره الى المجتمع الوظيفي، فأخلاق المهنة وكيفية التعامل مع الوظيفة هي من ضرورات هذه البرامج.