abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش.. ومتون: بيتُنا الكبير !

16 ديسمبر 2017
16 ديسمبر 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

ذات يوم، قبل بدء أحد العروض المشاركة بمهرجان المسرح العماني، أجلت نظري في حضور احتشد حتّى ملأ قاعة (مسرح الشباب)، الذي احتضن عروض المهرجان بدورته الأولى عام2004، وفاض عن الكراسي حتى ملأ الممرّات، وفجأة، وقع بصري على الفنان الراحل سالم بهوان، إذ رأيته يفترش أرضيّة القاعة، تاركا نجوميّته خارجها، جاعلا من أحد مدرّجاته كرسيّا حجريّا يجلس عليه، ويسند ظهره على حجر آخر، فيما طوى ساقيه، لكي لا يزعج الجالسين أمامه، وكان يضع يديه على ركبتيه، بخشوع من يجلس في مكان مقدّس، له هيبة في النفس، هذه الهيبة يعرفها جيّدا المشتغلون في المسرح، وعلى الفور نهضتُ من مكاني داعيا إيّاه، للنهوض، والجلوس في مقعدي، حفاظا على الشكل العام للفنّان، وحبّا، وتقديرا، لكنّه، شكرني ، ورفض ذلك مصرّا على البقاء بمكانه على المدرّج إلى جانب من لم يحظَ بمقعد مريح، فالعدد الحاضر كان أكبر من قدرة القاعة على الاستيعاب، رغم إنّها كانت واسعة نسبيّا، وحين طال وقوفي، وبقاؤه على جلسته، قال «عدْ إلى مكانك، أنا في بيتي»، وأردف «المسرح بيتي الكبير»، هذه الكلمة، بحميميّتها، هزّت كياني، وظلّت ترنّ طويلا في رأسي، وصرت كلّما أشاهده مفترشا الأرض، أتركه يمارس حريّته، وطقوسه، في بيته الكبير، وبيت كلّ العاملين به، فالعلاقة مع المسرح تكبر، يوما بعد آخر، فيصبح بيتا، يجتمع به الممثّلون، الذين يشكّلون أسرة، رحماء بينهم، يتوّادون، ويحلمون معا، ويضعون أمام أبصارهم هدفا واحدا هو صنع الدهشة، والبهجة، والتحفيز على التفكير، والسعي الحثيث لإيصال رسائل تثقيفيّة، وتوعويّة، ضمن إطار جماليّ، وبناء درامي، وإبهار سمعي، وبصري.

وكنتُ أرى طلّابا، وأساتذة معهد، وكلّيّة الفنون الجميلة ببغداد، كيف كانوا يتصرّفون كأسرة واحدة قبل أيّام من أيّ عرض ينوون تقديمه، إذ يسهرون على بناء ديكورات عروضهم، يأكلون، ويشربون معا، ويواصلون تدريباتهم المسرحيّة إلى ساعات متأخّرة من الليل، وفي أحيان كثيرة كانوا يفترشون أرضيّة المسرح، وينامون بعد أن يكون التعب قد أنهك قواهم!

بهذه الروحيّة اشتغل روّاد المسرح العماني الذين وضعوا اللبنات الأولى في بيتهم الأثير، ويوما بعد آخر، كبر هذا البناء، وارتفع، بجهود الجميع، وقد حدّثني الفنّان الراحل بهوان عندما رافقته قبل عامين في مثل هذه الأيّام، إلى (نزوى) للمشاركة في مهرجان المسرح العماني بدورته السادسة، ضمن احتفالات السلطنة بنزوى عاصمة الثقافة الاسلامي2015م، وجرى خلالها تكريمه إلى جانب المخرجين: محمد المهندس، ورحيمة الجابري، ويوسف البلوشي كونه من الذين شهدوا بدايات المسرح العماني، فكلّمني، خلال الطريق إلى (نزوى)، عن تلك الأشواط التي قطعها المسرح العماني منذ بواكيره من خلال العروض التمثيلية التعليمية التي كانت تقدّم في المدارس السعيدية الثلاث؛ في مسقط، ومطرح، وصلالة، ثم ظهور دور الأندية بعد النهضة لتتمخّض تلك التجارب عن تأسيس أوّل فرقة مسرحيّة بمسقط، وهي فرقة مسرح الشباب، ليواصل المسرح العماني رحلته، ورغم أنّ بدايات كانت بهوان بنادي العروبة بصور، إلّا أنّه بعد استقراره في مطرح واصل نشاطه المسرحي في النادي الأهلي، والتقى بأمين عبد اللطيف، ومحمد الياس، وموسى جعفر، وعائشة الياس وحفيظة فقير، حتى قدّم مسرحية بيت الدمية لعبدالكريم جواد، وظلّ يبحث عن دور مناسب مميّز يليق بتجربته المسرحيّة، لشعوره بعظم المسؤوليّة الملقاة على عاتقه، قلت له «لعلّ عروض الشباب المشاركة في المهرجان ستحفّزك لتقديم عرض جديد»، فقال «لهذا السبب أحرص على حضور عروض المهرجان»، وهذا ما كان، فمنذ انطلاق فعاليّات المهرجان بدورته الأولى التي أقيمت بمسقط عام 2004م، والفنّان الراحل يحرص على حضور العروض التي تقدّم، والندوات التطبيقيّة التي تعقب تلك العروض، بل كنّا نخرج بصحبة الكاتب أحمد الإزكي، بعد انتهاء الندوات لنواصل أحاديثنا التي لا تنتهي بشؤون المسرح، وشجونه، تذكّرت هذا اللقاء، وتذكّرت بهوان الذي تُعقد دورة المهرجان السابعة، التي تحتضنها ولاية(صحار)، وهو في بيت آخر، لكنّه سيكون حاضرا في قلوبنا، ولقاءاتنا، ونحن نجلس في رحاب بيته الكبير.